عجباً.. كيف وفيمَ كانوا يفكرون؟!

آراء

لعل عبارة «قُتِل بحثاً» تسير على لسان كل من تسقط عيناه على أي مقال أو موضوع يتحدث عن تنظيم «الإخوان المسلمين». فلا شك في أن هناك العديد من المقالات والأطروحات التي تناولت موضوع «الإخوان المسلمين»، بحيث بات الأمر جلياً للجميع وتكشفت جوانب كثيرة ظلت خافية عن هذا التنظيم وتوجهاته.

وبعيداً عن مناقشة الجوانب الفكرية لهذا التنظيم، والحديث عن مخططاته السرية، وغاياته التي لا تظهر للفئة المستهدف استقطابها في بادئ الأمر، نسير مع القارئ الكريم لمحاولة إعطاء بُعد آخر يتكشف معه أنه وبالرغم من قدرات هذا التنظيم الكبيرة في الانتشار والاستقطاب، إلا أنه يفشل في المقابل وبصورة ساذجة في القراءة الواقعية لواقع المجتمعات التي يتغلغل فيها.

وأنا لست هنا معنياً بالحديث عن تجارب مجتمعات أخرى مع تنظيم «الإخوان» فأهل مكة، كما يقول المثل، أدرى بشعابها. وبالتالي فكل الأفراد والمفكرين والباحثين أدرى وأولى بتشخيص حالات مجتمعاتهم. وبالتالي فإنني أطرح وجهة نظري الشخصية لحالة تنظيم «الإخوان» في دولة الإمارات.
كما أشرنا في البداية، يعتبر هذا التنظيم ذا قدرة كبيرة على الانتشار والاستقطاب وتحديداً مع بداية عمله ونشاطه في أي من المجتمعات الإسلامية، لماذا؟ لأنه باختصار يوظف الوسيلة التي لا يختلف اثنان في مقدرتها على تجييش عواطف تلك المجتمعات، ألا وهي أداة «الدين والتدين».

وبالنظر للمجتمع الإماراتي، فإنه ذو طبيعة متدينة تأتي الوسطية سبيلاً لفهم الدين الإسلامي بعيداً عن المغالاة والتطرف. هذا الأمر ساهم بدوره في أن يكون المجتمع الإماراتي من منظور تنظيم «الإخوان»، بيئة جاذبة لتحقيق الانتشار والتغلغل، متناسين أن لهذا المجتمع قيماً أخرى متجذرة في الشخصية الإماراتية لا تتناقض مع الوسطية في الدين، ولكنها وبلا شك تأتي رافضةً للغايات النهائية لذلك التنظيم.

وبشكل مختصر ولضرورة أن يستقيم تسلسل أفكار هذا المقال، نقول إن هذا التنظيم قد بدأ في استغلال العاطفة الدينية للمجتمع الإماراتي، وبالتالي نالت عناصره دون ٳدراك من هذا المجتمع لخلفياتهم ونواياهم تعاطفاً نظراً لطبيعة التدين والوسطية التي كان يتجلى بها عناصره، مستغلاً لا شك أهم تجمعات الفئة اليافعة والشابة. فأصبحت منابر التعليم ومراكزها هدفاً منشوداً لعناصره للولوج فيها وتوظيفها، وهذا ما تكشف من خلال اعترافات لعناصر أعلنت براءتها من هذا التنظيم والانتماء له.

«إن كنت لا تدري، فتلك مصيبة، وأن كنت تعلم فالمصيبة أعظم»، يتساءل القارئ عن رابط العبارة السابقة بموضوعنا الذي نحن بصدده.. الإجابة في السطور القادمة.

يستذكر معي القارئ ما أشرنا إليه في بداية المقال عن قدرات هذا التنظيم في الانتشار والاستقطاب، غير أن الأحداث أكدت فشله في القراءة المتفحصة لخصوصيات المجتمعات.

يصدق هذا الأمر على غير الإماراتيين المنتمين لتنظيم «الإخوان» في دولة الإمارات. فقد جاؤوا بولاءاتهم العابرة، مستغلين وسطية هذا المجتمع وتدينه لتحقيق غاياتهم ولم يدركوا في المقابل، أن قيم المجتمع الإماراتي ستقف حائلاً وسداً منيعاً أمام غاياتهم بمجرد الكشف عنها.

هذا الاضمحلال الفكري في قدرة قراءة المجتمع الإماراتي بصورة صحيحة، قد ساهم في أن يُلقن هذا المجتمع، بمجرد انقشاع الغمامة وانكشاف غايات عناصر هذا التنظيم، درساً في مدى عمق القيم الإماراتية ودورها في الترابط والتلاحم بين السلطة الحاكمة والشعب الإماراتي. وهنا نقول لعناصر هذا التنظيم من غير الإماراتيين «إن كُنت لا تدري فتلك مُصيبة».

لسان حال القارئ يقول إذا كُنا نقول هذا لعناصر التنظيم غير الإماراتيين، فإن أقل ما يقال لعناصر التنظيم الإخواني الإماراتيين أن «المصيبة أعظم».

فواقع الأمر أن هؤلاء قد نشأوا وترعرعوا داخل هذا المجتمع، وبالتالي هم على دراية عميقة بمدى دور العادات والتقاليد وقيم المجتمع الإماراتي في مختلف نواحيه لاسيما شرعية السلطة الحاكمة.

فالعقد الاجتماعي الإماراتي بين القيادة والشعب نابع من جذور العادات والتقاليد القبلية للمجتمع الإماراتي، الذي سلم طواعية السلطة لهذه القيادة التي تعهدت بدورها حماية هذا المجتمع وتحقيق أهدافه. وهو ما أدى إلى:

– شرعية سلطة نابعة من جذور المجتمع وعاداته وتقاليده.

– مجتمع إماراتي يعتز بعبارة «أبناء زايد» التي تذيب معها أي تباين وتأتي بوصفها نموذجاً للنسيج المجتمعي المتجانس، وصورة مثالية لدور المظلة الوطنية في احتواء جميع فئات الشعب.

– الأولى عربياً في مؤشر السعادة والرضا.

– الأولى عربياً في احترام المرأة والتحصيل العلمي لها.

– الأولى في تطلعات الشباب العربي متقدمة على دول مثل أميركا وبريطانيا وغيرها.

القائمة تطول ولست هنا لأعدد المفاخر والإنجازات، فيبقى الكمال لله عز وجل، ولا شك في أن هناك بعض الجوانب التي تحتاج إلى التطوير والاهتمام، وهو أمر لا تخجل حكومة دولة الإمارات من أن تسعى لاكتشافه ومعالجته، لتحقق أمراً ظل دائماً مستحيلاً ولكنها تسعى لتحقيقه، ويتجلى ذلك من خلال ما قاله الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية من أن إرضاء الناس ليس غاية لا تدرك وإنما غاية تُدرك.

كيف صُوِرَ لهؤلاء أن ينسلخ المجتمع الإماراتي من كل تلك القيم والموروث، ويسير في إثر هذا التنظيم الذي لا يعرف للولاء مستقراً.

وكيف توهمت هذه الفئة المواطنة وهي أدرى بشعاب دولة الإمارات وشعبها، أن يتخلى المجتمع الإماراتي عن كل مكتسباته، وينجر وراء من سار خلف تنظيم فشل حتى في أن يحقق ما يصبو إليه في مجتمعه.

هؤلاء المنتمين لتنظيم “الإخوان” من دولة الإمارات يتوجب عليهم أن يدركوا أنه شتان ما بين الانتماء الحقيقي لدولة الإمارات والانتماء الصوري لها. فالانتماء الحقيقي تلازمه واجبات لابد من التقيد بها والتي تدفع بدورها إلى التكامل بينه وبين الولاء.

هل سأل هؤلاء آباءهم وأجدادهم هل من الممكن أن ينقادوا وراءهم ويضربوا بعرض الحائط ما توارثوه من عادات وتقاليد؟.

إن الحراك الشعبي الإماراتي الذي اكتظت به محاكم دولة الإمارات لرفع قضايا على أولئك الذين تطاولوا على دولة الإمارات وقيادتها، وتوافد الشعب لتجديد الولاء والطاعة لقيادة دولة الإمارات، كان كفيلاً بأن يوقظ المنتمين من دولة الإمارات لهذا التنظيم من غفلتهم ليطرحوا هذا السؤال على أنفسهم:

«عجباً، كيف وفيمَ كنا نُفكر؟!»..

فهل من متعظ؟

المصدر: الإتحاد