ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

عمائم كاذبة

آراء

لعل من ميزات وسائل التواصل والاتصال الجديدة أنها تختصر عليك مشقة البحث والتنقيب في أمهات الكتب، والتي يكون الاطلاع عليها للمتبحرين والباحثين والمتقصين، وهؤلاء الأشخاص هناك الكثير ممن يكذبهم، والكثير ممن لا يسمع لهم، والكثير ممن يشكك فيهم، وممن يؤمن بما قالوا، دخلوا معهم في سجال ومناقشة، اليوم الوسائط الذكية تنقل لك بثاً حيّاً وملوناً بالصوت والصورة، ويصل إلى الجهات الأربع في الوقت نفسه، وهنا لا أتحدث عن الأشياء المفبركة والمركبة وما كان القصد من طرحها الترفيه وجلب الضحكة، أنا أتكلم عن نقل حي من مساجدهم وحوزاتهم وخلواتهم وتكاياهم وزواياهم، وأمامهم ميكروفونات ذات تقانة عالية، اخترعها من يلعنونه، ويسمونه الكافر والمخلد في النار، لكنهم يمتطون ظهره، ولا يأكلون لحمه، وأمامهم حشد كبير من البسطاء أو الجهلاء أو المعتلين، وهناك المندسون والمدفوع لهم من أصحاب الأجندات، والذين يقودون عقلية القطيع، كلهم جاؤوا وهم يعتقدون بطهارة ذاك الجالس يخطب، ويدوزن صوته بين الجواب والقرار، وبعضهم يتمادى، ويستخدم خاصية صدى الصوت في مكبرات الصوت، لخلق مزيد من التأثير على الناس، وبعضهم تَهلّ عبراته ودمعاته ليستدر العواطف، ويسلب الناس تفكيرهم، هؤلاء الذين يعدون ظواهر مسرحية، تغلب عليهم العمائم الملونة والخواتم الفضية، ذات الأحجار الكريمة، وعطور أشبه بالكافور، وروائح الجنائز.

كان الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام، يختصر الإسلام لشخص بدوي، لا يريد من الدين الجديد إلا جملة واحدة تجعله مستقيماً، فاختزلها رسول الإنسانية بكلمة «لا تكذب»! فصَرّها البدوي في عمامته، واعتلى مطيته، وقال: ما أبسط الإسلام! لكنه ما إن توغل في الأيام، وعرف طريق الحياة، ونفوس البشر، حتى أدرك كم هي صعبة تلك الكلمة التي تعني توازن الدنيا، ونيل خير الآخرة، والعيش في رضا القناعة!

اليوم.. ما نشاهده من كذب بعض العمائم واللحى ليس على الناس، ولكن على الله وكتبه ورسله وعلى المؤمنين، حتى يكون الحساب، هو كذب صراح وصراخ، ولا تشك في أنهم مستفيدون من ذلك الكذب والمبالغة في التأويلات والتهويلات، والبكائيات على مرويات التاريخ، والتمجيد الذي يفوق قدرة البشر، لشخصيات لو هم اليوم عائشون بين ظهرانينا، لتبرؤوا من كذب من يعدّون أنفسهم أنصاراً وهم أزلامٌ، ولفروا بجلودهم يبتغون النجاة مما يتقول عليهم، وممن يتقول عليهم، ويرفعونهم لمقام الربوبية، وخلق الكون وتدبيره، بقصص أشبه بقصص الخيال العلمي أو الفانتازيا أو مثل حديث خُرافة أو ما يقوله قرناء الجن في وادي عبقر.

مشكلة ذوي العمائم الكاذبة أنهم يتحدثون عن التاريخ، وكأنه حقائق ثابتة لا متغيرة، وأن كل الشخصيات التي فيه هم جزء من سيرورة وصيرورة التاريخ، غير مصدقين أن بعض الشخصيات وهمية، وجدت وخلقت لكي تجعل من البطولة واقعاً، ومن الحادثة صدقاً، ولتجعل الشخصية المحورية أكثر بروزاً وتوثيقاً، مشكلتنا أننا لا نقرأ، ونتجنب في قراءاتنا ما يمكنه أن يحرك الرأس، ويشغله بالأسئلة، ونذهب خلفه نحو آفاق وبحور جديدة، نحن نقرأ الكتب، وفي دواخلنا «آمين»، نقرأ ولا نريد أن تخدش القناعات أو لا نريد كلمة «لا»، والأجمل منها «نعم»!

كل ذلك على الرغم من فضح وسائل ووسائط الاتصال الرقمي الجديد كل المدعين والكذابين والذين يريدون أن يسترزقوا من أكاذيب التدين، بمظهرية العمامة واللحية، والذين يريدون أن يخلقوا حالات من الجهل المستمر في الناس والمجتمعات دافعين إياها نحو الطائفية والإقصاء والإلغائية، وتعمية الأبصار والبصيرة، لكي يتسيدوا الخطاب، ويسترزقوا بالذي هو سهل ويسير، ولو كان على حساب الكذب على الله وكتبه ورسله والمؤمنين!

المصدر: الاتحاد