علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

فخورون بكم

آراء

كانت الساعة تشير إلى ما بعد الرابعة من عصر يوم الأربعاء 19 إبريل الجاري، عندما تلقيت اتصالاً هاتفياً من الزملاء في «مركز الأخبار» التابع لمؤسسة دبي للإعلام، يطمئنني على سلامة موفدنا إلى العاصمة الصومالية مقديشو، بعد التفجير الإرهابي الذي تعرضت له قافلة الهلال الأحمر الإماراتي، وهجوم آخر وقع بالقرب من المكان الذي كان موفدنا فيه، لكن المستهدف منه كان أحد المسؤولين الصوماليين، في محاولة لاغتياله من قبل فصيل صومالي آخر.

في المساء دار حوار بيني وبين أحد الأصدقاء، توقع خلاله صديقي أن تقوم دولة الإمارات بإعادة قوافل الهلال الأحمر التي تجوب أنحاء الصومال لتقديم مساعداتها، وأن نعمد نحن في «مركز الأخبار» إلى إعادة موفدنا المبتعث في مهمة لتغطية نشاط هذه القوافل هناك، كما توقع أن يتم إلغاء البث التلفزيوني المشترك المقرر أن تنفذه تلفزيونات الدولة يوم الجمعة، في إطار حملة «لأجلك يا صومال» التي أمر بتنظيمها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.

قلت لصديقي إن هذا لن يحدث إطلاقاً، بل إن هذه العمليات الإرهابية لن تزيدنا إلا إصراراً على المضي قدماً في مواصلة دورنا الإنساني والإغاثي في مناطق العالم المختلفة، وقد أكد وجهة نظري هذه بيان وزارة الخارجية والتعاون الدولي، الذي جدد دعم دولة الإمارات للصومال حكومة وشعباً، وأكد أن هذه الأعمال الإرهابية لن تثنينا عن مدِّ يد العون والمساعدة للصومال وهو يمر بمرحلة إنسانية حرجة، كما أكدها تصريح سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل حاكم أبوظبي في منطقة الظفرة رئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، الذي استنكر الحادث، وأكد أن هذا العمل يتعارض مع الأهداف النبيلة التي تتواجد من أجلها الإمارات في الصومال، وتضطلع بمسؤولياتها الإنسانية لإنقاذ حياة الملايين الذين يتعرضون لأسوأ كارثة إنسانية، بسبب الجفاف والتصحر، والنزاعات التي تفتك بالأشقاء هناك.

هذه هي دولة الإمارات، وهؤلاء هم أبناؤها الذين لا تهزهم العمليات الإرهابية، ولا تجعلهم يتراجعون عن تأدية الدور الإنساني الذي يؤمنون به، وعلى الذين يظنون غير ذلك أن يعودوا إلى التاريخ، ويرجعوا إلى قوائم الشهداء الذين قدموا أرواحهم تلبية لنداء واجب إغاثة إخوانهم في الإنسانية في مختلف أنحاء العالم، وآخرهم الذين قضوا نحبهم في أفغانستان أوائل هذا العام، نتيجة التفجير الإرهابي الذي وقع بمقر محافظ قندهار، وهم يقومون بتنفيذ مشروعات إنسانية وتعليمية وتنموية، ضمن برنامج دولة الإمارات لدعم الشعب الأفغاني.

ذلك أن مثل هذه الاعتداءات الإرهابية لا تفت في عضد أبناء الإمارات، ولا تجعلهم يتراجعون عن الأدوار الإنسانية الجليلة التي يقومون بها في كل مكان، كما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في أعقاب حادث قندهار، قائلاً إن الإرهاب الآثم لا يعرف معنى الإنسانية ولا قيمها النبيلة، ولا يفرق بين الناس كبيرهم وصغيرهم، ولا يميز بين أعمالهم، لتطال يده الغاشمة أناساً نذروا أنفسهم للخير، ولم يتأخروا في بذل أرواحهم ودمائهم الزكية في سبيل توصيل رسالة سلام وخير إلى العالم.

هذا الإصرار على مواصلة أداء هذا الدور بدا واضحاً أيضاً في تصريحات أعضاء بعثة الهلال الأحمر الإماراتي في الصومال، بعد الحادث الإرهابي مباشرة، كما بدا واضحاً في الرسالة التي وافانا بها موفدنا إلى هناك مساء اليوم نفسه، والتي أكد خلالها أن هذه العملية لم تزدهم إلا عزيمة وإصراراً لإكمال المهمة التي ذهبوا من أجلها، وأنها لم تغير من جدول أعمالهم، حيث واصلوا طريقهم إلى المناطق المنكوبة، ووقفوا على احتياجات أهلها، وقدموا لهم المعونة التي يحتاجونها.

هذا التصميم، الذي ربما لا يعرفه البعض، نعرفه نحن جيداً، ونلمسه من خلال أعداد المتطوعين الذين يتقدمون إلى الهلال الأحمر الإماراتي والمؤسسات والجمعيات العاملة في مجال الخدمات الإنسانية والإغاثية، يبدون رغبتهم في الذهاب إلى المناطق التي تعصف بها الحروب والمجاعات والكوارث، لتقديم العون لسكان هذه المناطق الذين يعيشون ظروفاً مأساوية، ويفتقرون إلى الحدود الدنيا من المقومات التي تبقيهم على قيد الحياة مثلما نشاهد في الصور التي تنقلها لنا وسائل الإعلام التي يغطي مراسلوها وموفدوها هذه المناطق، وينقلون لنا حجم المعاناة التي يعيشها من حكمت عليهم الأقدار بالعيش فيها، أو الهجرة إليها.

لذلك نحن فخورون بأبناء الإمارات الذي يعملون في مجال المساعدات الإنسانية والإغاثية في كل مكان، وأولئك الذين يتطوعون للعمل في هذا المجال، وينضمون للعمل في القوافل التي تجوب أنحاء العالم حيثما كانت هناك حاجة إلى المساعدة.

كما أننا فخورون بموفدينا ومراسلينا وطواقمنا، الذين يتحمسون ويتنافسون على الذهاب إلى هذه المناطق لتغطية أنشطة بعثاتنا الإغاثية، ونقل معاناة الشعوب التي تعيش هناك، أكثر مما يتحمسون ويتنافسون على الذهاب إلى باريس أو لندن أو نيويورك، على سبيل المثال، لتغطية أحداث ومناسبات سياحية وترفيهية، لا يتعرضون فيها للمخاطر التي يتعرضون لها في مناطق الحروب والمجاعات والكوارث، حيث يواجهون خطر الموت والاختطاف والأمراض والأوبئة.

نحن فخورون بهم لأنهم يمثلون إنسان الإمارات الذي يعيش رغداً من العيش في دولته، لكنه يشعر بمعاناة الآخرين في مناطق العالم المختلفة. وهذا هو جوهر إنسان الإمارات الذي لم ولن يتغير مهما تعرض لهجمات، ومهما حاول أعداء الحياة والإنسانية أن يثنوه عن القيام بدوره الإنساني النبيل.

المصدر: البيان