نجيب الزامل
نجيب الزامل
كاتب سعودي

مخاوفنا .. ماذا نصنع بها؟

آراء

هل نكشفها أم نحتفظ بها في صدورنا؟

يقول فيلسوف اسكتلندا الشهير “روبرت لويس ستيفنسون”: احتفظ بمخاوفك داخل نفسك، أما شجاعتك فأشرك معها الآخرين”.

قد تبدو نصيحة بالية لا تتفق مع الظروف التي نعيشها الآن في بلدنا، ولكن تحتاج إلى نقاش في مسألة كشف الخوف كعنصر من عناصر الشجاعة إذا صحت مقوماته. فهناك مخاطر خارجية تدور حولنا وهي واضحة، ولكن هناك مخاطر داخلية أكبر خطرا وهي أقل وضوحا. وفات الحديث الآن، أو أنه ليس الوقت المناسب لمناقشة من كان السبب أو المتسبب، أو ما هي الأسباب التي ولدت مجتمعا غاضبا؟ ثم كيف أننا حلمنا طويلا أن الخطر الداخلي بالذات بعيد عنا، وأننا مجتمع السكينة والطيبة والتعامل الهادئ، فإذا الغضب العارم الذي لا يرى إلا بواسطة عينين من الكراهية والانتقام يعم بعض فئاته. لقد تحولنا بسرعة الضوء من مجتمع هادئ، جزيرة سلام معزولة عما يجري في العالم من قلاقل، فإذا القلاقل تصنع في داخل بلدنا، وفوجئنا أن جزيرة السلام الهادئة تنفث فيها أيضا البراكين!

دعوني أوضح ما يدور في ذهني بالاستعانة بقصة واقعية حدثت للكاتب الإنجليزي الشهير، والمعروف بالخيال العلمي “هـ. ج. ويلز”. كان ويلز في أحد الأيام جالسا في حديقة “هايد بارك” في لندن عندما لمح شابا يضع يديه في جيب معطفه، ثم يخرجهما ويفركهما، ثم يعود لوضعهما في الجيب من جديد، ثم إنه يذرع الممر بعصبية جيئة وذهابا، والقلق يحوم حوله كضباب أسود. ولم يجد الكاتب الكبير صعوبة في إدراك أن الشاب كان مضطربا قلقا وخائفا. قام ويلز من مقعده وذهب للشاب وسأله: “ما لك يا بني؟” فرد الشاب: “إني قلق وخائف يا سيدي”، فرد عليه ويلز: “أنا أيضا أشعر بقلق جعلني خائفا تعيسا، فما رأيك لو سرنا معا وتبادلنا الحديث؟”. سارا معا، وقبل أن يودعا بعضهما بعضا كان واضحا إشراقة الشاب وتغير مزاجه للأفضل.

ما الذي حدث؟ ما الذي جعل الشاب أكثر استبشارا وإقبالا على الحياة؟ السبب هو في كشف الخوف والاعتراف به، لا مداراته وتوهم سلام صحيح، وإنكار خطر زاحف. ولما نعترف بشجاعة أننا في حالة تدعو للخوف، تأتي الشجاعة الأخرى وهي مقاومة مسببات الخوف ومحاربتها، وصدها. ولن يتأتى لنا ذلك إلا إن سرنا معا، وتماسكنا معا حتى نهاية الطريق، وقد لا تكون النتيجة استئصال كل مسببات الخوف، ولكن نفوسنا اطمأنت لأننا عرفنا كيف نواجه الخوف ونقاومه ونضعف من تطاول قوته.

الخطر في الأحداث التي تخيفنا ليس فقط تلك الأحداث، وإنما التقوقع والهرب من مواجهتها، أو التحزب الصامت لبعض الأحداث ولمسببيها.

هل أنا خائف بعد أحداث الدالوة؟

لا أخاف بحول الله إذا ما تكاشفنا عن خوفنا بلا إشاعته وتعظيمه، ثم اكتسبنا الشجاعة بأن نتماسك.. ونسير “معا” إلى نهاية الطريق.

المصدر: الإقتصادية