عقل العقل
عقل العقل
كاتب وإعلامي سعودي

«مركز الحوار الوطني» ليس لاستضافة الوزراء

آراء

مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني نتاج لمشروع خادم الحرمين الشريفين للإصلاح، وقد بدأ مسيرته في عام 2003، وكما فهمنا أن هدف المركز هو نشر ثقافة الحوار والتعاطي الإيجابي مع الاختلاف مع الآخر مهما كانت درجة الاختلاف، وركزت جلسات الحوار السابقة على قضايا مسكوت عنها في ثقافتنا المحلية، مثل قضايا المذهبية والحوار بين السنة والشيعة في وطننا وقضايا التصنيفات الفكرية في مجتمعنا وغيرها من الملفات المهمة التي نريد أن يركز المركز عليها في نقاشاتها المستقبلية، وتهمُّ الرأي العام المحلي، وهي كثيرة، وتحتاج إلى المبادرة من المركز والقائمين عليه لإشراك المواطنين في اختيار ما ستتم مناقشته من المركز، وقد خدمتنا التقنية لمعرفة ماذا نريد من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، فيمكن من خلال موقع المركز على شبكة الإنترنت أن نشارك في اختيار المواضيع التي نرى أنها تستحق أن يسلط الضوء عليها في جلسات الحوار المقبلة، ولن أتحدث عن التوصيات الصادرة والمرفوعة لمقام خادم الحرمين الشريفين في نهاية كل جلسة نقاش يقوم بها المركز، لأن خادم الحرمين يستقبل المشاركين فيها في نهاية كل اجتماع، وهو ما يدل على اهتمامه – حفظه الله – بدور المركز والآمال التي يعقدها على فعالياته، ونحن نشاركه هذا الشعور، وحبذا لو يفعِّل المركز بعض توصياته التي أصدرها وتم تبنيها في القرارات والمشاريع من الدولة حتى لا يفقد مشروع الحوار الوطني دوره المأمول في خدمة قضايا المجتمع.

القضية التي سأتطرق إليها بعد هذه المقدمة حول دور المركز هي: استضافة المركز ومن خلال قناته التلفزيونية (حوارات المملكة) بعض الوزراء والمسؤولين، التي بدأ ينظمها في الفترة الأخيرة وقبل كل مقابلة مع مسؤول يستقبل أسئلة المواطنين ويجري التصويت على أهمية تلك الأسئلة التي تطرح على ضيف القناة، وشاهدت بعضها، ولكن أرى أن هذا انحراف عن دور المركز، فالذين استضافهم حتى الآن هم من الوزراء الذين تقدم أجهزتهم الرسمية خدمات للمواطنين، مثل وزير المياه والكهرباء والآن ينظم لقاءً مع وزير النقل وقبله وزير التعليم، فأنا لا أعرف ما علاقة تلك المواضيع في نشر ثقافة الحوار على رغم أهمية المواضيع التي يتطرق إليها هؤلاء المسؤولون وكذلك قلة القنوات المتاحة لمناقشة المسؤولين عما تقوم به وزاراتهم من خدمات للمواطنين، ولكن ذلك لا يبرر باعتقادي استضافتهم من مركز الحوار الوطني، وسأتطرق إلى مقابلة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة لفساد على رغم أن موضوع مكافحة الفساد مهم وحساس، ولكن كان من المفروض أن يناقشه المركز كحلقة نقاش مستقلة وليست مقصورة على رئيس هيئة مكافحة الفساد فقط، مثل هذه اللقاءات والحوارات والمكاشفات ليست وظيفة مركز الحوار الوطني، بل إننا نتمنى أن تكون مثل هذه المقابلات في مجلس الشورى مثلاً، فهذه من صلب أعماله وألا يكتفي المجلس فقط بحضور الوزراء ومعهم جيش من موظفيهم في كل عام مرة عند مناقشة تقارير أداء أجهزتهم. نأمل أن يبادر مجلس الشورى إلى القيام بمثل هذه الحوارات وأن تكون متاحة للمواطنين وأن يقدموا ملاحظاتهم على أداء تلك الأجهزة تحت قبة الشورى بطريقة منظمة وشفافة.

أما مركز الحوار – على رغم جماهيرية خطوته هذه – فأعتقد بأن فيه انحرافاً واضحاً عن مهمته الرئيسة التي أُسس من أجلها، فما علاقة الطرق وانهيار الجسور ومشكلات الكهرباء والمياه في تعزيز قيم الحوار؟ فمجتمعنا يعاني الكثير من القضايا الملحّة التي ننتظر من المركز أن يبادر إلى التصدي لها وكسر حاجز الصمت عنها وإخراجها إلى العلن، وأن يناقشها في العلن، فمثلاً تطالعنا الصحف المحلية بقضايا أتمنى أن تكون محاور للنقاش في المركز، فمثلاً ذكرت بعض الصحف المحلية قضايا الطلاق لعدم تكافؤ النسب بين زوجين سعوديين، فهذه قضية مهمة وعلى المركز التركيز عليها وتخصيص جلسة حوار حولها، إضافة إلى قضايا، مثل القبلية والمناطقية والولاءات المتعددة في مجتمعنا. أما محاسبة المسؤولين فهذه ليست وظيفته بل بإمكان الإعلام بإشكاله كافة محاسبتهم وتسليط الضوء على أوجه القصور في أداء الخدمات التي تقدمها الأجهزة الرسمية التي يمثلونها.

المصدر: الحياة