مستقبل سوريا بعد فوز الأسد

آراء

«لم يعد لمؤتمر جنيف معنى بعد الانتخابات السورية». كان هذا تصريح علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإيراني (البرلمان). والحقيقة أنه تصريح واقعي جداً في ظل ما نراه حالياً. فخلال الفترات السابقة ظل المجتمع الدولي يسعى إلى عقد مؤتمر يجمع الفرقاء في الداخل السوري أملاً في الوصول إلى حل سياسي يوقف معه آلة الدمار التي لا يشعر بويلاتها سوى الشعب السوري.

لكن هذا المؤتمر غفل أو لنكن أكثر تحديداً تغافل عن أمر مهم وهو أن الجمع بين الفرقاء الإقليميين والدوليين حول الأزمة السورية هو المفتاح الرئيس للوصول إلى حل لهذه الأزمة.

فجاء مؤتمر جنيف الأول وتبعه مؤتمر جنيف الثاني وكان الهدف الرئيس تشكيل حكومة انتقالية لا يكون لبشار الأسد أي دور فيها. هذا الأمر لم يتحقق نتيجة العديد من الأسباب ومنها:
• استمرار تباين الرؤى الإقليمية والدولية حول الأزمة السورية نتيجة تضارب المصالح بين اللاعبين الرئيسيين فيها.

• دخول الجماعات الإرهابية في الساحة السورية والتخوف الدولي من وصول الأسلحة إليها.

• نجاح النظام السوري واستعادة السيطرة على العديد من المناطق.

• تباين تام من قبل الوفدين الممثلين سواء للنظام السوري أو المعارضة السورية حول قضايا جوهرية ولاسيما مصير بشار الأسد.

وبالتالي انفض المؤتمر وعجز مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي مثلما عجز سلفه كوفي أنان، وانتهى به المطاف بتقديم استقالته. وظل الحديث بعد ذلك هل سيترشح الأسد مرة أخرى للانتخابات الرئاسية أم لا، وهل سيقبل المجتمع الدولي بذلك وما هي النتائج المترتبة في حال خوضه الانتخابات ونجاحه بلاشك فيها؟

الحقيقة أنه في ظل فشل الجهود المبذولة، وتنامي التنظيمات الإرهابية، ونجاحات النظام السوري على أرض المعركة، ووجود المظلة الدولية له وأتحدث هنا تحديداً عن الموقف الروسي الذي ساعد بدوره في مضي النظام الإيراني في دعمه للنظام السوري وبالتالي بقاء الحليف الاستراتيجي له في المنطقة، أصبحت مسألة مشاركة بشار الأسد في الانتخابات أمراً طبيعياً، والذي عبر عنه رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني بقوله إذا كان الأميركيون يدركون أن بشار الأسد ليست لديه شعبية في سوريا، فلماذا يخشون من ترشحه للانتخابات الرئاسية؟

إن الأهمية الاستراتيجية للنظام السوري لدى النظام الإيراني، قد دفعت بأن يكون هذا الأخير من أكثر الداعمين لعقد تلك الانتخابات التي أجريت في الأسبوع المنصرم وجاءت نتيجتها بفوز ساحق لبشار الأسد، حيث عبر الرئيس الإيراني السيد حسن روحاني عن أنه لا يمكن تعليق الانتخابات الرئاسية في ظل الظروف الراهنة، فأهمية الانتخابات تكمن كما يرى بروجردي في أنها خطوة مهمة لإرساء الأمن والاستقرار في هذا البلد. وبالتالي فإن أهمية هذه الانتخابات وإقامتها لدى النظام الإيراني قد دفعته كما يقول مساعد وزير الخارجية الإيراني عبداللهيان إلى أن تكون من ضمن البنود الأربعة التي تقدمت بها إيران للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية.

وهو ما دفع بدوره قيام النظام الإيراني بالإعلان عن مشاركة وفد برلماني إيراني في الانتخابات الرئاسية السورية كمراقب ومشرف على عمليات الفرز. ولم يكن النظام الإيراني ليفوت فرصة تواجد عدد من الوفود البرلمانية لحضور مؤتمر أصدقاء سوريا الذي عقد في إيران لدعوتها لزيارة سوريا ومراقبة انتخاباتها الرئاسية وهو ما تحقق بالفعل.

نعم لم يعد هناك معنى لمؤتمر جنيف ولن يبصر النور مرةً أخرى، أو على أقل تقدير لن تبصر أهدافه النور وتحديداً وجود حكومة انتقالية. لقد فرض الواقع الذي تعيشه سوريا أن أصبحت الأمور تسير في مصلحة النظام السوري. فالتخوف من التنظيمات الإرهابية، ومستقبل سوريا في حال انهيار النظام، بالإضافة إلى توظيف النظام الإيراني والنظام السوري تواجد تلك التنظيمات واعتبار أن ما يجري في سوريا هو حرب على الإرهاب، ناهيك عن التباين داخل المعارضة السورية التي تساهم بدورها في الموقف الغربي المتردد تجاهها، جميعها صبت في مصلحة ذلك النظام.

استقراء المستقبل يشير إلى أن أي ترتيبات ومقاربات بين الفرقاء ستكون بعيدةً عن الحديث عن مصير بشار الأسد واستمراره في السلطة من عدمه وذلك مع وجود المظلة الدولية (روسيا والصين) والإقليمية المتمثلة في إيران والداعمة له، بالرغم من تصريح وزير الخارجية الأميركي بأن هذه الانتخابات لا معنى لها واعتبارها مهزلة من قبل الغرب، فالمنظور السوري في المقابل يرى أن الخطوط الحمراء التي ترددت من الإدارة الأميركية وهذه التصريحات لا معنى لها أيضاً.

وستصبح نسبة المشاركة في هذه الانتخابات وبغض النظر عن صحتها من عدمها مسوغاً شرعياً لبشار الأسد وبقائه في السلطة. فالانتخابات الرئاسية السورية كما يرى رئيس مركز البحوث والدراسات التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام ومستشار المرشد للشؤون السياسية والدولية معززة لشرعية حكومة بشار الأسد، وأن قبول الدول الغربية بنتائج الانتخابات الرئاسية في سوريا أو رفضها لها ليس أمراً مهماً.

يأتي التساؤل هنا هل سيؤثر بقاء الأسد على مستقبل الحل السياسي في سوريا؟ يجيب الحليف الاستراتيجي له ممثلاً في وزير خارجيته محمد جواد ظريف «ينبغي على القوى الأجنبية التخلي عن وهم تحقيق رغباتها وتطلعاتها في سوريا من خلال الوسائل العسكرية، وتقبل أنه لا بديل عن حل سياسي للأزمة السورية بناء على إرادة الشعب السوري التي سيظهرها من خلال صناديق الانتخاب».

ظهرت نتائج صناديق الاقتراع بغض النظر عن نزاهتها لتشير وفقاً لرؤية النظام الإيراني أن الحل السياسي لن يأتي على حساب بقاء حليفها الاستراتيجي في السلطة بل سيعززه. ويبقى الحال كما هو عليه في ظل استمرار تباين الفرقاء الدوليين والإقليميين.

ويبقى الشعب السوري يئن تحت وطأة هذا الدمار.

فإلى متى؟

المصدر: الإتحاد