عمار بكار
عمار بكار
كاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد

مستقبل “يوتيوب”..

آراء

تمثل إحصائيات المشاهدة على موقع يوتيوب ظاهرة تاريخية بحد ذاتها. يزور موقع يوتيوب أكثر من مليار شخص كل شهر، يشاهدون 6 مليارات ساعة (أي بمعدل ساعة لكل شخص من سكان الأرض)، كما يتم تحميل 100 ساعة من المحتوى كل دقيقة على موقع يوتيوب الموجود بـ61 لغة، وبمعدل نمو 50% مقارنة بالعام الماضي.

هذه الأرقام المذهلة تؤكد لك مدى احتياج الناس لمادة الفيديو، وهو الذي جعل بعض الباحثين يقول إن الإنسانية تتحول لأول مرة في تاريخها وبشكل تدريجي من ثقافة النص إلى ثقافة الصورة. الفيديو يسيطر سريعا، ولا إعلام ولا تسويق في المستقبل القريب جدا بدون فيديو، بينما النص والصورة تتدهور أهميتاهما سريعا كذلك. وليس أي فيديو، فقنوات التلفزيون بثت على مدار اليوم خلال الأربعين عاما الماضية دون أن تحدث هذا التحول الضخم، المقصود الفيديو بحسب الطلب، كما يرغب المستخدم، في الوقت الذي يريد، وبالطريقة والأسلوب اللذين يريدهما، ليشكل بذلك ظاهرة يمكن أن نطلق عليها “الإعلام المرئي الجديد”.

ما هو مستقبل هذا الإعلام؟

السؤال مهم، لأن هذا يعني باختصار مستقبل الإعلام المرئي كله، بما فيه التلفزيوني، ومهم لأن هناك عددا من المواهب والإبداعات والاستثمارات تكتلت لإدارة عدد كبير من قنوات يوتيوب المميزة في المملكة، وهي تحقق نموا إعلانيا لا يكاد يصدق.

الجواب باختصار يأتي من نقاط ضعف موقع يوتيوب نفسه، فـ”يوتيوب” يقدم لك هذا الكم الخرافي من الفيديوهات دون آلية واضحة تختار لك المميز منها دون أن تحاول متابعة الناس على “تويتر” وفي كل مكان لاكتشاف هذه الفيديوهات، وهو أيضا يركز على الفيديوهات القصيرة فقط، وساهمت قوانين الموقع التي تدعم محتوى المستخدم ولا تحمي الشركات المنتجة للأفلام والمسلسلات في فجوة بينه وبين منتجي المحتوى الترفيهي والرياضي. هذا كله ساهم في خروج كم هائل من الشركات والمنصات الرقمية التي تحاول تقديم منتجات وخدمات تستفيد من هذا النجاح الخرافي لموقع يوتيوب، ولكنها في نفس الوقت تغطي بعض نقاط نقصه.

بعض المواقع ركزت على المحتوى الطويل والمميز مثل موقع Hulu.com الأميركي وموقع شاهد.نت التابع لـmbc، وبعضها يحاول تقديم خدمة متكاملة من خلال ربط كل فيديوهاتك المفضلة على كل الشاشات، بحيث تشاهدها أينما أحببت (الموبايل، الكمبيوتر، الآي باد، التلفزيون).

لكن أهم الخدمات الجديدة هي تلك التي تحاول أن تختار لك.. أن تكون هي ذلك الوسيط الذي يقدم لك قائمة خاصة بميولك وتتابع لك الجديد كل يوم، وبعض هذه الخدمات بدأ يحقق أرباحا لا يستهان بها.

وسواء كانت تلك المنصات التي تخرج كل يوم من ذلك النوع الذي يحاول أن يكون “حياديا”، كل جهة تنشر عليه ما تريد، أو كان يتدخل باختيار المحتوى وإبراز المميز منه بحسب رؤية القائمين عليه؛ فهي جميعها تتنافس على المحتوى المميز، لأن الفيديو الإبداعي الذكي ذا الفكرة الجذابة هو في النهاية من يحدد نجاح أي منصة أو موقع ويحقق مقابل ذلك نسبة جيدة من الأرباح.

مع خروج عشرات المواقع والمنصات التي تركز كلها على الفيديو، سيضعف موقع يوتيوب، ويبقى الموقف الأقوى للمحتوى المميز الذي سيسعى للتواجد عليها كلها، وهذا يعني أن المعلن سيحاول ربط نفسه بالمحتوى نفسه ويكون الإعلان جزءا منه، يذهب معه أينما ذهب، ولا يحاول أن يعلن على منصة الفيديو نفسها، وهذا الاتجاه سيزيد بشكل سريع مع تدهور مبيعات الإعلان التقليدي في الصحف وقنوات التلفزيون.

وماذا عن الفيديوهات نفسها من حيث محتواها وإنتاجها؟

الدراسات المستقبلية كلها تؤكد عودة ضخمة لشاشة التلفزيون، لأن الأجيال الجديدة من التلفزيونات كلها تركز على تقديم تطبيقات الفيديو بحسب الطلب وربط شاشة التلفزيون بالموبايل، بحيث تستطيع أن تختار “فيديو” معينا على “الموبايل” أو “تويتر” وبحركة إصبع تشاهد الفيديو هذا نفسه على شاشة التلفزيون. هذا يعني أن مستوى حرفية الإنتاج سيزداد في المستقبل ليتواكب مع شاشة التلفزيون العملاقة عالية الجودة، وهذا يعني موتا حقيقيا لقنوات التلفزيون أمام ثورة الفيديو..

إحدى ميزات منصات الفيديو أنها تقدم كما خرافيا من المعلومات لمن يشاهدها، إلى درجة أن “يوتيوب” يملك إحصائيات دقيقة عن كل نوع من أنواع المحتوى ومتى وكم يشاهده الناس في كل مكان على الأرض. هذه الإحصائيات التي لم تكن متوفرة يوما ستسهم في تحديد المحتوى الناجح، وستكون سلعة نادرة يبحث عنها منتجو المحتوى والراغبون في التأثير الإعلامي في المجتمع ليستطيعوا زيادة فعالية المحتوى وقوته في التأثير. هذا بالضرورة يعني أننا سنستهلك فيديوهات أكثر مع الزمن، مع قدرتها على تحقيق احتياجاتنا بشكل أفضل.

في الأسبوع الماضي عقد مؤتمر عن “الإعلام المرئي الجديد” في الرياض بتنظيم مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية وشاركت بالرأي المذكور في هذا المقال في ندوة للمؤتمر، وعقد المؤتمر ومناقشة مستقبل الفيديو؛ خطوة واعية وهامة تأتي في الوقت الصحيح..

المستقبل لـ”يوتيوب” وللفيديو وللمحتوى المبدع، ولا عزاء للكلاسيكيين..!

المصدر: الوطن أون لاين