زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

هل تعرف خمسة مشاهير من ليبيا؟

آراء

1

سأبدأ بسؤال تعجيزي للقارئ:

اذكر لي أسماء خمسة شعراء ليبيين، أو روائيين أو حتى مطربين أو لاعبي كرة؟! (باستثناء القذافي وأولاده!).

بل حتى لو سهّلتها لكم بطلب ثلاثة أسماء فقط، فستبقى الإجابة صعبة عليكم!

لماذا تخلو ذاكرتنا من أسماء مبدعين ومشاهير في مختلف المجالات والتخصصات من ليبيا، الدولة التي تبدو لنا دوماً كأنها نائية بينما هي في قلب الوطن العربي وفي منتصفه بين المشرق والمغرب؟

من السذاجة أن يخطر في بالنا، تفسيراً لهذا الوضع، أن الشعب الليبي هو شعب خالٍ من المواهب والهوايات والاهتمامات. لأن هذا سيقودنا إلى سؤال اعتباطي: إذا كان الإنسان الليبي لا يقول الشعر ولا يكتب الرواية ولا يغنّي ولا يرسم ولا يمثّل ولا يلعب، إذاً ماذا يصنع؟ وكيف يقضي يومه ويعبّر عن مشاعره ورغباته البشرية الطبيعية؟

المؤكد أن الشخصية الليبية مثل غيرها من البشر… تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتغنّي وترقص وتلعب وتفرح وتغضب. لكن الأخبار لا تصلنا عن هذا النشاط البشري اليومي داخل هذا البلد الكبير، فما السبب؟

ستتجه معظم التفسيرات إلى التغييب الديكتاتوري الذي مارسه القذافي طوال أربعين عاماً. هذا تفسير صحيح، لكنه غير كافٍ إذ إنه لن يغطي الإجابة عن الغياب الليبي في عهود ما قبل القذافي، إذ تخلو المطبوعات الأدبية والثقافية والذاكرة الشفوية عن الحركة الثقافية والفنية في العالم العربي في النصف الأول من القرن العشرين من أسماء ليبية تزاحم المصرية والسودانية والمغاربية والشامية ووسط وتخوم الجزيرة العربية. كما قد يعجز التفسير السياسي حتى عن حقبة ما بعد القذافي التي تبدأ الآن وقد تستمر مرتبطة بالعلة التي كانت في ما قبله.

سأنوه مجدداً بأن ليبيا ليست دولة نائية وبعيدة قد لا تصل إلينا أصواتها، فهي تقع في قلب خريطة الوطن العربي، إلى درجة أننا نحتار هل ليبيا من دول المشرق العربي الذي ينتهي غرباً بمصر أم من دول المغرب العربي الذي يبدأ شرقاً بتونس، ونعجز عن تصنيف هذه الدولة الكبيرة الواقعة بين مصر وتونس!

هل الإهمال في تصنيف ليبيا بين المشرق والمغرب هو أيضاً جزء من منظومة الإهمال العربي والانزواء الليبي؟

وفي بُعد آخر، لا يقلّ أهمية بل ربما يزيد، فإن ليبيا تملك أطول شاطئ لدولة واحدة على البحر الأبيض المتوسط (قرابة ألفي كلم) يتيح لها مشاركة واسعة وعميقة مع دول حوض المتوسط، وهو التجمّع الشهير بثرائه الحضاري والثقافي المتوسطي الأميز في العالم بتنوعاته وامتزاجاته الدينية والإثنية واللغوية، فأين ليبيا من الحفلات المتوسطية الدائمة في كل فنّ؟!

2

كرّس هذه التساؤلات في ذهني، حضور ندوة في اليونسكو عن الثقافة والمعاناة الليبية. اختلطت فيها الفكرة في الجزء الأول عن النقد والأدب الليبي، بالدمعة في الجزء الثاني عن تجارب السجون، وبالمتعة والابتسامة في الجزء الثالث عن الشعر والإخوانيات الشعرية.

تضافرت جهود الليبيَيْن المخلصَيْن سليمان خوجه والصديق بشير في كشف المغطّى والمغيّب عما يجري في اليوم الليبي الاعتيادي.

هل كنا بحاجة لسماع ما قاله النقاد الليبيون على منصة اليونسكو كي نثبت أن في ليبيا مبدعين مثلها مثل سائر البلدان الأخرى؟ ربما لا، لكن كنا بحاجة حقاً لمن يدلّنا على هؤلاء… المغيّبين حيناً والغائبين بطوعهم أحياناً.

كادت الدموع والأحزان أن تسيطر على كل ما سواها في القاعة بعد حديث علي العكرمي المؤلم عن تجربة 30 عاماً في سجون القذافي، ذاق فيها مع مثقفين آخرين ألواناً «إبداعية» من العذاب أبكت معظم من كان في القاعة، بل وألزمت بعض الباكين على الخروج من القاعة حفاظاً على هيبتهم الديبلوماسية!

لكن هذا الألم الذي كاد أن يمنع بعض الحضور من طلب المداخلة، لحسن الحظ أنه لم يمنع آخرين من التعليق والنقاش حول نقطتين أساسيتين سيطرتا على النقاش، هما: أسباب غياب الأسماء الليبية عن قائمة العرب. ثم آلية استيلاد الدكتاتور واستطالة هيمنته؟!

3

قد أعود إلى الشق الثاني من النقاش في مقال قادم بإذن الله. لكني سأستكمل ما بدأته من تفسيرات حول الشق الأول المتعلق بالغياب الليبي.

إذا كنا قد استبعدنا ديمومة التفسير السياسي، كما أبنت سابقاً، سيصبح المخرج الوحيد المتاح هو التفسير السوسيوثقافي للشخصية وللمجتمع الليبي. فالإنسان الليبي، الساحلي / القَبَلي معاً، هو من بين العرب جميعاً الأكثر زهداً في الأضواء، وربما كان الأقل معرفة بصنع الأضواء، لا ندري أيّ الوصفين أقرب ما لم ننغمس في تفاصيل تركيبة الشخصية الليبية، وهذا سيكون صعباً في ظل التكتم المستديم على ما يجري داخل أسوار ليبيا.

لعل الواقع الجديد المنتظر، الأكثر انفتاحاً وسلاماً بإذن الله، سيساعد على الاقتراب أكثر من مكونات الشخصية الليبية، الفريدة… في غموضها عن بعد، وفي أُلْفتها عند الاقتراب منها.

المصدر: الحياة