عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«ولعة يا معلم!»

آراء

قبل 22 عاماً، وفي تلك «الصنادق» المؤقتة، التي وضعت لكي تستوعب العدد الكبير من الطلبة مع أشقائهم الذين قدموا من الكويت للالتحاق بمدرستنا، كانت قمة المتعة هي قدوم ضيف من الخارج أثناء الحصة لكي يقوم بإيقاف فاصل الملل، وعندما يشح الضيوف يقوم «كبار القوم» في الصف بالاتفاق مع أحد الطلاب «العاطلين» في الخارج، لكي يأتي في منتصف الحصة بأي حجة كانت، لكي نحصل على دقائق مستقطعة كنا نراها أثمن من أن تضيع في حصة تاريخ أو جغرافيا، ومازلت أذكر ذلك اليوم الذي اتفقنا فيه مع أحد الأغبياء من «الشفيطة»، الذي لم يجد حجة يبرر بها دقاته على باب صفنا حين فتح له المعلم، سوى أن يقول له: اشتقت إليك! لقد درستني منذ خمس سنوات وفكرت في أن أجيء للسلام عليك!

مازلت أعرف أن الشاب كان نصاباً، وقد جاء بالاتفاق معنا، وأخذ عمولته من «قواطي الغره» مقدماً، إلا أنني لا أستطيع نسيان ذلك التعبير الذي ارتسم على وجه المعلم في ذلك اليوم، ولن أستطيع نسيان ذلك الالتماع في عينيه، ومحاولته التماسك ألا ينفجر باكياً أمام حفنة الطلبة الأوغاد، كل ما فعله هو تنهيدة من أعماق سنين التعب أتبعها بقوله: مازال في الرجال وفاء!

مر علينا يوم أمس، الخامس من أكتوبر، الذي يحتفل فيه العالم كله باليوم العالمي للمعلم، وكأن الأيام تواطأت مع تخاذلنا وتجاهلنا لهذه الفئة، فجاء الخامس من أكتوبر في يوم إجازتهم لكي يكون تجاهلهم جماعياً، فيتفرق دمهم بين القبائل!

لو كان الاحتفال في الخامس من أكتوبر «بمعلمي الشيشة»، لفرشنا الأرض زهوراً، ولفاحت روائح التفاح والفراولة والفخفخينا والسلوم، ولرأيت إبداع الشباب، فهذا يهدي معلمه «مبسماً» مذهباً والآخر يهديه «منقلاً» جديداً للفحم، وأقلهم وفاء سيهديه مرهماً مضاداً للجروح، ولو كان الاحتفال «بمعلمي الكرة»، لرأيتهم يحملون على الأكتاف، كما يُفعل بهم في كل بطولة، ويسجل كل منهم تاريخه بمئات اللقاءات الصحافية والتلفزيونية، ثم يقول بحسرة وهو يحتضن مئات عدة من الكؤوس والميداليات: إننا نعاني الإهمال! «معلمو الشاورما والفلافل»، بدورهم لا يحتاجون إلى من يحتفل بهم فالجرائد ملأى بالطلبات: مطلوب معلم فلافل، مطلوب معلم شاورما، يبدو أن هناك نقصاً كبيراً في الإمارات ونحتاج فعلاً إلى معهد متخصص لسد الثغرة!

أمّا معلمونا فلا بواكي لهم، لا تسعفني الذاكرة في تذكر أسماء الكثير منهم، خصوصاً في فترة المدرسة، لكن كل الشكر لهم على كل تحمل وتعب وإيثار. وكل المغفرة والسماح والعفو على كل مشاغبة وتسيب ولامبالاة، لعلنا نذكر دعاءً كان يقوله خطباء الجمعة، وألغي في الخطب المكتوبة: اللهم اغفر لنا ولوالدينا ومن علمنا..

شكراً جمعة الماجد، شكراً قدري عوض الله، شكراً د. سعيد حارب، شكراً د. سعيد الظاهري، شكراً د. علي النعيمي، شكراً د.حنيف حسن، شكراً د. حصة لوتاه، شكراً د. فاطمة الصايغ، شكراً د.عايشة النعيمي، شكراً د. نادية بوهناد، شكراً لمن بقي.. وشكراً ورحمة لمن رحل!

المصدر: الإمارات اليوم