عبدالوهاب بدرخان
عبدالوهاب بدرخان
كاتب ومحلل سياسي- لندن

الاتفاق النووي ليس عنوان استقرار لأي بلد خرّبته إيران

الخميس ٠٩ أبريل ٢٠١٥

فور إعلان التوصل إلى «اتفاق نووي» لم ينتظر المجتمع الإيراني إيضاحات ولا تفسيرات، بل تظاهر احتفالاً في الإشارة الأولى إلى العالم بأن شعب إيران شعبٌ طبيعيٌ لا يختلف عن سواه. وكانت المفارقة أن مظاهر المبتهجين بالحدث لا تنمّ عن خروجهم من صفوف «الحرس الثوري» أو «الباسيج»، أو أنهم من مشايعي هذين التنظيمين، إذ هتفوا لوزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي قاد مفاوضات يُفترض أن تقود إلى انفراج معيشي ينتظره الإيرانيون منذ أعوام طويلة، وأن يمهّد جوهرياً لعودة إيران إلى الأسرة الدولية كـ «دولة طبيعية». ودلّت التغطية الإعلامية لـ «الاحتفالات» إلى أن الشعب يريد أولاً وأخيراً «رفع العقوبات»، وأنه فهم جيداً أن «الاتفاق المبدئي» لم يظهر إلا لأن القيادة الإيرانية قدّمت التنازلات اللازمة، لكنها تفضل إبراز ما بقي من البرنامج النووي على الاعتراف بما تساقط منه خلال المفاوضات. قد لا تكون إيران تخلّت كلّياً عن حيازة «القنبلة» إلا أنها، على رغم كل التصريحات الانتصارية المخادعة، ستجمّد سعيها إليها لمدّة عشر سنوات على الأقل، سواء بفعل الرقابة المباشرة والمشددة أو بالمناخ الجديد الذي سيفرض نفسه من خلال الانفتاح على الاستثمارات الخارجية المتأهبة لدخول إيران. أما «المكاسب» التي سُلّطت الأضواء عليها (الاحتفاظ بالبرنامج والمنشآت والتخصيب والأبحاث) فكانت كلّها متاحة منذ أعوام، لأنها تتعلّق بمعايير أي برنامج سلمي علني وشفاف يُسمح به لكل الدول…

«عاصفة الحزم»… وحاجة إيران إلى مراجعات عميقة

الخميس ٠٢ أبريل ٢٠١٥

تحتاج إيران الآن أكثر من أي وقت مضى، الى الواقعية والبراغماتية في التعامل مع عملية «عاصفة الحزم». فالأمر لا يتعلّق باعتداء على أرض إيرانية، ولا بتدخّل خارجي في شؤون الجمهورية الإسلامية، ولا بظلم يلحق بفئة اجتماعية يمنية فاستجارت بطهران لتعينها على نيل حقوقها، بل أصبح واضحاً على ألسنة العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين، أن هناك خطة هيمنة لمدّ نفوذ إيران وصولاً الى مواقع استراتيجية، مثل باب المندب والبحر المتوسط، لا تعنيها مباشرةً ولا تعني أمنها، إلا إذا كانت فعلاً دخلت نفسياً وهذيانياً في مزاج «إمبرطوري» وفي «عقل» مثل هذه الإمبراطورية التي حرصت على نفيها لكنها فشلت. وتحتاج إيران الآن خصوصاً الى التواضع، بعدما صعد بخار التعالي الى رأسها بفعل غطرسة القوة التي تتمظهر بها في المنطقة العربية، من دون أن يعترضها سوى حراكات سياسية سلمية واجهتها في لبنان باغتيالات سياسية واجتياح للعاصمة بيروت وبالترهيب لإسقاط الحكومة. وفي العراق بشحذ التطرّف المذهبي لرئيس حكومة هو حالياً بمثابة «نائب المرشد» والقائد السياسي لميليشيات «الحشد الشعبي» مكافأةً له، بعد تسبّبه بانهيار الجيش العراقي، وتجبّره على مواطنيه، وتطرّفه في احتقار اعتصاماتهم السلمية الى حد استفزاز الإرهاب «الداعشي». وفي سورية بمؤازرة النظام ورئيسه في تجاهل الاحتجاجات السلمية، وفي قتل مئات آلاف السوريين وتهجير أكثر من عشرة ملايين من مواطنهم. وفي اليمن بـ «شيطنة» الحوثيين ودفعهم…

بداية تصحيح خليجي للإحباطات العربية

الثلاثاء ٣١ مارس ٢٠١٥

في غضون لحظات استطاعت عملية «عاصفة الحزم» أن تغيّر نمط الإحباطات الذي يهيمن على العالم العربي منذ أعوام، وأن تبرهن وجود قدرات عربية للبدء بمواجهة تحدّي «الخواء الاستراتيجي» العربي الذي أدّى الى دمار أو إضعاف عدد من الدول، مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان. ففي النهاية، كان هناك نوع من الغزو المبرمج لبلدان ومجتمعات عربية، غزو خارجي يستخدم قوىً داخلية ويعرفه الجميع، ويرفضون الاعتراف به، أملاً في تجاوزه، داخلياً أيضاً، ولئلا يصبح واقعاً أو أمراً واقعاً لا مجال لمعالجته سلمياً، ولا حتى للتفكير في تغييره والتخلّص منه. عملية «عاصفة الحزم» هي بداية كان لا بدّ منها، إذاً، وإلا فإن مسلسل التخريب كان في طريقه إلى اختراق آخر منطقة عربية مستقرّة، وهي دول الخليج، ليسود بعده تقاسم دولي - إقليمي للهيمنة على مجمل المنطقة دولاً وشعوباً. وهي بداية لأن هناك الكثير من العمل المطلوب للبناء عليها، أولاً لتأكيد وتثبيت ما بعثته من آمال، وكذلك لاستنهاض كل الطاقات التي كمنت واستكانت في العالم العربي، إما يأساً قدرياً، أو رضوخاً قسرياً للعواصف المتجمعة. لا ننسى أن محنة العرب لم تبدأ مع تفجّرات ما سمّي «الربيع العربي» والاستغلالات الخارجية لها، بل هي نتيجة أو استطراد لسلسلة اعتداءات واستهدافات تمثّلت أولاً بالاختراق الإسرائيلي الذي تماهى دائماً مع الحماية الفائقة التي خصصتها الولايات المتحدة لتثبيته، ومارست أقوى…

«داعش ليبيا» رابح وحيد في مجلس الأمن

الثلاثاء ٢٤ فبراير ٢٠١٥

كانت الحجة الأبرز في عدم استجابة مجلس الأمن لأيٍ من مطالب مصر بعدما ذبح إرهابيو «داعش ليبيا» واحداً وعشرين من أبنائها الأقباط، وكذلك عدم استجابته مطلب الحكومة الليبية التي يعترف المجلس نفسه بشرعيتها، أن هناك حواراً بين الأطراف الليبية من أجل التوصّل إلى حل سياسي للانقسام والأزمة الحاصلين بين شرق البلاد وغربها، وبالتالي يحب إعطاء هذا الحوار فرصة، خصوصاً أنه يُجرى برعاية الأمم المتحدة، ممثلة بمبعوثها الخاص. كانت القاهرة طرحت على مجلس الأمن خيارات عدة، وهي: أن تشمل استراتيجية «التحالف الدولي ضد الإرهاب» الأراضي الليبية، فهو يعمل تحديداً ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وها هو التنظيم يجهر بجرائمه الأولى في ليبيا بعدما كان أعلن من مدينة «درنة» عن وجوده ومبايعته لـ «أبي بكر البغدادي». أو يكون هناك تحالف آخر معني بمحاربة الإرهاب في ليبيا، طالما أن دولاً أوروبية باتت تستشعر الخطر الآتي من الشاطئ المتوسطي المقابل، أو أن تُمنح مصر تفويضاً دولياً لتنسّق عمليات ضد الإرهاب مع الحكومة الليبية الشرعية في طبرق، أو أن يصار، على الأقل، إلى رفع الحظر عن تسليح الحكومة الشرعية لتمكين الجيش الوطني الموالي لها من مواجهة المجموعات المتطرفة. كل ذلك بدا صعباً، إنْ لم يكن مستحيلاً، حتى كأن الخيار الوحيد الممكن أن يُترك «داعش ليبيا» وشأنه. فهناك إصرار على الفصل بين «داعش» العراق وسوريا…

عهد جديد في السعودية فهل من جديد عند أوباما؟

الخميس ٢٩ يناير ٢٠١٥

كل المرّات التي عايشنا فيها تغييراً على رأس الحكم في المملكة العربية السعودية، لم تكن مجتمعات عربية، بعيدة أو قريبة، تبدي مثل هذا الاهتمام الخاص والذاتي، كما فعلت هذه المرّة. ففي المغرب، حيث كنت، سمعت أشخاصاً عاديين يتبادلون التعازي، وهناك من بادر عفوياً الى تعزيتي فور تبيّنه أنني عربي وبغضّ النظر عن الجنسية. وعلى الفضائيات السعودية وغيرها، حتى لو كان النقاش على التطوّرات في اليمن أو ليبيا أو مصر، لوحظ أن العديد من المشاركين كان يستهل كلامه بـ «تعزية السعوديين والعرب». ولعل هذه الظاهرة تعزى الى أمرين على الأقل: أولهما، ارتباط تاريخي بالسعودية وما تمثّله اسلامياً واعتياد طويل على شخصيتي الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز والملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، بمساهمة متقدّمة من إعلام سعودي واسع الانتشار. والآخر، أن الأحوال العربية القاتمة والمضطربة، بل الخطيرة، جعلت الوجدان العربي ينشغل بما يعنيه هذا التغيير وما ينبغي التوقّع منه. البلد الآخر الذي يثير تفاعلاً مشابهاً في الوقت الراهن هو مصر. وقبل ذلك كان العراق. غالباً ما تكون الفترة التي تسبق رحيل ملك وتولّي ملك آخر مشوبةً بالتحفّظ والانتظار والغموض، ولا بدّ أن تنعكس هذه على السياسات. لكن ها هو عهد جديد قد بدأ في السعودية. والمهم أن انتقال السلطة تمّ بهدوء، في إطار الآليات المتّبعة، مع جرعة من التجديد، ما…

مكافحة التطرّف في مناخات شديدة التطرّف، كيف؟

الجمعة ٢٣ يناير ٢٠١٥

أي نوع من التطرّف ينزلق الى العنف من دون شحن ايديولوجي يمكن عزله ثم حصره ثم القضاء عليه، لأنه بطبيعته ليس وباء قابلاً للتعميم. المشكلة هي مع التطرف الديني «المقترن بالغلو والتشدد في الخطاب، وما يرتبط بذلك من لجوء الى العنف، ورفض المختلف الى حد تكفيره، بل محاولة إقصائه في شكل كلّي»، وفقاً لتوصيف بيان حمل عنوان «نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرّف» وهو خلاصة نقاشات يومين في مؤتمر دعت اليه مكتبة الاسكندرية أوائل الشهر الجاري، ويُفترَض أن تُرفع توصياته الى القمة العربية المقبلة التي تستضيفها القاهرة، باعتبار أن القمة السابقة في الكويت كانت تبنّت اقتراحاً بهذا الشأن قدّمه الرئيس المصري الموقت عدلي منصور موصياً بدوره أن تتولّى مكتبة الاسكندرية ورشة إعداد هذه الاستراتيجية. والمشكلة مع التطرّف الديني أن الخلاص منه أمنية عاجلة جداً لكنه مهمة لن تنجز إلا على المدى الطويل. لذلك ينبغي تشغيل مسارين: الأول، مواصلة التصدّي الأمني للتطرّف لكن مع الوعي «بأننا تعايشنا معه لأعوام طويلة ويتعيّن علينا التعايش معه لسنوات آتية»، وفقاً لعبارة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، علماً أن التعويل الآن على العمل الأمني ليس سوى محاولة للحدّ من الضحايا والخسائر، ولإبقاء المتطرفين مرفوضين ومطاردين علّ ذلك يساهم في انحسارهم عدداً وزخماً. أما المسار الآخر فيقترح خطط عمل قد تستغرق جيلاً كاملاً للتأكد من نجاحها…

خطة دي ميستورا «هدية» إلى نظام دمشق!

الثلاثاء ٠٩ ديسمبر ٢٠١٤

لماذا يتحمس النظام السوري لخطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، رغم أنها تتطلّب منه تنازلات رفضها سابقاً، مثل الموافقة على وقف اطلاق النار وإبقاء خطوط المواجهة مع قوات المعارضة على حالها؟ الأرجح لأنه سيكون المستفيد الأول والوحيد من هذه الخطّة، إذ قدّر أن باستطاعته الالتفاف عليها بسهولة، معتمداً على غموض آلياتها وأهدافها. ذاك أن اسمها على الورق «تجميد الصراع»، ومنطلقها المحدد «بدءاً من حلب»، وهدفها المعلن «معالجة الوضع الإنساني». كل ذلك عناوين يصعب مبدئياً الاعتراض عليها، خصوصاً أنها تواجه الطرفين بخلاصة مفادها أنهما برهنا عدم قدرتهما على الحسم، ما يعني انتفاء الفائدة من أي جهد عسكري. قد لا يقبل الطرفان مثل هذا الحكم، على صوابه، لكنهما تعلّما ألا يرفضا أي معطى دولي قبل التعرّف إليه. فمن جهة النظام، لديه أكثر من مصدر يساعده في تحليل الخطة، وقد أوعز إلى صحيفة تابعة له بمهاجمتها لجعل دي ميستورا يعتقد أنه يرفضها، وعندما استقبله أمطره بوابل من الأسئلة، ثم وافق عليها، بعدما كانت موسكو وطهران دققتا أيضاً في التفاصيل. ثم إن مركز أبحاث في جنيف يدعى «مركز الحوار الإنساني» هو الذي اقترح المشروع على المبعوث الدولي بعدما درسه مستعيناً بـ«خبراء» لديهم صلات مباشرة أو غير مباشرة مع النظام وحليفيه الروسي والإيراني. أي أن دمشق لم تفاجأ عملياً بالاقتراح الديميستوري، بل بدا الأمر كما…

حيوية إماراتية متجددة في الملفات الصعبة

الإثنين ٠١ ديسمبر ٢٠١٤

بالنسبة إلى العرب تبقى دولة الإمارات العربية المتحدة التجربة الاتحادية الوحيدة التي أصبحت صنواً للنجاح والتماسك والفاعلية، وبالنسبة إلى كثيرين في العالم، حكومات ومؤسسات وأفراداً، بات اسم الإمارات عنواناً مألوفاً للعديد من رموز المعاصرة والحداثة: التنمية، الاستقرار، والانفتاح. ورغم سخونة موقعها الجيوسياسي والاضطرابات القريبة منه، لم تتوقف الإمارات عن إكمال مسيرتها خطوةً خطوة، ومشاريع تلو مشاريع، مؤكدة بذلك جملة من المبادئ: السلمية الأصيلة المربكة لأي خصوم، الوسطية التلقائية المحصّنة من أي غلو، التنمية المستدامة التي تتلمسها فئات المجتمع كافةً في الداخل، والاستعداد الإيجابي للتعاون مع الخارج في كل ما يخدم أهداف السلم العالمي. البلد الذي يستطيع أن يعيش الفكرة والصورة اللتين يريدهما لنفسه، هو بلا شك بلد محظوظ جداً بمقاييس هذه الأيام، ولكي يتأمن له ذلك لابد من تضافر عناصر عدة، أبرزها: حكم رشيد تملك قيادته رؤية لمسار البلد، وشعب تتماهى طموحاته مع تلك الرؤية التي لا تنفك تفاجئ نفسها بل تتخطاها. ولا يختلف اثنان على الروح المستقبلية الفذة التي أشاعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ولا على الاستمرارية اللافتة والمتجددة التي تسم عهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وتعطي مؤشرات ثابتة إلى أن الإمارات لا تعيش ليومها بل باتت تعيش الغد وبوتيرة متسارعة إلى حد يفاجئ مواطنيها والمقيمين فيها. في اليوم الوطني الثالث والأربعين لدولة…

مصالح أوباما وخامنئي قبل القضاء على «داعش»

الخميس ١٣ نوفمبر ٢٠١٤

لم يكن «التنسيق ضد داعش» بين الولايات المتحدة وإيران مفاجأة إلا لمن يرغب في التفاجؤ. فالتنسيق قائم على نحو ضمني مباشر أو غير مباشر في العراق وسورية واليمن والبحرين ولبنان، وكان يمكن أن يكون أكثر عمقاً وعلنيةً لو توافرت الشروط التي تغطي كل طرف وتظهره كأنه لم يتنازل عن مواقفه المعلنة، اي عن «ثوابته» و «مبادئه» اذا جازت التسمية. واستناداً الى اللغة المستخدمة في الحديث عن «اتفاق نووي» يمكن استنتاج وجود عناصر اتفاق تتطلّب «بعض التنازلات» لكي تتم الصفقة، وقد تتبلور معالمها بعد محادثات مسقط. واذا كان محور المقايضة أن تسهّل اميركا إنهاء أزمة البرنامج النووي مقابل أن تساعدها ايران في محاربة «داعش»، فإن سؤالين يُطرحان: هل تسعى واشنطن وطهران فعلاً الى إنهاء هذا التنظيم الارهابي أم أنهما تفضّلان ضمناً استخدامه، وهل إن طهران باتت جاهزة لأن تدفع من برنامجها النووي ثمناً لـ «رفع كامل وفوري للعقوبات» كما تطلب؟ أن تعتبر دولة نفسها معنية دولياً بمكافحة الارهاب، فهذا يعني أنها دولة ذات مسؤولية عالمية. يفترض أن هذا التوصيف لا ينطبق على ايران بل على الولايات المتحدة. وعلى ذلك، فقد كان لمحاربة «داعش» في العراق أن تبدأ قبل ثمانية أعوام في العراق عندما عيّن نوري المالكي رئيساً للوزراء بـ «تفاهم» بين اميركا وإيران واعتراف للأخيرة بدور ونفوذ في العراق، أي بعدما…

مرحلة المجازفات في يمن الحوثيين

الثلاثاء ١٤ أكتوبر ٢٠١٤

من متمرّدين على الدولة إلى حكّام لهذه الدولة، ومن ميليشيا في صعدة إلى «جيش» في صنعاء فالحُديِّدة غرباً ومأرب شرقاً وصولاً إلى باب المندب جنوباً. قد تنمّ مسيرة «الحوثيين» عن ذكاء خارق أو غباء صارخ، وقد تعكس قوة كامنة أو انتفاخاً غير طبيعي للذات، لكنها في مختلف الأحوال لا تشي بأن لديهم مشروعاً يمنياً، ومن أجل اليمن، بلدهم ووطنهم المفترضين، ولا من أجل اليمنيين، أهلهم وشعبهم المفترضين أيضاً. فلو كان لديهم مشروع بهذه الروح لتصرّفوا على نحو مغاير تماماً، أي لما وضعوا الدولة والجيش والمجتمع في مجازفات الانهيار والتفكك والانقسام وتدمير الذات. كانت طهران أول مَن رحّب رسمياً بـ «الاتفاق» بين عبدالملك الحوثي وجمال بن عمر، فيما كانت صنعاء تنفي حصوله، وقبل ساعات من إعلان المبعوث الأممي أن «الاتفاق» حصل. بعد أقلّ من ثمانٍ وأربعين ساعة كان «الحوثيون» يجتاحون العاصمة، ويحاصرون منشآت ومواقع ومنازل، مستكملين الاختراق الذي بدأوه قبل أيام. وعندما استُجلس رئيس البلاد وممثلو القوى السياسية للتوقيع على «اتفاق السلم والشراكة»، كانت صنعاء قد سقطت عملياً في أيدي غزاتها والمتواطئين معهم من داخلها، وتواصل تفتيشها وتمشيطها في الساعات والأيام التالية، كما لو أنه تنفيذ لـ «الاتفاق». ولم يستفق الآخرون، بمن فيهم المبعوث الأممي، من صدمة الخديعة إلا بعدما أنجز الحوثيون المهمة. كانت طهران وحدها تعرف ماذا عنى ذلك «الاتفاق»،…

أهل النظام لن يثوروا على الأسد لكن إخفاقاته تحبطهم

الخميس ٠٩ أكتوبر ٢٠١٤

أواخر عام 2011 كان طرفا الصراع في سورية يعتقدان بأن ثمة أملاً بنهاية قريبة وممكنة للأزمة. فلا مصلحة للنظام في أن تطول، والمعارضة بمختلف أطيافها لا تريد تخريب البلد أو مزيداً من الضحايا. وإذا بمسؤول كبير من صلب النظام يفاجئ مجالسين يثق بهم بقوله: للأسف، لا حلّ قريباً، وأخشى ألا يكون هناك حلٌ أبداً، فإيران مصممة على القتال حتى آخر عَلَوي في سورية! واليوم، بعد مضي نحو أربعة أعوام، ومع بلوغ ضحايا الطائفة العلوية مئة وسبعة آلاف بينهم أكثر من ستين ألف عسكري، يمرّ أبناؤها بمشاعر مريرة إزاء تطوّرات تتناقض كثيراً مع ما بنته من آمال في حسم عسكري تعهّده النظام، وفي انفراج سياسي وعد بإنجازه بعد الانتخابات الرئاسية. فما صُوِّر بأنه «الحسم» لم ينهِ الأزمة، وما قيل أنه انفراج تمخّض عن حكومة هزيلة ينصبّ عليها حالياً كل انتقادات العلويين، فهم كسائر الموجودين في سورية يخشون انتقاد النظام. في الآونة الأخيرة توالت خيبات الأمل والمآسي، وشاهد العلويّون أبشع المذابح على أيدي تنظيم «داعش» في محافظة الرقة، من سقوط الثكنة الكبيرة التي كانت مقر الفرقة 17 المحاصر منذ منتصف عام 2013، فمقر اللواء 93، ثم مطار الطبقة، بالإضافة إلى فظائع رافقت السيطرة على حقل الشاعر النفطي في حمص الذي استطاعت قوات النظام استعادته لاحقاً. مئات القتلى في غضون أيام ليسوا جميعاً…

كيف تحارب أميركا الإرهاب وهي تراهن على «المشروع الإيراني»؟

الخميس ٠٢ أكتوبر ٢٠١٤

لم يقل أحد إن الحرب بدأت، لكن هناك من يقول يومياً إنها ستطول، وقد تدوم سنة أو سنتين أو أكثر، وهناك من وصفها بـ «حرب دائمة» كانت مشتعلة بأساليب أخرى ولم يكن فيها «إرهاب» كما يسمّى الآن. وإذا كانت الضربات الجوية تؤشر إلى بداية، فإن الإشارة إلى النهاية ستبقى في علم الغيب. والسؤال ليس متى، بل هل تنتهي. ليس كيف، بل مَن ينهيها ومن أجل ماذا، وهل يريد فعلاً أن ينهيها، أي أنها لا تزال حرباً بلا استراتيجية، لأن مؤدّاها السياسي مجهول. نعم، هناك مهمة عاجلة هي القضاء على التنظيمات الإرهابية، و «داعش» أكثرها شهرةً وانتشاراً، لكن المؤكد أن إطالة الحرب سيجعلها آلة لتفريخ أنماط جديدة من التطرف قد يبدو «داعش» معها أقرب إلى «القوة الناعمة»! هذه حربٌ تنغمس فيها المنطقة بكاملها، وبكل تناقضاتها والخلافات بين دولها وطوائفها، أي أنها «تتدعّش» أيضاً، وسيزداد «اندعاشها» متى بدا للبعض أن الصراع لن يحافظ على مكاسب له أو يظنها له، ولن تعيد للبعض الآخر مكاسب له ولم يحسن الحفاظ عليها. وبين «الحلفاء» و «الأصدقاء» وأشباههم، العلنيين أو السرّيين، سيكون على الولايات المتحدة أن تعكف على عملية شائكة ومعقّدة لإنتاج توازنات جديدة. لكن ما يحصل عادةً أنها تختزل الصعوبات وتذويب التناقضات في إطار «مصالحها»، من قبيل أن ما هو مصلحة لأميركا هو مصلحة لحلفائها…