الخميس ٣٠ مايو ٢٠٢٤
أراد «غوار الطوشة» أن يتكسّب على حساب البسطاء في مسلسل «صح النوم»، فافتتح محلاً لبيع الحمير المتطورة، فأتاه «ياسين» وهو «أعبط» شخصية بالمسلسل يسوق حماره ويطلب بدلاً منه نوعاً متطوراً، فاستعرض معه غوار «كتالوجاً» به أنواع الحمير ومسمياتها الأشبه بالطائرات الحربية قبل أن يقنعه بشراء أحدها بمبلغ كبير فوق حمار ياسين نفسه، وبعد يومين سلمه ذلك الحمار بألوان وأصباغ زاهية، بينما عَلَت وجه ياسين ابتسامة خيلاء كبيرة، وابتعد وهو لا يعلم أنه يركب نفس حماره القديم ولكن بأصباغ زاهية!. إن الشركات المصنّعة للسلع تسعى دوماً لتغذية ورعاية ذاك الإحساس الدفين بداخل كل واحد منا بأن هناك دوماً شيئاً ناقصاً، بأنك لا ترتدي شيئاً ملائماً، لا تقود سيارة تليق بك، لا تلبس ساعة كما يلبس ممن هم مثلك، لا تحمل حقيبة تستحقها لتكون من ضمن النخبة، أنت حتى اللحظة أقل من غيرك ولابد أن تسعى حثيثاً لتدارك الأمر، وإلا بقيت خارج تلك الفئة المفترض أن تكون من ضمنها، وحتى يحدث ذاك الشيء فلابد أن تشعر بالخجل أو بأنك أقل من الباقين!. لذا فالحل هو أن تشتري دوماً أشياء لا تريدها فعلاً وبالتأكيد لا تحتاجها، وبأحيان كثيرة لا تملك فعلاً مالاً لشرائها ولكن البركة في بطاقات الائتمان، لذا ليس بغريب أن يكون 80 % من الشعب الأمريكي تحديداً مديوناً حتى أُذنيه، إذ…
الخميس ٢٥ أغسطس ٢٠٢٢
تعثر البشرية أمرٌ بديهي، والإخفاقات جزء لا يمكن الفكاك منه من حياة الأفراد والمجتمعات، والمجتمع عند حالات التردي إمّا أن يُخفِق من جديد في معرفة أسباب تعثره فيواصل التردي أكثر وأكثر، وإمّا أنْ يملك من الجرأة ما يواجه به نفسه دون «مساحيق تجميلية» ليُنقّب عن جذور أسباب ما وصل إليه فيعالجها لكي يستطيع الوقوف من جديد. نعرف جميعاً أنّ الدول العربية ما زالت تحاول أن تتلمّس طريق دول النخبة، وهذه المحاولات تختلف جودة وكثافة واستمرارية من دولة إلى أخرى، فبعضها بدأ فعلاً تقريب المسافة بينه وبين الكبار، والبعض ما زال يترنّح في محاولات يبدو عليها الارتجال والمحاكاة فتخفق كثيراً لعدم وجود رؤية واضحة، والبعض الآخر ارتضى حالة الموات وأن تسحبه الدنيا كما تشاء، فالمهم أن يعيش بأي طريقة! نملك ولله الحمد في بلادنا الكثير من أصحاب الفكر الخلّاق والنظرة بعيدة المدى والعقل المتزن، فبهم وأمثالهم تراهن البلاد وتستطيع أن تمضي بخُطى ثابتة من أجل غَدٍ أفضل، ولن تتوازن خطوات دون أن تكون نابعة من جذور هويتها الأصيلة، فكل من تنكّر لهويته خذلته الأيام وجرفته الهويّات الأخرى إلى هاويتها! رغم توفر الأكفاء إلا أنّ لدينا أيضاً مجموعة من محبي العراك ومختلقي الصراعات لمآرب كثيرة، ويزيد بالمرء الاستغراب كلما نظر إلى خروجهم المفاجئ لإثارة ذات القضايا بنفس الأسلوب كلما هدأت الأمور، وبالطبع…
الأحد ١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
يتذكّر كثيرٌ مِنّا قصة ذلك الدب الذي قام بتربيته منذ صغره أحد الرعاة، وتعلّق بصاحبه كثيراً، وفي أحد الأيام، كان الراعي يأخذ قيلولة تحت إحدى الأشجار والدب يحرسه قريباً منه، فوقعت ذبابة على وجه الراعي، ولِفَرَطِ خوف الدب مِن أنْ يتأذى صاحبه أو ينزعج بمحاولاته لطرد الذبابة، اهتدى لحل لا يجعل الراعي يسمع شيئاً أبداً وهو يقوم بالقضاء على الذبابة المزعجة، فقد أخذ صخرة ضخمة وهوى بها بقوة على تلك الحشرة الجاثمة على وجه الرجل! لا تخلو حياة من مشاكل، ولا مسار من عراقيل، ولا فكرة من نقيض لها، وقد دَرَجَ البشر منذ مئات السنين على التعامل مع هذه «الـمُغيِّرات» بطرق مختلفة تبعاً لقوة ذلك المغيِّر ومدة بقائه الزمنية وأيضاً تبعاً للقابلية الفكرية والنفسية لدى الأفراد أو المجتمع المتأثر بتلك «الـمُغيِّرات»، ولكن في المجمل، فإن البشر يتغيرون ويُعيدون تشكيل سلوكياتهم وقولبة أفكارهم بمرور الزمن، ولا يعني إعادة تشكيل السلوك أو تبني قوالب جديدة للتفكير، الهجران التام لما سبق أو خطأ الماضي منها، فالممارسات والأفكار والمقاربات البشرية تكون مناسبة لفترة زمنية معينة، وفي ظروف محددة، وتتغيّر بتغير الأزمنة وتتبدّل بتبدّل تلك الظروف. ذلك التعديل يأتي متدرجاً، والتحسين يكون لمواضع معينة كانت أو أصبحت تُعاني من خروجها عن السياق العام، فأصبح لزاماً عمل شيء ما لإعادتها إلى المسار الصائب، وهو المسار الذي…
الأحد ٢٣ أغسطس ٢٠٢٠
تذكر القصة أنّ رجلاً كان يتمشى في حديقة في نيويورك، وتفاجأ برؤية كلبٍ مسعور يهجم على طفلة صغيرة، فركض الرجل لحماية الطفلة، وبدأ عراكه مع الكلب حتى قتله وأنقذها من أنيابه، بعد دقائق كانت الشرطة قد وصلت، وبدا المسؤول فخوراً بما صنع الرجل وهو يقول: أنت حقاً بطل، غداً سنقرأ الخبر في الصحيفة تحت عنوان «رجل شجاع من نيويورك ينقذ حياة فتاة صغيرة من كلب مسعور». لكن الرجل اعتذر للشرطي قائلاً له بأنه ليس من نيويورك، فرد الشرطي: إذاً سيكون الخبر على النحو التالي «رجل أمريكي شجاع ينقذ حياة فتاة صغيرة من كلب مسعور»، ليبتسم الرجل ويخبره بأنه ليس أمريكياً وإنما عربي مُسلِم، ليخرج الخبر في اليوم التالي في الصحيفة : «متطرف إسلامي يقتل كلباً أمريكياً بريئاً»! لا يكرر المقال فكرة عداء الغرب للإسلام، فوقائع الأيام أقوى من كل تأكيد أو تنديد، ولا يحاول اجترار نظرية صراع الحضارات التي تبدو من بعض كُتّابهم وكأنها حتمية وليست خياراً، ولكن أحببت أن أُبيّن بهذه القصة المتخيّلة حقيقة الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام وأذرعه المختلفة والمتنوعة للغاية حالياً في قَلْب الأمور، وتشكيل عقل جمعي مُعاد تركيبه بعد تفكيكه، فيبدو الصواب خطأ وتتحوّل الخطيئة إلى فضيلة، ولا يجعل ذلك ممكناً سوى استخدام الكلمة السحرية التي تستطيع التلاعب بتعريف تلك المصطلحات، وهي كلمة كلما وُضِعت…
الأحد ٢٨ أكتوبر ٢٠١٨
وصلتني قبل فترة رسالة مؤثرة على الهاتف، تقول باختصار: «نشتري الكثير من الشكليات باهظة الثمن، لكننا عندما نتصدّق نبحث عن أصغر ورقة نقدية في مَحافظنا، ثم عندما نرفع أيدينا بالدعاء، نطلب من الله تعالى أن يرزقنا الفردوس الأعلى. ما أعظم ما نطلب، وما أحقر ما نعطي مِن أجله»! النتائج العظيمة لا تتحقق للحالمين، والمنجزات الكبيرة لا تشد أركانها الكلمات المنمقة والإنشائيات التي لا تنتهي، والفعل الصغير سيؤدي لا محالة إلى نتيجة هزيلة، فعلى قدر الجُهد يكون النتاج، وبحجم البذل يكون العائد، ومَن يطمح للكثير، لا بد أن يُعطي من جهده ووقته وتضحياته الكثير، هذه معادلة لا يمكن العبث بها، حتى على أكبر «فهلوي» في العالم! يقول المؤلف ورجل الأعمال الأميركي تيم فارغو: «ما ستكون عليه في الغد، يعتمد على ما تقوم به اليوم»، فالجزاء من جنس العمل، فاليوم وقت بذرٍ وزرع، والغد هو يوم حصاد، فإن زرعتَ حنظلاً لا تنتظر منه ياسميناً، والأهم قبل ذلك ألا تنتظر حصاداً من أرضٍ لم تزرعها أصلاً! من المتعارف عليه أنّ الرضا بالوضع الراهن، هو عدو الإنجاز الأول، فما لم تكن لديك رغبة جامحة وقناعة داخلية متأججة بضرورة تغيير الواقع الذي تراه لا يلبي طموحاتك، وإلا، فإن جميع خُطَب الدنيا التي تقولها لن تستطيع نفعك، فإن أردتَ شيئاً مختلفاً، فلا بد أن تفعل شيئاً…
الأحد ٠٩ سبتمبر ٢٠١٨
وقف مؤسس شركة Apple الراحل ستيف جوبز ملقياً كلمة في حفل تخرّج دُعي إليه، قبل أن يختم تلك الكلمة المؤثرة نظر لوجوه الطلاب وكأنه أراد أن يعوا جيداً ما سيقوله ثم أردف بصوتٍ هادئ: «خلال الثلاثة والثلاثين عاماً الماضية، كنتُ أنظر للمرآة صباح كل يوم ثم أسأل نفسي: (لو كان هذا آخر يومٍ لي في الحياة، فهل كنتُ سأقوم بما أقوم به حالياً؟) فإنْ وجدت الإجابة (لا) لعدة أيام متتالية حينها كنت أتيقّن أنّه لابد من تغيير بعض الأمور»! النفس البشرية ذات ارتباط شديد بالنمطية وتكرار السلوكيات، تبحث عما عرفته وأَلِفَته وليس شرطاً بأن تُحبه، تنساق طوعاً لما يفعله البقية حتى لا تبدو شاذّة عن المجموعة، ولست هنا في مقام انتقاد هذه النزعة البشرية لأنّه مما فُطِرَ عليه الناس أو نما وتراكم مع الأيام ولم يعد بالمقدور الخروج عنه خاصة إنْ كان نَسَقاً مجتمعياً، بل لا أُغالي إنْ قلتُ بأنّه مطلوب لضمان وجود تناغم وتفاعل إيجابي دائم بين أفراد المجتمعات البشرية، ولكن ذلك لا يعني أن تؤخَذ هذه النمطية وتُطبَّق على كل شيء، فبعض المنعطفات المفصلية تحتاج خروجاً على ما ألِفَته النفس أو أطّرت به المجموعة نفسها! عندما أراد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أن يُعزّز أبجديات التحضّر في مجتمع ما زالت نسبة كبيرة منه…
الأحد ٢٦ أغسطس ٢٠١٨
عندما تحركت الحكومة الأميركية لإنقاذ ودفع كفالة مالية باهظة لإخراج عملاق السيارات جنرال موتورز من الإفلاس، كان الهدف الرئيسي هو إعادة «أيقونة» صناعة السيارات العالمية لواجهة المشهد لما تُمثّله من وجهٍ مهم من أوجه الهيمنة الأميركية، فضلاً عن تأثر مئات الآلاف من العوائل نتيجة تسريح عائليها من موظفي الشركة التي أُدرجت تحت قانون الإفلاس، كان الإنقاذ من حكومة أوباما عام 2009 مشروطاً بأمر واحد: إقالة الرئيس التنفيذي ريك واغونر! لماذا هذا الشرط الغريب؟ لماذا يُقال رجل عالي التأهيل وطويل الخبرة و«ذَلِق» اللسان، السبب ببساطة أنّ الغرب لا يتعاملون بالعواطف، ومبدأ «أفا عليك عطه فرصة ثانية وبيبيّض ويهه»، واغونر هذا أدار الشركة التي كانت يوماً ما أكبر شركة سيارات في العالم لمدة ثماني سنوات رئيساً تنفيذياً، عندما كانت نزعة العملاء تتجه بوصلتها لاقتناء السيارات الصغيرة ذات الاستهلاك المنخفض للوقود كان هو لا زال مراهناً على السيارات الكبيرة لأنها «كانت من قبل» ذات هامش ربحي عالٍ، فكان فشله نتيجة طبيعية لأنه سار عكس كل المؤشرات، وبسبب سياساته «الطرزانية» فقدت جنرال موتورز 90% من قيمتها السوقية وتكبّدت خسائر مرعبة تجاوزت 82 مليار دولار في سنواته الأربع الأخيرة لوحدها! مثل ريك واغونر الكثير، ولآرائهم المرجوحة العديد من المطبّلين، ولقراراتهم الارتجالية متملقون يدافعون عنها حتى لو بان مع الأيام عوارها، وكما يعرف المختصون بعالم الإدارة…
الأحد ٠١ يوليو ٢٠١٨
يتذكّر أكثرنا إنْ لم يكن جميعنا ذاك الفيديو للمؤسس زايد الخير، رحمه الله، وهو يقول: «والله العظيم أني ما كنت أعرف أن عندنا مواطنين ساكنين بالإيجار!»، ثم يوجّه بعض المعنيين حوله بضرورة أن تنقل له جميع احتياجات الناس من الفئات المتعففة، والذين لا يجدون وسيلة لإيصال طلباتهم أو تتلكأ الجهات الخدمية عن أخذ متطلباتهم بصورة جادة! منذ ذلك الموقف وتحسباً لوجود خطوط مسدودة أو قنوات لا تعمل بطريقة ملائمة قامت الحكومة الرشيدة بشقّيها الاتحادي والمحلي بالاهتمام بمراكز خدمة العملاء في مختلف مؤسساتها الخدمية لتحسين جودة خدماتها وتنويعها لتلبي حاجة جمهورها المستهدف، واستحدثت مبادرات «العميل السري» للتأكد من كفاءة القائمين على مراكز الخدمة وقياس مدى رضا العملاء الفعليين عنها، وشجّعت برامج الخط المباشر على التلفاز والإذاعة ليقف كبار المسؤولين على شكاوى وملاحظات وطلبات المجتمع المحلي، والتي لا تصل إلى متخذي القرار، وكم لاحظنا تفاعل أصحاب السمو الشيوخ حكام الإمارات مع حالات عديدة منها، وتدخلهم المباشر لحلّها أو الأمر باتخاذ اللازم حيالها بما أثلج نفوس كافة الناس. إنّ هذا التفاعل السامي والمستمر من أصحاب السمو لهو دلالة كبرى على إيمان القيادة بأهمية تواجد مثل هذه القنوات وتقبّلها للاستماع لما قد يُثْقِل كاهل البعض من أبناء هذا المجتمع، هذا التفاعل الإيجابي هو ما يجعل الإنسان يتعلّق بقيادته أكثر لأنه يرى العلاقة ليست علاقة…
الأحد ١٣ مايو ٢٠١٨
القدوات وُجِدَت لا لكي تزيّن أسماؤها صفحات الكتب، ولكن ليقتفي البقية آثارها، والرموز حظوا بالتقدير ليس لذات التقدير، ولكن لأنّهم مشاعل نور يستنير بضوئها من يأتي خلفهم، والقامات لا تنتظر مديحاً، ولكنها تنشد أن ترتفع لها وبها أعناق القادمين، فلا يرضوا بسفاسف الأمور ولا ينقادوا مع الغوغاء الذين لا يضيفون لهذه الدنيا شيئاً سوى ثُقلهم عليها قبل أن يغادروها غير مأسوفٍ عليهم! ها قد وصلنا إلى قرابة منتصف العام الذي تشرّف بأن يُسمّى عام زايد، تمر بالمباني الحكومية والمؤسسات والمتاجر الكبيرة فلا تُخطئ عيناك صور الراحل الكبير، عليه مغفرة الله ورحمته، تغطي مساحات كبيرة من جدرانها الخارجية، وتمر في المكاتب وببعض المجالس، فتجد صوره بدبابيس معدنية تُزيّن صدور «الكنادير»، يرنّ هاتفك الذكي كثيراً بوصول سيلٍ لا يتوقف من ملفات الفيديو التي تحمل مقاطع من كلماتٍ مسجلة له، رحمه الله، بذلك الصوت الملائكي، الذي يأخذ بالذاكرة والأنفاس والأزمنة معها، ولكن رغم تلك الحفاوة وهذا الجهد إلا أنّ هناك شيئاً ناقصاً، شيئاً كبيراً للغاية، إنّه زايد نفسه! زايد ليس صورة جدارية تُعلَّق، وزايد ليس دبوساً فضياً أو ذهبياً يُزيَّن به الصدر، وهو ليس فيديو يتم تناقله ثم وضعه في تويتر ليحصد «ريتويتات» كثيرة يتباهى بها صاحبها وهو ينتظر زيادة المتابعين، وهو ليس «هاشتاغ» يفرح به البعض أنّه وصل للـ«ترند»، زايد ليس جسراً…
الأحد ١٤ يناير ٢٠١٨
من جميل ما يُروى عن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قوله: «ليس كل ما يُعْرَف يُقال، وليس كل ما يُقال حَضَرَ أهلُه، وليس كل ما حَضَرَ أهلُهُ حان وقته، وليس كل ما حان وقته صَحَّ قوله». بدايةً، وقبل أن أتوسّع في الحديث في ضوء هذه المقولة الرائعة، يهمني التأكيد على حقيقة لا بد من بيانها، والاتفاق عليها، حتى لا يُساء فَهْمٌ أو يُشوَّه معنى فكرة، فحب الوطن متأصلٌ في نفوس أبنائه، وخلال السنوات القليلة المنصرمة، والتي حفلت بالكثير من الأحداث والتحديات. رأينا جميعاً مقدار حب أهل الإمارات لبلادهم، وحرصهم على أمنها، ووقوفهم غير المشروط خلف ولاة أمرهم، هذا الأمر هو أهم بكثير من كل المنجزات المادية، فالإنسان هو عماد أي وطن، وأساس كل مدنية، فإنْ صَلُحَ اشتد عود الوطن، وأينعت أوراقه، وإنْ خَبُثَ تردى وطنه إلى عالم الفشل! أبناء الإمارات أوفياء لبلادهم ،كما ورثوا ذاك من آبائهم وأجدادهم، وكما سيورّثون هذا لأبنائهم وأحفادهم بإذنه تعالى، وهذا الحب والوفاء والحرص، ليس محل نقاش، ولا مدار مساومة أو موضع تشكيك، فتماسك اللُّحْمة الوطنية وتناغم النسيج المجتمعي للدولة، أمرٌ يُثلِج الصدور، ونحمد الله عليه، ونغبط أنفسنا به. وما دامت القلوب متفقة، فإنّ البناء متماسك، وما دام في نفوسنا مساحات لتقبّل اختلاف وجهات النظر التي لا تؤثر في سلامة الوطن وأمنه،…
الأربعاء ٠٣ يناير ٢٠١٨
في معمعة ألفية ثالثة مُرْبِكة التداعيات، ووسط محيط جغرافي يعج بالاضطرابات والدول الفاشلة، وخلال مرحلة مفصلية تكتوي بنيران الإرهاب والمؤامرات الدولية والحروب الأهلية، تسير سفينة الإمارات في ثبات على ثقةٍ من صواب مسارها وإيمانٍ بقُدرة وكفاءة مُسيّر دَفّتها. دولةٌ بناها الكبار وحمل رايتها منهم كبارٌ نهلوا من ذات المعين وصدروا عن ذات المشرب، كبارٌ لا يتلونون عندما تتلوّن أوجه الدنيا من حولهم، ولا يُحْجِمون عن نُصرة الحق عندما يدبّ الخوف في أوصال المتشدقين، ولا تنام أعينهم قبل أن يتأكدوا أنّ كل عينٍ في بلدهم نامت آمنةً مطمئنةً على ليلتها وغَدِها، تتسع قلوبهم لاحتضان الجميع وأيديهم لمساعدة من ألمّ به الدهر وخذله الأقربون في مشارق الدنيا ومغاربها. قام الكبير وشَكَر الكبير فتوقّف الزمن ليخطّ لأجياله القادمة عن مأثرةٍ من مآثره، فلا يعرف الفضل لأهله إلا ذوو الفضل، ولا يُقدّر قيمة الإنجاز إلا رجل الإنجاز ولا التعب إلا من أتعب الليالي لأجل أن يخلق لشعبه فلكاً ومداراً لا يُشاركها فيه أحد، وقف «حارث البحر» صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ليشكر نيابة عن قلوبنا قبل أسمائنا أخاه «زايد المرحلة» صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. نعلم أنّ أبا خالد لا ينتظر مِنّا شكراً، فالأب لا ينتظر على حنوّه وحبه ورعايته لأبنائه مفردات شكر، لكنّ هذا أقلّ ما نستطيعه…
الأحد ١٠ سبتمبر ٢٠١٧
في الدير الملكي بمدينة برغس الإسبانية Burgos يتسرّب صوت التاريخ المكتوم من أحد جوانب الدير حيث يتراءى عَلَمٌ من الحرير المطرّز بالذهب والفضة، طوله ثلاثة أمتار وثلاثون سنتمتراً وعرضه متران وعشرون سنتميتراً وعلى حواشيه آيات قرآنية ودعاء بخط عربيٍّ بديع. لم يكن ذلك إلا عَلَم المسلمين في معركة غريبة الأطوار والملابسات والأحداث وفاجعة النتائج، معركةٌ خلّدها الرسام فرانشيسكودي باولا فان هيلدن ولا تزال محفوظة في مجلس الشيوخ الإسباني، تُظْهِر تفاصيلها ألفونسو الثامن ملك قشتالة وجيوشه تُثخن سيوفهم وحرابهم ونبالهم في جيش المسلمين بقيادة الناصر الموحدي. كانت قد مرّت قرابة التسعة عشر عاماً على مرارة هزيمة القشتاليين وحلفائهم في معركة الأرك Batalla de Alarcos أمام المنصور أمير الموحدين وهي المعركة التي أوقفت انهيار الوجود العربي الإسلامي في الأندلس. ولكن أسوأ الانتصارات هي تلك التي تحمل في داخلها بذور الهزيمة، وأردأ الأخطاء هي تلك التي يكررها الإنسان دون استفادة لأسبابها الأُوَل، لذلك كانت الكارثة التي حدثت في معركة العقاب أو كما يسميها الإسبان Batalla de Las Navas de Tolosa أكبر مِن أن تُحتَمَل، ولئن اعتبرها الأوروبيون أعظم معارك حروب الاسترداد Reconquista فإنها كانت الإسفين الذي دُقَّ في نعش الأندلس المسلمة ولم تَقُم لها بعدها قائمة! هو درسٌ للتاريخ، لكننا لا نقرأ من التاريخ إلا ما يرضينا ويُشعرنا بالرضا، نقرأ باستفاضة عن الانتصارات…