عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

ماذا أريد من الكتابة؟

الأحد ٢٦ مايو ٢٠٢٤

في مقال الأمس حول الكتابة باعتبارها طريق عبور لمعرفة الذات، كنت أتعرض لوجهة نظر صديقة عبرت عن علاقتها بالكتابة على مدى سنوات، انتهت إلى مرحلة نضج حقيقية في هذه العلاقة، بحيث تحولت أي كتابة عندها لحفر حقيقي في دواخل نفسها. وحتى لا تبدو الكتابة في هذا السياق منطقية، كان لا بد من الحديث عن علاقتي الشخصية بالكتابة بعد هذه السنين الطويلة، وهذا في الحقيقة ما وصلني من أكثر من قارئ تساءلوا في رسائلهم: كيف تنظرين للكتابة؟. أؤمن أن اكتشاف الذات في الكتابة هو جوهر كل كتابة حقيقية منتمية لكاتبها، وهذا ليس بالأمر البسيط أو الذي يمكن تحقيقه ببساطة أو بمجرد مباشرة الكتابة، لأن اكتشاف الذات عملية مركبة وطويلة المدى لا تنتهي حتى انتهاء العمر، ومع استمرار الكتابة تقوى الذات باكتشافها، ويلتئم الكثير من جروحها، فتتحول الكتابة لحظتها إلى هوية، ومقاومة، وحفر مستمر لا يهدأ. حين نصل في كتابتنا لهذا المستوى تتحول إلى حالة استحقاق ومصير لا يمكنك التفريط فيه بسهولة، فلا تعود في منطقة الهاوي الذي يعبر عن هواية أو موهبة، تغادر منطقة السذاجة هذه بشكل نهائي. تضيؤك الكتابة حين تمنحك النضج، والامتلاء، التحقق، والقوة، الشهرة والمكانة، الاحتفاء والتقدير، وكل ذلك حفرته أنت في معية الكتابة على مدى سنوات، لذلك فأنت تستحق ما وصلت إليه، لأنك حققته بصبر واحتمال ودأب…

ماذا يكتب أسامة المسلم؟ «1-2»

الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤

كأي معرض كتاب، حفل معرض الرباط للكتاب بالكثير من الأنشطة الثقافية المصاحبة لحضور دور النشر وحضور الكتاب كركيزة أولى للمعرض، ومعه حضر الكتاب والنقاد والشعراء والمترجمون والناشرون من بلاد عربية عديدة، إلا أن كاتباً واحداً خطف الأضواء من الجميع وتحول لأكثر من ظاهرة، إنه الكاتب السعودي أسامة المسلم، الذي أتعرف باسمه للمرة الأولى صباح الأمس وأنا أعبر من قاعة التواصل، حيث انتهيت من المشاركة في جلسة نقاشيه حول السرد المؤنث وسؤال الخصوصية اللغوية، في طريقي إلى زيارة عدد من دور النشر المشاركة. كان المسلم صباح البارحة سؤالاً كبيراً دار على ألسنة الكثيرين من الكتاب والأدباء وكذلك من الزوار الذين فوجئوا بطوابير تضم آلافاً من الشباب الصغار يقفون لساعات طويلة تحت الشمس بانتظار دورهم في الحصول على توقيع السيد الكاتب بعد أن اقتنى جميعهم كتبه أو بعضاً منها، أما السؤال فكان: ماذا يكتب أسامة المسلم ليجتذب كل هذه الأعداد الغفيرة إليه؟ وبمجرد الإعلان عن أنه سيتواجد في معرض الرباط فقط سافر إليه الشباب من جميع مدن المملكة المغربية، حتى إن بعضهم جاء متلهفاً من فرنسا! ماذا يكتب أسامة المسلم؟ تقول الفتيات اللواتي سألتهن إنه يكتب بطريقة ساحرة، جذابة، وبنهايات لا يتوقعها أحد، حبكاته عبقرية ولا تقاوم، أما حول ماذا يدور سرده، فإنه يكتب عن الرعب والجن والساحرات، ما يعني أننا أمام…

مجتمعات آمنة

السبت ١١ مايو ٢٠٢٤

دخلت سيدة إلى أحد المقاهي واتجهت مباشرة إلى الشخص الواقف خلف طاولة المبيعات، وسألته: هل عثرتم على نظارة كذا وكذا منسية على تلك الطاولة منذ عدة أيام؟ ابتسم الرجل ونادى سيدة تعمل معه وتحدث إليها، ففتحت درجاً وأخرجت النظارة وسلمتها للمرأة. هذا الموقف يتكرر باستمرار، وهو موقف مليء بالدلالات والإشارات. إن كل فرد يسعى لتكريس تصورات إيجابية عن نفسه باعتباره كريماً وقوياً ومتديناً إلخ، كذلك الدول تفعل كل ما في وسعها لتتصدر جداول قياسات الأداء التي تمنحها علامات قوة وتميز بين الدول مثل: قياس تطور التعليم، وجودة الحياة، وتحقيق مستويات عالية من الأمن والحريات و... إلخ. ووجود مستوى عالٍ من الأمن يعبر عنه ببساطة إحساس الإنسان بأنه آمن على نفسه وممتلكاته وأهله، في منزله وعمله وفي الشارع والمقهى والسوق.. فلا تسمع أحداً يوصيك بأن تنتبه لمحفظتك أو حقيبتك إذا ذهبت للسوق في المدينة الفلانية مثلاً أو ركبت مع سائق أجرة، لقد زرت دولاً فقدت فيها هاتفي بمجرد أن وضعته على الطاولة أمامي، وزرت أخرى أضعت هاتفي في المركز، فوصلني إلى غرفتي. فعلى ماذا اعتمد المقيمون الذين منحوا طوكيو المركز الأول كأكثر الدول أماناً، بينما حلت سنغافورة في المركز الثاني فيما جاءت في المركز الثالث مدينة أوساكا اليابانية أيضاً؟ وما الذي يميز هذه المدن على غيرها لتحظى بهذه المكانة؟ يقول الخبراء…

الانتحال

السبت ٠٤ مايو ٢٠٢٤

قدمت السينما، كما الأدب، أعمالاً مهمة تتعلق بظاهرة قيام الأزواج بانتحال أعمال أدبية أو فنية من إبداع زوجاتهم وادعاء ملكيتها، وتقديمها للمجتمع والإعلام على هذا الأساس، بل والتصرف فيها تصرفاً مطلقاً؛ كبيعها أو توظيفها أو تحويلها إلى أشكال أخرى على سبيل المتاجرة، هذه السرقات التي تعرف بانتهاك حقوق الملكية الفكرية، أو الانتحال، هي جريمة دنيئة قائمة على الاستغلال والابتزاز معاً!. لقد عالجت السينما العالمية هذه القضية عبر أفلام مهمة، مثل فيلم «العيون الكبيرة» عام 2014، وفيلم «الزوجة» عام 2017، وكلا الفيلمين يعرضان للحالة نفسها؛ استغلال الزوج إبداع وذكاء الزوجة، والتحرك في الحياة تحت مظلة تلك العبقرية، دون أي إحساس بوخز الضمير، في الوقت الذي لم يكن أي من الزوجين (زوج الرسامة وزوج الروائية) يملك أي نوع من الموهبة أو الإبداع، سوى موهبة الاحتيال أو الانتحال. توافق الزوجة في كلا الفيلمين، على هذا الوضع اللاأخلاقي، بل وتبرر للزوج انتهاك حقها وخصوصيتها وحقها المطلق في امتلاك أعمالها ونسبتها إليها، بل وتدافع عن موقف الزوج وسلبية موقفها، بأنه لم يكن بالإمكان عمل شيء آخر، متعللة بما كانت عليه أوضاع النساء ونظرة الرجال لها سنوات الخمسينيات في بلد كالولايات المتحدة!. لقد كان مجتمعاً لا يهتم ولا يعترف بالمرأة المبدعة، وحتماً لم يكن يلتفت لكتاباتها ونبوغها، وهذا ما ظهر في الفيلم، فعندما حاولت الرسامة الحقيقية…

المدن هل تحتال علينا؟

الأحد ٢٨ أبريل ٢٠٢٤

تتشابه المدن كما يتشابه الناس، وتتقارب أمزجة المدن كما تتقارب أمزجتنا كبشر، لذلك فإن بيننا وبين المدن التي نقع في غرامها منطق التقاء قد نجده في الطبيعة، وربما وجدناه في الآثار والتاريخ، والمقاهي الصغيرة والطرقات المرصوفة بالحجارة الجبلية السوداء، في الأغنيات ورقصات الدراويش والحمامات العتيقة، في دكاكين بيع السجاد والتحف، في المآذن والقباب ودكاكين بيع الكتب المستعملة وبسطات بيع التذكارات التي نشتريها ولا نستخدمها غالباً.. أمكنة ونقاط كثيرة تقرب بيننا وبين بعض المدن وتجعلنا نقع في هوى مدينة وننفر من مدن أخرى! هناك من تظل علاقته بالمدن خالية من المعنى العميق للعلاقة، فنراه يتنقل من مدينة لأخرى ككائن ميكانيكي، كل الأمكنة بالنسبة له متشابهة، طالما وجد فيها متطلباته المادية بالمستوى المحدد، الفندق والمقهى والشارع والسوق، ولا يريد أكثر، بينما الحقيقة متطلبة وتحتاج حساسية وتأملاً للوصول إليها، لذلك فمن لا يعرف نفسه وحقيقة ما يريد وما يود لا يمكنه أن يضبط بوصلته صوب المدينة والاتجاه الصحيح! المسألة ليست معادلة رياضية معقدة، لكنها تتعلق بمدى اهتمامنا بالتفاصيل التي تبهجنا، وتتعلق بتقييمنا لأنفسنا وأوقاتنا ورغباتنا واحتياجاتنا، نحن لا نسافر لمدينة ما، فقط لأن الآخرين يسافرون إليها ويجب أن نفعل مثلهم، ولا نسافر لأن لدينا من المال ما يكفي لسكنى أفضل الفنادق، أظننا نسافر لأن السفر احتياج حقيقي، احتياج للبهجة، وللمختلف، لتجربة النفس واكتشافها،…

في حب المنازل

الأربعاء ١٧ أبريل ٢٠٢٤

الذين يحبون البيوت، ويرون أن أجمل أوقاتهم هي تلك التي يقضونها فيها، سواء كانوا بمفردهم مستمتعين بوحدتهم، أو بصحبة أسرهم وأصدقائهم، هؤلاء وأنا واحدة منهم، يسعون دوماً لتأمين منازلهم ويشعرون بحزن كبير عندما تتعرض بيوتهم لأي نوع من التخريب أو الدمار أو الفقد. إن أقسى ما يمكن أن يمر بهؤلاء الذين يحبون ويثمنون قيمة البيت أن يفقدوه لأي سبب من الأسباب. لوالدتي علاقة حساسة وحميمة ببيتنا الذي شهد إقامتنا فيه سنوات طويلة، هو ليس المنزل الأول، ولا حتى الثاني، ونحن قد تنقلنا بين بيوت عديدة قد استقر بنا الحال في منزلنا الحالي، لكن البيت الذي ارتبطت به كثيراً، والذي يحملها الحنين إليه فتذهب لتتفقده بين فترة وأخرى، وتقضي فيه أياماً هو البيت الذي شهد طفولة إخوتي وشبابهم وتخرجنا من الجامعات وزواج بعضهم بل وسكنهم فيه، هو البيت الذي شهد زواج أول الأبناء، وولادة أول الأحفاد، وهو البيت الذي توفي فيه والدي وتراكمت في جنباته كل الذكريات. إنه بيت العائلة فعلاً، بيتنا الذي يذكرني بأغنية فايزة أحمد الشهيرة (بيت العز يا بيتنا) والتي تقول فيها: بيت العز يا بيتنا، على بابك عنبتنا لها خضره وضليلة، بترفرف على العيلة لا توجد شجرة عنب على مدخل بيتنا بالتأكيد، لكن والدتي زرعت على مدخل البيت شجرة مانجو هندية تحولت بعد عدة سنوات لشجرة ضخمة…

لماذا يرفض الناس هذه المسلسلات!

الإثنين ١٥ أبريل ٢٠٢٤

المسلسلات التي تم ضخها عبر عشرات الشاشات ومنصات عرض الأفلام والمسلسلات وبرامج التسلية، والتي تابعها ملايين المشاهدين خلال أيام شهر رمضان، شهدت تحولاً كمياً ونوعياً في اتجاه كسر المألوف الذي اعتدنا عليه، وتكريس القصص والأفكار والمشاهد التي تتصادم مع الثوابت الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، بدعوى أننا وصلنا إلى درجة يرثى لها من الهشاشة الأخلاقية وذوبان الهوية واهتزاز منظومة القيم، لذلك فإن علينا، حسب هذه الدعاوى، أن نرحب بهذه المسلسلات لأنها اعتراف شجاع بواقعنا ومشاكلنا، كي لا ندفن رؤوسنا في الرمال! والحقيقة فإن هذا الكلام بحاجة لوقفة، فبالرغم من أننا كعرب لدينا كغيرنا من مجتمعات العالم كل الظواهر التي تعالجها هذه المسلسلات: كالجريمة، والفساد، وانتشار المخدرات، وانحراف الأحداث والمراهقين، والتطرف الديني، والتخلف التقني، وأحزمة الفقر و.... إلخ، إلا أن هذا لا يعني أن هذا هو الواقع العام لمجتمعاتنا، وأن كل الشباب منحرفون وكل الموظفين فاسدون، وأن الكل فاسد وقاتل ومنحرف و... إلخ، إن تصدير فكرة المجتمع الفاسد فكرة خبيثة جداً، وخطيرة جداً، تحاول تسويق الفساد والجريمة والتطرف والتعصب والشذوذ، والنظر إليه بدون أي نوع من الحساسية أو الرفض، وصولاً لقبوله في نهاية الأمر!! إن عدد المشاهد التي يبدو فيها أبطال المسلسلات وهم يقتلون ويتعاطون المخدرات ويدبرون الجرائم والمؤامرات، ويفجرون الأحياء، ويحرقون الناس والبيوت بدم بارد، ويختطفون الأطفال، ويغتصبون النساء... أمام أعين الناس…

هكذا عرفنا السينما

السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤

عرفنا السينما في وقت مبكر جداً، ذكرت أمي أنهم أيام سكنهم في منطقة (الراس) في ديرة، كانت عائلة من تجار دبي تسكن بالقرب منهم، وكان رب هذه العائلة يعرض أفلاماً هندية وأجنبية في فناء بيته على قطعة قماش تنعكس عليها صور الممثلين وأحداث الفيلم، وهو من أخبرهم أن هذا يسمى سينما، كان ذلك في سنوات الخمسينيات، وأمي في تلك السنوات طفلة صغيرة. بعد مرحلة السينما المنزلية التي عرفها سكان دبي بواسطة بعض التجار والأسر الثرية، ظهرت السينما التجارية، وأول ظهور لها كان سنة 1953، حيث أنشأ رجل الأعمال الكويتي مرشد العصيمي، أول دار عرض سينمائي في دبي، وأطلق عليها سينما الوطن، والتي كانت تقع في المكان المعروف حالياً بميدان بني ياس المعروف قديماً بميدان جمال عبدالناصر، وكان افتتاحها في تلك السنوات يعد شيئاً متطوراً جداً، حيث لم يسبق أن شهدت المنطقة مثيلاً له، ما عدا سينما تحمل اسم «المحطة» في إمارة الشارقة، تأسست سنة 1945، للجنود الإنجليز فقط. بعدها دخل التلفزيون إلى بيوتنا، فنظر له البعض أنه سينما مصغرة، وأذكر أننا في أواخر المرحلة الابتدائية كنا نتحدث عن فيلم السهرة العربي الذي كان يعرض في التلفزيون نهاية الأسبوع، كنا قد أصبحنا في منتصف سنوات السبعينيات تقريباً وصرنا أكثر معرفة وارتباطاً بنجوم السينما المصرية وأفلام الأبيض والأسود، وتلك الأفلام على بساطتها…

كيف نظهر في الصور؟

الأربعاء ٢٠ مارس ٢٠٢٤

هل تصدق هذه العبارة فعلاً؟ هل ما نراه في الصور تعبير عما يعتمل في الحياة؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فهذا معناه أن الصور تكثيف تقني للعلاقات والمشاعر التي يعيشها الناس فعلاً، لكن الحقيقة غير ذلك إن لم تكن عكس ذلك! جربوا أن تتأملوا وبتجرد إن أمكنكم ذلك، أكثر الصور خصوصية والتي تمتلكونها كذخائر شخصية، والصور الأكثر شهرة عبر التاريخ وكذلك تلك الصور المتداولة بين أيديكم والتي تطالعكم بها الصحف والمجلات، والتي تلتقط عادة في المناسبات والأحداث واللقاءات والافتتاحات والمؤتمرات، انظروا إلى كل هؤلاء الناس في معظم الصور، كلهم مبتسمون وفرحون، ممتلئون بالحبور والحيوية، مرتبون وأنيقون، ينظرون لبعضهم البعض بكثير من الود والرهافة الإنسانية! ليس لدي شك بأن البعض ممن نراهم في الصور هم كذلك فعلاً، سعداء ومهذبون وابتساماتهم تعبير عن حقيقتهم، لكننا أيضاً نعلم أن كثيرين منا يتصنعون تلك الرهافة التي تتطلبها الصورة لا أكثر، كالابتسامة التي اخترعنا لها كلمات معينة نقولها ونحن نلتقط الصور لتظهر أسناننا فتثبت بذلك أننا سعداء بما يليق بالحدث وبالصور بينما الحقيقة ليست كذلك! أتذكر صورة ياسر عرفات وهو يصافح إسحاق رابين، كيف بدا الأول مبتسماً متفائلاً ماداً يديه على اتساعهما للآخر الذي صافحه على مضض لا يحتاج لكثير ذكاء لاكتشافه، فهل كان عرفات مؤمناً ومتفائلاً وسعيداً بالفعل؟ ما يعني أن الصورة قد نقلت المشاعر…

أيها المشهور: هل أنت سعيد؟

الأحد ١٧ مارس ٢٠٢٤

أتذكر تماماً تلك الأيام البعيدة من عام 1997، عندما عرض الفيلم الأسطوري «تيتانيك». فقد شاهدت الفيلم في السينما ست مرات متتالية، كنت ضمن الملايين الذين وقعوا في غرام ذلك الفيلم وبطليه: كيت وينسلت وليوناردو دي كابريو، اللذين قدما أداءً أسطورياً في هذا الفيلم الذي يعد إحدى أساطير هوليوود بعدما وصلت إيراداته حول العالم أكثر من 2.15 مليار دولار، بينما تكلف إنتاجه 200 مليون دولار، وحاز 11 جائزة أوسكار. كل هذا نقل بطلي الفيلم إلى منطقة أخرى تماماً من الشهرة والثراء والانتشار، ولكن ليس من السعادة كما اتضح من تصريحات بطلته وينسلت، التي قالت في أحد اللقاءات: «كنت ممتنة بالطبع، وكنت صغيرة (كان عمرها 22 عاماً)، وتمكنت من الحصول على شقة، لكنني لم أرغب في أن يلاحقني أحد، لقد شعرت أنه يجب عليّ أن أبدو وأتصرف بطريقة معينة، ولأن تطفل وسائل الإعلام كان كبيراً جداً في ذلك الوقت، فقد كانت حياتي غير سعيدة إطلاقاً». اليوم وبعد 27 عاماً وهي في الخمسين من عمرها تقول كيت وينسلت: «إن كلمة الشهرة أصبحت «سخيفة»، ولم أعد اعتبرها «عبئاً» بعد الآن». لقد أنضجتها السنوات والكثير من الأفلام والشهرة، وغادرت تلك الشابة ذات الـ22 ربيعاً. إن الشهرة اختبار لا يمكن أن يحتمله هذا العمر الغض، وتحديداً في دوائر هوليوود الشرسة. تحتاج الشهرة للكثير من الوعي والنضج…

لماذا ألغيت الفلسفة من مدارسنا؟

الأحد ١٠ مارس ٢٠٢٤

في مطلع سنوات الثمانينيات كانت الفلسفة وعلم النفس والمنطق والموسيقى من الدراسات التي لها وجود ثابت وقائم في مناهجنا الدراسية ما قبل الجامعة، وأظن أننا كنا آخر من درس تلك العلوم ذات القيمة العقلانية والجمالية العالية جداً، فيما بعد تم إلغاؤها من المناهج بقرار وقف وراءه اتجاه فكري معين في وزارة التربية والتعليم نظر لهذه المواد الدراسية بمنظار الريبة والشك باعتبارها مداخل تشكيك شيطانية أو أنها تتعارض وتعاليم الإسلام، حسب اجتهاداتهم، لكن تلك الاجتهادات سادت فترة من الزمن كانت كفيلة بحرمان مجتمع وأجيال من فوائد وتأثيرات عميقة على مستوى مناهج التفكير والنقد التي تم القضاء عليها، وقادت فيما بعد إلى حالة تدهور وضعف في مخرجات التعليم بشكل عام!. لماذا علينا أن نطالب بإعادة الاعتبار لهذه العلوم والمعارف الإنسانية العريقة والهامة جداً مثل الفلسفة السياسية والاجتماعية ونظريات الأدب والمنطق، والدراسات الثقافية، ودراسات الهوية وغيرها؟، بسبب تأثيراتها وانعكاساتها الكبيرة والإيجابية على شخصية وذهنية المتعلم وطريقة تفكيره وقدرته على نقد وتحليل ما حوله، واتخاذ مواقف بناء على ذلك، إضافة للاهتمام بما هو حقيقي وإنساني بعيداً عن مبدأ اللذة الخاصة والأنانية المطلقة والفردية المقيتة!. إن الطالب في عمر المراهقة والتكوين الذهني والفكري والجسدي يكون في أمس الحاجة لطرح أسئلته الخاصة حول العالم والكون والثقافة والانتماء والهوية الجنسية والعرقية وحول الدين والعلاقة بالآخر.. وبحاجة أكثر…

الجمال المحاصر بالقبح

الأحد ٠٣ مارس ٢٠٢٤

إننا كبشر نسعى لإنسانيتنا بشكل مستمر عبر التمسك بالقيم والدعوة لها، والبحث عن مكامن الجمال فينا وحولنا، ومحاولة إبرازها وإعلائها، نبحث عن الجمال فيما نهتم ونحب ونلبس ونسكن ونأكل ونقرأ، في أجسادنا وعلاقاتنا، في اهتماماتنا وأسماء أبنائنا، في أسفارنا وفي حلنا وترحالنا، لقد تحول الجمال من مجرد فلسفة خالصة إلى ممارسة يومية، ومن موضوع علمي إلى سعي إنساني دائم، ومحل احتفاء وتقدير على جميع المستويات. السعي للجمال انتقل من كونه اهتماماً فلسفياً خاصاً بالفلاسفة وعلماء الأخلاق ونقاد الفن والأدب إلى حياة كاملة نتنفسها، عنوانها: الجري خلف الجمال عبر أكبر صناعة عرفها تاريخ الإنسان، وهي صناعة الجمال، التي ترتفع على أضخم وأهم دور الأزياء والعطور وأدوات التجميل ومراكز الرياضة ومستشفيات وعيادات وأطباء وعلاجات التجميل، إضافة لمسابقات كمال الأجسام وملكات الجمال، وسياسات بناء أجمل الحدائق والشوارع والمباني، وإنفاق المليارات على أجمل المدن والمكتبات والمطارات وأعظم المراكز الثقافية و... كل هذا الجهد البشري ليس سوى سعي وتنافس لا يتوقف للوصول إلى الجمال، والقبض على الأجمل، بالرغم من أن سطوة الشر هي الأقوى صوتاً في العالم، ومنطق القوة والحروب الظالمة هي من يقرر المصير والسياسات، بينما تسير آلات الموت التي تحصد أرواح الأبرياء جنباً إلى جنب، وبلا خوف من أي قانون، وبلا تردد مع كل تلك الجهود والسعي العظيم نحو الجمال والرقي، فكيف يأتلف…