حاتم الزهراني
حاتم الزهراني
شاعر، ناقد، وأكاديمي مدرس مشارك ومرشّح لنيل درجة الدكتوراة في الأدب العربي جامعة جورجتاون / واشنطن دي سي

الثقافة السعودية في الأكاديميا الغربية: مشاهدات شخصية من التدريس في جامعة جورجتاون

الثلاثاء ٢٩ مايو ٢٠١٨

خاص ل (هات بوست) حسنًا، انتهى الفصل الدراسي الآن، ولكن لم تنته التجربة. كنت محظوظًا بتدريس مادة (الشعر العربي الحديث) في جامعة جورجتاون، بواشنطن دي سي، لطلاب بكالوريوس، ماجستير ودكتوراة يدرس معظمهم العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، فيما يتخصص البعض في دراسات الشرق الأوسط أو الدراسات العربية/الإسلامية. سأشارك هنا بعض المشاهدات الشخصية، وبعد أن أقدّم فكرة عامة عن طبيعة المادة وطريقة التدريس، سأركز على المعرفة الأكاديمية حول الأدب والثقافة في السعودية؛ حيث كانت النقاشات الصفية تدفع إلى نقاشات أخرى مطولة خارج الصف عن قضايا أبعد من النص الأدبي. سيظهر أخيراً أن هناك حاجة عاجلة لجهد مؤسسي يسد النقص في معرفة الأكاديميا الغربية بالثقافة والأدب في الخليج والسعودية بشكل خاص. المادة: التركيز على الأدب الغائب/المغـيّـب مادتنا كانت موزعة بشكل يوفر للطلاب أكبر عدد ممكن من الكتابات في السياق التاريخي والفني للشعر الحديث قبل تحليل النصوص، حتى تتوفر لديهم خلفية تكفي لتكون القصائد ذات دلالة. كانت معظم القراءات التاريخية والنقدية بالإنجليزية. بعد ذلك بدأ تحليل نماذج شعرية تنتمي إلى حركة الشعر الحر من الخمسينيات حتى الوقت الحالي. في تحليل النصوص كان التركيز على مجموعتين: نصوص غير مدروسة بعناية لشعراء مكرّسين في مناهج الجامعات الأمريكية، أو شعراء من أقطار إنتاجها الأدبي غير معروف جيدًا (أو أبدًا!) هناك، مثل قاسم حداد (البحرين) ومحمد الثبيتي (السعودية).…

إعراب لمساعد الرشيدي

الأربعاء ١٨ يناير ٢٠١٧

«قلبي على الماء» لكنْ في يدي عودي.. من امرئِ القيس حتى سـيِّـدِ البـِـيدِ... وَبَـعْــدُ: من قالَ لي: (في الوقت مُـتَّـسَـعٌ حتى يجيءَ غدا. وفي الكلامِ كلامٌ لَـمْ يـُـقَـلْ أبدا) ... وأنَّ كـافِـيَّـةً ظمأى ستشربنا من أوّلِ الصومِ حتى آخرِ العيدِ... عِـشْ ألَـقَــًا: كُنـتَ سَيفَ العشق فاندملتْ منك الجراح، وفاض الليل فاقـتـتـلتْ فيه القناني على حبر المواعيدِ... عِشْ أفُـقًا: في جدار الحيّ ملحمةَ اليومـيّ/ مُـعرَبَـةَ المحكيّ إذ تـتـبدَّى في التـغاريدِ... فصيحةً كَـوُجوهِ الناسِ عادلَةً يقاومون بها ظُـلْـمَ التجاعيدِ... سُـجَّـادَةً لحميم الرقصِ فوق لظى عيشٍ يعجِّـلُ تنكيدًا بتنكيدِ... فتّـانة مثلَ بنتِ البُـنِّ طالِعَـةً من الدِّلالِ لِـفنجالِ الأجاويدِ... قُـصاصَـةً خلفَ مشطِ البنتِ تقرأها مع المرايا على فُـستانِـها العُـودي... عصيرَ أحلامها لَـمّـا تَـحولُ سقوفُ البيتِ بين يديها والعناقيدِ: (كُـنْ صاحبي الليلَ، كُـنْ ما شاء موعودي.. ضفائري، كفَّ محبوبي على كتفي، قلائدي ربّما، أو ربّما جيدي.. كُـنْ غايةَ اللطفِ، أو كُـنْ آخِـرَ الجُـودِ..) عِـشْ أرقًا لصبايا الشعرِ، خائفةً من ظلمة الصفحات البيضِ، حائرةً: متى المبيتُ على أضوائكِ السُّودِ؟ (كُـنْ صاحبي يا ليلُ، كُـنْ عيدي.. قلائدي، أو ربّما جيدي.. كُـنْ غايةَ الجُـودِ..) قُـلْ هذهِ جَـنَّـةٌ أولى لأغنيةٍ في عمرها شهدتْ عن غير مشهودِ... هذي حياةٌ بلا موتٍ، مناسَـبةٌ تخلّـد الفنَّ في فردوسِ مفقودِ... هذا صدىً يتحاشى صوتَ صاحبهِ نجا من الصوتِ كي نـنجو من الدودِ... مددتَ…

ميتاشعرية ما قبل النفطي: محمد الثبيتي حدثاً شعرياً

الثلاثاء ٢٩ مارس ٢٠١٦

يمكن مقاربة المشروع الجمالي للشاعر السعودي محمد الثبيتي (1952-2011) بتحليل «نصوص الذروة الشعرية» في ديوانه، وهي النصوص التي أحدثت اختراقات فنية ألهمت تجربة الطليعة الشعرية، وشغلت اهتمام الخطاب النقدي وجمهور الشعر على حد سواء، إلى أن أصبحت علامة على التجربة الثبيتية وشعر الحداثة في الجزيرة العربية، ومن المعالم الرئيسة للحركة الشعرية الحداثية في العالم العربي، حين يُكتب لها تاريخ منزوع العقد والأساطير يقيها من تجمدها في لحظات تفوق فوق تاريخية من شأنها أن تعزز خطاب مركزيات موهوماً. إن إيجاد موقع مستحق للذات في سردية قاهرة، تعميمية، وتنميطية هو بالضبط (الحدث الشعري)، بتعبير جوديث بالسو، الذي يؤسسه مشروع الثبيتي، الذي تم تكثيفه في آخر الثبيتيات الكبرى: (موقف الرمال موقف الجناس). في كتابها Affirmation of Poetry الصادر بالفرنسية في 2011، والمترجم إلى الإنكليزية في 2014، تجادلبالسو، الفيلسوفة، الكاتبة الفرنسية، وأستاذة الشعر في الكلية الأوروبية للدراسات العليا EGS، حول الأهمية القصوى للشعر بوصفه «حدثاً فكرياً»، وبالتالي فهو يقدم لنا «فلسفة» من نوع خاص. إن «فلسفة» الشعر ليست في «التعبير عن فكرة ما»، بل في «التفكير بشكل شعري». إن قدرة عملٍ ما على إنتاج حقيقة من داخل الحدود والقيود، التي هي دائماً لغوية، يحوله إلى ما تسميه الكاتبة بـ«الحدث الشعري». إن الحدث الشعري هو نص، أو تكوين شعري يتكون من مجموعة أعمال شعرية، ويدل…

أحلام تُلقي كلمتها في حفلة ابتعاث العـُـشر الموهوب

الثلاثاء ٠٧ أبريل ٢٠١٥

على الحفلة التي تتصورها هذه المقالة ألاّ يبدو بعيداً عن التحقق. بدأت القصة حينما قرأت طالبة سعودية في قسم الدراسات الأفروأميركية بجامعة هارفارد مقالة بعنوان: «العـُـشر الموهوب: The Talented Tenth» لوليام إدوارد دو بويز، الكاتب وعالم الاجتماع وأول أميركي أسود يحصل على الدكتوراه من هارڤارد، وأحد أبرز قادة الأميركان السود في مطلع القرن الـ20. إلى بُويز يعود الفضل في إشاعة مفهوم «العشر الموهوب» على رغم أنه لم يكن من بنات أفكاره، بل لهنري ليمان مورهاوس، الناشط الاجتماعي الأبيض الذي آمن بالأهمية المحورية للتعليم في الترقي الاجتماعي للجماعة الأميركية السوداء. حينذاك، كان «فاعلو الخير» من البِـيض يعتقدون بأن تزويد السود بالعلوم التقنية سيكون كافياً للإسهام في تخفيف الطبقية الاجتماعية وفي تجفيف منابع العنصرية. المشكلة كانت، برأي مورهاوس وبويز، أن العلوم التقنية أو الصناعية لا توفر الأساس الفكري الضروري لبزوغ فئة اجتماعية رائدة وموهوبة تمثل عُـشر المجتمع الأسود التي تقود البقية إلى مستوى اجتماعي أفضل، بل تقتصر نتائج هذا النوع من العلوم على توفير يد عاملة لخدمة أهداف رأسمالية كان بويز من أشد منتقديها. وحده التعليم المتأسس على الفنون الحرة والكلاسيكيات والعلوم الإنسانية يمكن أن يكوِّن، والعبارات لمورهاوس، عقولاً مدربة تتميز بقوى إدراكية حادة تمكنها من التحليل والتعميم وإصدار الأحكام الموزونة جيداً في عبارات واضحة وقوية. هذه النوعية من العقول هي وحدها…

شجاعة العقل: المتنبي الإنساني أم المتنبي الغذامي؟

الخميس ١٨ أبريل ٢٠١٣

أما قبلُ، ففي كتابه «العرب ظاهرة صوتية» فسَّر عبدالله القصيمي إعجابَ العرب بالمتنبي بكونه «عربياً جداً»؛ مذ كان العرب يبتهجون بصانعي الطغاة. واعتبره «إنساناً بلا أية شروط إنسانية»، ثم سأل مستنكراً: «هل كان المتنبي شاعراً عظيماً؟». وعلى هذا (النسق!)، اعتبره عبدالله الغذامي في «النقد الثقافي» أكثر الشعراء «تمثيلاً لروح الخطاب النسقي... وليس إعجابنا به إلا استجابة نسقية غير واعية منا». وخلص إلى كونه «أقل الشعراء اهتماماً بالإنساني وتحقيراً له» (هكذا!). ثم طرح السؤال الاستنكاري نفسه الذي طرحه والده الثقافي القصيمي: «المتنبي مبدعٌ عظيم؟» وزاد، مذ كان هو الشبيه/ المختلف: «أم شحاذ عظيم...؟». المتنبي، إذاً، شاعرٌ لا إنساني. صورة تدشنها إنشائيات القصيمي لتتلقفها ريشة الغذامي وتصبغها بطلاء اصطلاحي براق لا تفلح عدته النظرية، وهي قد جوبهت بقراءاتٍ نقدية جادة على أية حال، في إخفاء أبوة القصيمي للمتنبي في نسخته الغذامية! أما بعدُ؛ فلهذه المقالة رؤية أخرى. لمعرفة موقع الإنسان في الفكر الشعري عند المتنبي ينبغي الوصول إلى أسس رؤيته للعالم. رؤية العالم، بوصفها تمثُّلاً عامّاً عن الواقع، يمكن اكتشافها بتحليل نماذج مفاهيمية يثبُت تأثيرها في مجمل المدونة الشعرية. في دراسة لكاتب هذه السطور تمّ اختيار مفهوم (العقل) أنموذجاً لمقاربة رؤية المتنبي للعالم لأسبابٍ تفصيلُها في الدراسة نفسها. المقاربة، متأسسةً على تحليل مدونة المتنبي الشعرية كاملةً، وصلت إلى نتيجة تجادل بأن (العقل)…