حاتم الزهراني
حاتم الزهراني
شاعر، ناقد، وأكاديمي مدرس مشارك ومرشّح لنيل درجة الدكتوراة في الأدب العربي جامعة جورجتاون / واشنطن دي سي

الثقافة السعودية في الأكاديميا الغربية: مشاهدات شخصية من التدريس في جامعة جورجتاون

آراء

خاص ل (هات بوست)

حسنًا، انتهى الفصل الدراسي الآن، ولكن لم تنته التجربة.

كنت محظوظًا بتدريس مادة (الشعر العربي الحديث) في جامعة جورجتاون، بواشنطن دي سي، لطلاب بكالوريوس، ماجستير ودكتوراة يدرس معظمهم العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، فيما يتخصص البعض في دراسات الشرق الأوسط أو الدراسات العربية/الإسلامية. سأشارك هنا بعض المشاهدات الشخصية، وبعد أن أقدّم فكرة عامة عن طبيعة المادة وطريقة التدريس، سأركز على المعرفة الأكاديمية حول الأدب والثقافة في السعودية؛ حيث كانت النقاشات الصفية تدفع إلى نقاشات أخرى مطولة خارج الصف عن قضايا أبعد من النص الأدبي. سيظهر أخيراً أن هناك حاجة عاجلة لجهد مؤسسي يسد النقص في معرفة الأكاديميا الغربية بالثقافة والأدب في الخليج والسعودية بشكل خاص.

المادة: التركيز على الأدب الغائب/المغـيّـب

مادتنا كانت موزعة بشكل يوفر للطلاب أكبر عدد ممكن من الكتابات في السياق التاريخي والفني للشعر الحديث قبل تحليل النصوص، حتى تتوفر لديهم خلفية تكفي لتكون القصائد ذات دلالة. كانت معظم القراءات التاريخية والنقدية بالإنجليزية. بعد ذلك بدأ تحليل نماذج شعرية تنتمي إلى حركة الشعر الحر من الخمسينيات حتى الوقت الحالي. في تحليل النصوص كان التركيز على مجموعتين: نصوص غير مدروسة بعناية لشعراء مكرّسين في مناهج الجامعات الأمريكية، أو شعراء من أقطار إنتاجها الأدبي غير معروف جيدًا (أو أبدًا!) هناك، مثل قاسم حداد (البحرين) ومحمد الثبيتي (السعودية).

يأتي الطلاب مستعدين إلى الصف. يقدمون تقاريرهم حول القراءات النقدية ويشاركون ترجماتهم للنصوص الشعرية. ندخل في حوار حول التقارير ونراجع الترجمات حتى نصل إلى أقربها لروح النص وإحالاته الثقافية. لكون الطلاب يأتون غالباً من خلفية ثقافية غير عربية، يستغرق شرح الإحالات وقتًا طويلاً. أحياناً يصبح اختيار استعارة أو مفردة بعينها بحثًا في تاريخ الثقافة العربية بشكل عام. حدث هذا مع نصوص مثل (قافية من أجل المعلقات) لمحمود درويش و (موقف الرمال) لمحمد الثبيتي.

يلاحظ على الطالب الغربي جرأته في اقتراح أسئلة جديدة حول النصوص وثقته في إمكانية توفير إجابات مقنعة لها. البعض يدرس الأدب العربي لأول مرة ولكن لديه الثقة في قدرته على إضاءة مناطق جديدة في النصوص وتقديم مراجعات نقدية للدراسات. ذلك يدل على ثقة الطالب في الأدوات والمهارات التي اكتسبها في سنوات الدراسة ما قبل الجامعية، وقبل ذلك الثقة في الذات وغياب الرهبة من السلطة العلمية، تقبل ضرورة الخطأ، والإيمان بأن البحث العلمي ليس فيه كلمة أخيرة أو قول فصل. تجعل هذه السمات الطالب الجامعي الغربي مهيأً أكثر لتقبل أفكار جديدة وبالتالي يشكّل موضعاً مهماً للاستثمار المعرفي.

أدب الجزيرة العربية: تصورات غير علمية تتعزز

حينما بدأت الإعداد للمادة راجعت كثيرًا من المقررات المشابهة في الجامعات الأمريكية. على حد علمي الآن، لا أحد تقريبًا يدرّس شعر الجزيرة العربية ضمن مواد تاريخ الشعر العربي. الصفوف التي اطلعت عليها تدرّسه إما بشكل مستقل وإما ضمن مواد غير أدبية تبحث عن سند أدبي لمزاعمها. مثلاً، لوصف “اضطهاد” المرأة في “تلك المجتمعات النفطية المحافظة”، يتم الاستشهاد برواية هنا أو قصيدة هناك. لإثبات قابلية المنتمين إلى ثقافة بعينها لأن يتحولوا إلى مشاريع إرهابية بشرية، يتم دراسة كتابات تصورهم كأرقام إرهابية محتملة. القيمة الفنية نادراً ما تكون الأساس في دراسة الأدب.

يسهم ذلك، ضمن عوامل أخرى عديدة، في فصل أدب الجزيرة العربية عن الاستمرارية الكبرى للأدب العربي. أيضاً، يتخرج طلاب أقسام الشرق الأوسط وهم لا يعرفون شيئًا ذا قيمة عن ثقافة هذا الجزء من العالم فيظلون أسرى لتغطيات إعلامية تهتم بالإثارة وتسعى لإشباع رغبة القارئ الغربي. ونتيجة لغياب هذا الصوت الثقافي عن التداول الأكاديمي، تحضر الصور الأخرى، المعاكسة بالضرورة، بكثافة أكبر. في أحسن الأحوال، يصبح استحضار دول الخليج الغنية مرادفًا للرفاه الاقتصادي الطارئ ولكن الذي يخلو من قيمة ثقافية، فتتكرر المشكلة التي اشتكى منها غازي القصيبي في قوله: “نفطٌ يقول الناس عن وطني”!

فيما بعد، يتبوأ كثير من هؤلاء الخريجين، خاصة في جامعة مثل جورجتاون إحدى مهامها الأساسية إعداد قادة في مجالات السياسة الخارجية، مناصبَ مهمةً كمستشارين في سياسة الشرق الأوسط، وتبقى تلك الصورة السطحية تتحرك في الخلفية دائمًا لتؤثر في كيفية النظر إلى دول المنطقة. في الأكاديميا تنشأ أجيال بأكملها على هذه التصورات غير العلمية التي يعاد تدويرها باستمرار. يمكن الاطلاع على كتاب أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة نيويورك زكاري لوكمان (تاريخ الاستشراق وسياساته: الصراع على تفسير الشرق الأوسط) لفهم كيفية تحوّل الصور النمطية الثقافية في الأكاديميا إلى مشاريع سياسية.

إضافة إلى ذلك، يكرس غياب صوت الخليج الثقافي منطق المركز والأطراف العربي الذي لم يعد يعكس الواقع بأمانة. تصبح “الثقافة” العربية خاصة بالدول غير الخليجية، ويتعزز التصور حول دول الخليج بوصفها “مدن ملح” طارئة، في تجاهل تام لحركة التاريخ. غياب طلاب وأساتذة من أبناء منطقة الجزيرة عن هذه الأقسام يعد، برأيي، عاملاً حاسمًا في وضع كهذا. يترجم العراقيون للبياتي، يكتب اللبنانيون عن مجلة “شعر”، يحتفي الفلسطينيون بمحمود درويش، في حين يقدم المصريون قراءاتهم لمشهد قصيدة النثر المصرية. كل تلك تجارب ثرية ويجب دراستها أكثر وهي في مجموعها تشكل أعمدة مهمة في تاريخ الشعر العربي الحديث، ولكنه تاريخ ناقص حين لا يتضمن أسماء مثل قاسم حداد، محمد الثبيتي، فوزية أبو خالد، سيف الرحبي، سعدية مفرح، عبدالعزيز المقالح، عبدالله الغذامي، وآخرون لا يتسع المجال لذكرهم. هذه أسماء، باستثناء قاسم ربما، لا يكاد يعرفها أحد.

أحياناً يكون هناك نوع من التعمد في إخفاء النتاج الإبداعي لهذا المحيط الثقافي. في إحدى الجامعات العشر الكبرى في أمريكا كان أحد الأساتذة من جنسية شرق أوسطية ينصح الطلاب الخليجيين بالبحث عن برامج جامعية في بلدانهم “فما قيمة أدب الخليج ودراسته أصلاً؟” كما يقول. يدرّس هذا الأستاذ مداخل للغة والثقافة العربية، وبالطبع يطوّع المنهج لخدمة تصوره حول الثقافة في الخليج العربي، وتستمر عجلة التصورات النمطية الجوهرانية والتسطيحية في الدوران.

السعودية: سردية التوحش

الجهل بأدب الخليج (أو تجاهله) ينسحب – بكل أسف – حتى على بعض الدارسين والأساتذة العرب. في مؤتمر علمي في جامعة معروفة قبل عامين سألني أحد الأساتذة العرب فيما لو كان السعوديون، وهم المحافظون ثقافيًّا “كما تعلم”، يكتبون قصيدة النثر؟ وبغض النظر عن سطحية الرؤية التي تربط الحداثة بالشكل الإيقاعي للقصيدة، حدثته عن فوزية أبو خالد التي تعتبر من الشاعرات العربيات السبّاقات في إصدار مجموعة شعرية من قصائد نثر (١٩٧٤) والأولى في السياق السعودي “المحافظ”! والكلام أعلاه لا يعني التعميم بالطبع، فهناك جهود قيمة لأساتذة عرب لتقديم صورة أكثر شمولية للأدب العربي، مثل محسن الموسوي الذي كتب حول تاريخ العلاقة بين الحداثة والتراث في الشعر العربي وضمّن كتابه ثلاث شاعرات عربيات: نازك الملائكة من العراق، فدوى طوقان من فلسطين، وأشجان هندي من السعودية.

ولكن رغم تلك الاجتهادات الفردية، تظل الصورة حول ثقافة الخليج ناقصة بشكل فادح. كنت في الحقيقة ألوم أنفسنا حين لم ننجح في إيصال صوتنا الثقافي إلى العالم كما ينبغي. وبناءً على كل هذا كنت أحاول أن أعرّف الطلاب، في هذه المادة وفِي غيرها من المواد التي درّستها في السنوات الماضية، سواءً كمدرس مساعد TA أو كمدرس مستقل Instructor، بالنتاج الإبداعي للمنطقة، خصوصًا السعودية نظرًا لقربي من هذا النتاج، وأيضًا لسبب مهم آخر كان يدفعني لتخصيص السعودية بالجهد الأوفر.

لقد شهدت السنوات الأخيرة هجومًا شرسًا على الصورة الثقافية للسعودية على جميع الأصعدة، خاصة في الإعلام ومراكز التفكير، من أجل تشكيل وتعزيز سردية تصوّرها كبيئة متوحشة ثقافيًا بينما تصور جهات أخرى في المنطقة كبديل أكثر عقلانية يمكن أن تثق به الحكومة الأمريكية في رسم سياساتها الجديدة هناك. من هذا المنطلق، كان تعريف الطلاب بمصادر علمية بالإنجليزية عن السعودية هدفًا أساسيًّا لي، بالإضافة إلى تزويدهم بتحديثات عمّـا يدور ثقافيًّا هناك. على المستوى الشخصي، عبر نشاط التدريس، المشاركة في أمسيات شعرية ثنائية اللغة في جامعتي ييل وجورجتاون، والمشاركة في المؤتمرات وورش عمل الترجمة بأوراق حول أدب الخليج وبترجمات لبعض نماذجه، كان المأمول أن هذا الجهد البسيط يسهم ولو بشكل يسير في أن يكون سبباً في تهيئة فرص أفضل للتواصل الثقافي.

أسئلة الطلاب: هل أنت وهابي؟

بالعودة إلى مادة الفصل الحالي، قرأنا نصوصًا وأوراقاً علمية شملت عدداً كبيراً من الشعراء، ولكن كان التركيز خليجياً على تجربتين: قاسم حداد ومحمد الثبيتي. شاركنا قاسم النقاش في الصف (عبر سكايب)، وكذلك فعل سعد البازعي. كانت ميزةً مهمةً أن البازعي كتب عن الموضوع بالإنجليزية، ما سهل مهمة الطلاب في التواصل مع أفكاره. أيضاً شارك معنا معجب الزهراني وتفضل بإرسال ورقة نقاش حول الشعر في الخليج. ابتهج الطلاب وأنا كثيراً بهذا التجاوب الكبير من أسماء مهمة جداً، وكان الحوار معهم يزيد مساحة المعرفة بأدب الجزيرة وثقافتها. قرأنا أيضاً الترجمة الإنجليزية لأحد فصول كتاب (النقد الثقافي) لعبدالله الغذامي، وكذلك رأيه المثير للجدل (كعادة آرائه) حول محمود درويش بوصفه ناثراً كالمسرحيين العظماء وليس “شاعراً” بالمعنى المتعارف عليه. الأسابيع الثلاث الأخيرة كانت مخصصة لمحمد الثبيتي. كان على الطلاب أن يقرأوا كثيرًا عن الثقافة السعودية وحركة الحداثة، وكانت مقدمة البازعي لأنطولوجيا الشعر السعودي مكثفة وممتازة، ولكن المصادر الأخرى شحيحة والنصوص المترجمة قليلة جدًا. وفي أثناء تحليل النصوص ومناقشة الأوراق النقدية، كانت تثار أسئلة مثل: كيف يستطيع الشاعر أن يقول هذا الكلام في بلد “وهابي”؟ كيف يقول “صب لنا وطنًا في الكؤوس” وهو من بلد محافظ جداً؟

تأتي هذه الأسئلة ومثيلاتها من خلفية محمّلة بكثير من الصور النمطية التي يحتاج تفكيكها إلى جهد مؤسسي منظم وليس إلى نقاشات عليها أن تبحث في “كل شيء” في محاضرة جامعية واحدة لا تتجاوز ثلاث ساعات أسبوعياً. ولكن لكي أوفر إجابة علمية غير متحيزة لكثير من هذه الأسئلة، ولكي أمنح الطلاب فرصة التعرف بأنفسهم مباشرة على الثقافة السعودية، بدأت بإعداد قائمة بأهم الدراسات المكتوبة بالإنجليزية حول السعودية (التاريخ والثقافة)، وكذلك بأهم المشاريع الثقافية. القائمة تتسع أكثر مع كل فصل دراسي يأتي بطلاب لهم أسئلة جديدة واهتمامات مختلفة. في أحيان كثيرة كنت أحيل الطلاب إلى بعض الزملاء المتخصصين في مسائل تقنية ليست من صلب اهتماماتي بعد أن أزودهم بمداخل عامة عن الموضوع. كثير من الأسئلة كانت تتركز حول: “الوهابية” والحركات الإسلامية، الأدب، حركة الفيلم والفن عموماً، وبالطبع الموضوع الأثير: المرأة السعودية، الذي لحسن الحظ قد خسر مؤخرًا سؤال الستة وأربعین ألف دولار: لماذا لا تقود المرأة السعودية السيارة؟

كثيرون يكون لديهم تصور متخيل مخيف عن السعودية. حينما كنت في جامعة ييل وعلم أحد طلاب الدكتوراة في تخصص الدراسات الإسلامية أنني ألفت كتاباً عن المتنبي قال بثقة العارف: “أتصور حجم المعارضة الاجتماعية التي واجهتها؛ فالمتنبي لا يتفق مع “النظام الأخلاقي” في المملكة؟” أهديته نسخة من تحقيق عبدالعزيز المانع لكتاب المهلبي (المآخذ على شراح ديوان المتنبي)، وكان ذلك المثال كافياً!

بالتأكيد ما بعد رؤية ٢٠٣٠ ليس كما قبلها: لقد بدا واضحاً أن هناك تحولاً في الأسئلة فأصبحت: كيف عبر المبدعون السعوديون عن موقع النفط في الهوية الثقافية السعودية سابقاً وكيف سيعبرون الآن في مجتمع يريد الانعتاق من الإدمان على هذه السلعة؟ لماذا ظهر كل هؤلاء المبدعين الآن؟ كيف يستقبل المجتمع التغييرات في السعودية الجديدة؟ وأكثر الأسئلة طرافة كانت: هل هذا يعني أنه سوف يسمح بقراءة كتب الفلسفة قريباً؟ لا يعلم هؤلاء بالطبع أن مجموعات القراءة والصالونات الأدبية وأروقة الفلسفة والبودكاست الفكرية تملأ المملكة طولاً وعرضًا!

لقد أصبح نشاط الخليجيين بشكل عام أكثر وضوحاً في الأشهر الماضية وباتوا جزءاً أساسياً من الحوار حول الخليج باللغة الإنجليزية، وفي واشنطن العاصمة تحديداً. ظهرت مؤخراً مجموعة من مراكز التفكير (الثينك تانكس) التي تهتم بشكل أساسي بدراسة منطقة الخليج، وهي بلا شك تقوم بجهد كبير (يخدم أهدافها النهائية دون شك) من أجل نشر تصور أقرب للحقيقة وأكثر تماساً مع تعقيدات الواقع المحلي وبطريقة تـستوعب خلفيات المتلقي الغربي، خاصة وأنها تستضيف بشكل دائم باحثين من أبناء المنطقة. ومع أن هذه المؤسسات تركز غالباً على الجوانب السياسية والاقتصادية لأنها تهدف إلى تزويد صناع السياسات بفهم جيد وسريع للحالة الخليجية، إلا أنها على الأقل تسهم في تقديم إجابات مقنعة لأسئلة كثيرة حول قضايا آنية تدور في أذهان طلاب مطلعين جيداً ومتصلين بالعالم. هذا يرفع من فرص تقبل فكرة اكتشاف الثقافة في هذا الجزء من الكرة الأرضية. أو يمكن القول، بوصفٍ عملي صرف، بأن هذه المؤسسات تتيح لي أن أركّز على تحليل قصيدة الثبيتي بدل الحديث لعشر دقائق عن إحتمالات ومبررات تأجيل الطرح الأولي لاكتتاب أرامكو المنتظر!

سردية جديدة تتشكل: معهد عالٍ للإنسانيات

انتهى الفصل الدراسي كما قلت، ولا أحد يعلم ماذا يخبئه المستقبل من فرص. ما أعلمه يقيناً أن أكثر من نصف طلاب هذا الصف كتبوا أوراقهم النهائية عن محمد الثبيتي ومحاولته خلق هوية سعودية/عربية منزوعة من تأثيرات النفط، بالإضافة إلى أولئك الذي اختاروا الكتابة عن قاسم حداد والشعراء الآخرين. ما أعلمه أيضاً أن زيارتنا للمعرض الفني “وجهة نظر امرأة” الذي نظمته السفارة السعودية في واشنطن لعرض أعمال طالبات جامعة دار الحكمة، والحوار الذي دار بين الطلاب وبين المتحدثة الرسمية السيدة فاطمة باعشن، كان كافياً ليخصص أحد الطلاب ورقته النهائية في مادة أخرى عن موقع الثقافة في رؤية ٢٠٣٠.

السؤال الآن هو: هل يكفي هذا الجهد الفردي البسيط، الذي لا يراودني شك في أن هناك من يقوم بأفضل منه في جامعات أخرى في أمريكا وغيرها؟ لا أظن ذلك. حتى ينجح السعوديون في إيصال صوتهم الثقافي إلى العالم فينبغي التفكير في جهد مؤسسي ودائم. لذلك أقترح إنشاء معهد عالٍ للعلوم الإنسانية والاجتماعية من أجل مقاومة السردية التبسيطية حول المملكة في الأكاديميا الغربية ولكي نستبدل بها سردية أخرى جديدة، أصيلة وغير عنصرية وأكثر تفهمًا لتعقيدات الواقع وتمثيلاً لتطوراته ولميكانيزماته الداخلية، سردية تتأسس على عناصر حقيقية وتهدف إلى نشر الأدب والثقافة السعودية في الأكاديميا الغربية.

سيقوم المعهد بمهام ابتعاث طلاب لأقسام دراسات الشرق الأوسط ليكونوا جزءًا من الحوار حول السعودية في الأكاديميا الغربية، كما سيوفر فرص زمالات بحثية للباحثين الغربيين لكي يقيموا في المعهد الذي يتم تأسيسه في السعودية. سيكون هناك مركز لتدريس اللغة العربية واللهجات المحلية ليستجيب لحاجة طلاب الدراسات العليا الذين يتعلمون العربية واللهجات المحلية كمفتاح لفهم ثقافة المنطقة. سيستضيف المعهد مكتبة عالمية ومركز ترجمة متخصصًا، كما سيقوم بتنظيم مهرجان دولي سنوي للآداب باللغة الإنجليزية. يرفد هذا المعهد مركز ثقافي في واشنطن دي سي لعرض إنتاج المعهد وليكون عامل جذب للأكاديميين الشباب في التخصصات المتعلقة بتاريخ وأدب وثقافة المنطقة.

المقالة القادمة ستوفر تفاصيل أكثر حول المعهد.