الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: “نُربي أبناءنا ليكونوا أحرارًا، ثم نتألم حين يستخدمون حريتهم.” – كارل يونغ نحلم بالأبناء في بداية حياتنا، وعندما يأتون تتبدل إيقاعات حياتنا. نصبح أكثر انشغالًا بتفاصيلهم، أقرب إليهم، ونربط سعادتنا بمستقبلهم. ومع مرور الزمن، يحضر السؤال:هل نعيش لأنفسنا حقًا، أم أن حياتنا كلها تتحول إلى رهان على أبنائنا؟ الآباء الشرقيون والغربيون أيضاً يتمنون أن يبقى الأبناء بجوارهم عندما يتقدمون في العمر. هذا الحنين طبيعي، لكنه ليس حقًا مضمونًا ولا التزامًا يُفرض على الأبناء. العلاقة الأعمق ليست عقد أبدي، بل رباطً إنساني و وعدًا غير مكتوب، تُقاس مسافاته بالكلمة الصادقة لا بالوجود الجسدي. الأبوة والأمومة في جوهرهما عطاء، لكن أي عطاء؟ بمقابل أو بلا مقابل؟ هل هو ذوبان كامل حتى نفقد ذواتنا، أم عطاء يمنح الأبناء جذورًا راسخة ليستندوا إليها وأجنحة قوية ليطيروا بها بعيدًا؟ "إريك فروم" ، في الفلسفة الإنسانية، يرى أن الحب ليس تملكًا ولا ذوبانًا في الآخر، بل هو قدرة عامة على العطاء والاهتمام والمسؤولية. الحب الذي يخنق الأخرين يتحول إلى عبئء، بينما الحب الذي يحررنا يمنحنا حياة. الأبناء خُلقوا لزمانهم لا لزمننا. لهم أدواتهم وقيمهم ورحلتهم الخاصة. غيابهم الجسدي لا يعني أنهم غابوا عن قلوبنا؛ فالمحبة الحقيقية تمنح الحرية قبل أن تطلب القرب. الحكمة أن نفهم هذه الحقيقة مبكرًا، لا بعد أن نكبر…
الإثنين ٠١ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: الفيلسوف الرواقي “إبيكتيتوس” كان يرى أن قيمة الإنسان لا تكمن في ما يملكه أو يظهره، بل في قدرته على التحكم بنفسه وفهم موقعه في الكون. عبر التاريخ، تغيرت مقاييس النجاح بتغير الزمن: عند الفلاسفة كان النجاح امتلاك الحكمة، عند الملوك لا شيء يضاهي السلطة، عند التجار كان المال والثروة، وعند بعض أصحاب المعتقدات كان النجاح هو القدرة على التحرر من الدنيا. هذه التباينات تكشف أن النجاح نسبي، لا يُقاس بمعيار واحد صالح لكل الأزمنة. أما في عصرنا، فقد فرض منطق السوق مقاييسه القاسية: فصار الإنسان سلعة، قيمته في إنتاجه، وفي قدرته على جمع المال أو حصد الشهرة أو اعتلاء المناصب. جاءت سلطة الصورة من الإعلام وشبكات التواصل ونمط البيئة المعاصر لتكرّس هذا المنطق، فصار النجاح مشهدًا بصريًا يُعرض للآخرين، لا تجربة داخلية تُعاش بصدق. ونتيجة لذلك، وُلد وهم جديد: وهم المساواة والكفاءة. قيل لنا إن الفرص متاحة للجميع، وإنه لا عذر للفشل، لكن الحقيقة التي لم تُقَل هي أن التفاوت قائم، وأن الركض المحموم خلف صورة جماعية لا يترك إلا قلة منتصرة وأكثرية محبطة. الأخطر أن الإنسان تحوّل من صانع معنى إلى مستهلك معنى؛ يعيش حياته ليُثبت للآخرين نجاحه، لا ليشعر داخليًا بالرضا والتصالح. لكن السؤال: هل هناك نجاح آخر، أعمق…
السبت ٣٠ أغسطس ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: "لا يمكنك أن تعبر المحيط ما لم يكن لديك الشجاعة لتُغادر الشاطئ." — أندريه جيد. الخمسون ليست بداية محطات النهاية، بل هي محطة وجودية جديدة، عتبة تدخل منها إلى مفترق طريق قد يعيد تشكيل وجهتك القادمة. إنها وقت جديد من حياتك يُعاد فيه صياغة عقد الذات، بعد أن انقضى نصف العمر في سباق محموم لتحقيق أهداف، بعضها اقتنعت به وبعضها الآخر جريت فيه لمجرد أن تكون جزءًا من مجتمعك وبيئتك. عملت بجد، وحققت بعضًا منها، ولم يتحقق بعضها الآخر لأسباب وظروف شتى. الآن تبدأ محطة مختلفة. عند هذا المنعطف لا يُطلب منك التوقف، بل إعادة توجيه البوصلة الداخلية. أن تتحول من محاولة السيطرة على عالم خارجي سعيت طويلًا ليقبلك، إلى رعاية صحتك العقلية والجسدية والروحية، وبناء علاقة أعمق وأكثر وعيًا مع ذاتك. يقال إن عمر الخمسين هو سنّ النضج المعرفي. حيث يتبلور الوعي بأن ليس كل ما يلوح في الأفق يستحق انتباهك، وأن الجدالات المستنزفة للطاقة لا تضيف شيئًا إلى شخصيتك. يصبح الاختيار هنا فعلًا فلسفيًا: أن تختار معاركك بعناية، وأن تدفع ثمنًا بسيطًا مقابل راحة بالك. هذا التحوّل من منطق المنافسة إلى منطق التصالح هو جوهر التقدّم في العمر. في هذا العمر تتحول المعرفة من مجرد رصيد شخصي إلى إرث يتجاوز حدود الذات. لم يعد…
السبت ٢٧ مايو ٢٠٢٣
عادت الفلسفة إلينا، إلى مدارسنا وجامعاتنا بعد انقطاع طويل. وسائل يسأل: ما معنى عودة الفلسفة ولماذا؟ وما أهميتها لمجتمعنا؟ دعوني أعرّف الفلسفة بأنها وعي العقل بالعالم المعيش، ونشاط العقل في اكتشاف الأسئلة الصحيحة، حول الوجود والمعرفة والقيم والجمال. إنها بما تملكه من مفاهيم ومناهج ومنطق لقادرة على ممارسة النقد المعرفي، فضلاً عن تزويد الوعي بأدوات الحوار الخلاق في كل المجالات التي من شأنها أن تسهم في تطور بلادنا ومستقبلها. وإذا كانت الفلسفة هذه وهي هذه، فهي على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للفرد وللجماعة وللمؤسسة. ولما كان هاجسها الموضوعية في الأحكام حول العالم، والتحرر من كل ما يعيق العقل من التفكير الموضوعي، فإنها تكشف عما وراء ظاهر الأشياء، عن الأسباب العميقة التي تفسر لنا الظواهر الاجتماعية والسياسية والقيمية. ولقد انتبهت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ ولادتها إلى هذه الأهمية السابقة الذكر للفلسفة، وجعلتها مادة للتعلم في المدارس، وإذا شاءت بعض الظروف أن تبعدها عن مجال التعليم، فها هي دولتنا تعيدها إلى سابق عهدها، وبحلة جديدة من الظهور. تعود الفلسفة إلى مناهج التدريس، تعود الفلسفة إلى أقسام كليات الآداب والعلوم الإنسانية، إلى الحوار المدني في الأنشطة الثقافية، إلى إصدار أهم كتب الفلسفة المترجمة وغير المترجمة، والمكتوبة بلغة عربية فلسفية ناصعة. فها هي جامعة محمد بن زايد تعلن عن افتتاح قسم الفلسفة…
الأربعاء ١٩ أغسطس ٢٠٢٠
ترسم الدول سياساتها الخارجية، عموماً، وفق مصالحها الوطنية، وما يدر عليها من قوة واستقرار وأمن. وعلاقة السياسة بالمصالح الوطنية الكبرى لا تلغي اعتراف الدول بأهمية القوانين الدولية، التي تنظم العلاقة بين الدول والسلم العالمي. وهذا الجانب يعني الالتزام العملي والأخلاقي بمبادئ التعايش بين الشعوب. في المقابل، هناك بعض الدول التي نسميها «الدول الأيديولوجية» (مشتقة من كلمة idea في اللغة اللاتينية القديمة)، والأيديولوجية هي الدولة التي تبني سياساتها انطلاقاً من منظومة أفكار تبشيرية، تحاول عبر أساليب كثيرة نشرها! هناك خطر واضح ومباشر من الدولة الأيديولوجية على المجتمعات، وعلى نفسها، يتمثل هذا الخطر في طرح مفاهيم وأدوات من الماضي واستخدامها في الحاضر، لإخفاء نزعات توسعية وطموحات استعمارية، ما يستنزف قدرات المجتمع الذي يريد أن يعيش المستقبل، وعلى سبيل المثال الدولة الإيرانية وتبنيها الفكر الأيديولوجي في طرحها السياسي، الذي يعرِّض المنطقة للخطر وعبث الحروب التي لا تنتهي، وأهم مشكلات الفكر الأيديولوجي هي عدم تعامله مع الواقع، فالدول الواقعة في هذا المسار هي دول غير واقعية، كما في الحالة اليمنية، إذ يستمر الدعم الإيراني للميليشيات المسلحة، والواقع يقول باستحالة أن تحكم اليمن ميليشيات مسلحة، لكن الأيديولوجيا الإيرانية تستمر في إشعال فتيل الحرب. هناك الكثير من المصطلحات الأيديولوجية الزائفة، بدءاً من الحاكمية بأمر الله، وفكرة الخلافة التي يشترك فيها النظام الإيراني، والفكر «الإخواني»، الذي يلغي…
الأربعاء ٠١ يناير ٢٠٢٠
لماذا وقعنا في غرام الصحراء ونحن نعشق البحر؟ كيف لقلب واحد أن يعشق اثنين ويعيش قصتين! تحدثت عن هروبنا إلى الصحراء بعيداً عنه وعن شواطئه في مقالة سابقة، وبعد مرور أربعين عاماً، نحاول أن نعود إليه بكل الطرق، لكن المعادلة تغيرت الآن، هجرنا الصحراء بكامل إرادتنا وحسب شروطنا، ونتوق إلى العودة له الآن بشروطه، ذلك أن كلفة الهروب وفاتورة الرجوع باهظتان، تركناه عندما لم نعد بحاجة إليه، ومع تبدل الزمن لم يعد هو بحاجة إلينا، تغيّر شكل المدينة وتغيرنا ولم يعد فناء بيتك شاطئ البحر بتلك السهولة التي تتصورها. سأروي لكم الحكاية منذ البداية. كيف تعارف كل من الموجة والشاطئ؟ أتساءل دائماً كيف كان اللقاء الأول؟ يا إلهي! كم يعرفان بعضهما بعضاً جيداً، إنهما في تفاهم لحد التلاحم، الموج الغاضب والزبد المتناثر يوتر البحر، يقلب المراكب، يقلق البشر. وحدها الشواطئ تعرف كيف تحضنه، وتهدئ من روعه، وتحضنه بتوازن، وتخفّف من ثورانه، تقبله بحب، ويبدأ بعدها العودة إلى الهدوء والسكينة. وفي المقابل، عندما تريد الشواطئ أن تأخذ قسطاً من الراحة من أقدام البشر، وتنغصات قطع المحار المبعثرة، آنذاك، تنصت لعزف الموجة المنفرد، تأتي ومعها لحنها، موجة تسمعها لحناً وثانية تطردها، وثالثة تغسل إثماً، وأخرى تربت على كتفها، وتقول هامسة: لن أتركك ولو طال العمر. يمارس الكون غوايته مع الطبيعة، ألحان وانعكاسات…
الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠١٩
ما قيمة الزمن إذا أردت أن تشتري لحظات مع مَنْ تُحب أو تحترم؟ سؤال يغويك بإجابة على طريقته، فللأسئلة أحياناً سطوة تفرض علينا أجندتها، وتقدم لنا الحقيقة في السؤال والإجابة في علامة الاستفهام. إذا كان الوقت أغلى ما نملك، فنحن متأخرون عن اللحاق به أو حتى مجاراته، لأننا لا نملك الرصيد الكافي لنشتري لحظة قصيرة مُضافة إلى العمر، يتفق معي في هذه الفكرة الكثير من الناس، الأثرياء، ومتوسطو الدخل، ومعدومو الدخل أيضاً! لسنا هنا في صدد الحديث عما يستطيع المال شراءه، فحتى الثراء الشديد يتعثر بأشياء صغيرة، والسبب ببساطة هو عدم القدرة على التحكم فيه، لأن الزمن خارج نطاق سطوة البشر وسيطرتهم، بل هو الذي يتحكم فينا، ويتولى القيادة، بيده مقود الوقت والطريق، لا تستطيع أن تنزل قبل محطتك، ولا تقدر على أن تؤجل موعد نزولك، ولو قمت برشوة الزمن، وهل يستطيع أحد منا أن يرشو الزمن؟ وذلك من أجل البقاء قليلاً ولو إلى محطة إضافية ليستمتع بالحياة؟ ويجبرك هذا السؤال على إجابة مفصلة على مقاسه أيضاً. يقول صاحبي: كيف نستطيع أن نحارب الزمن ونتغلب عليه؟ قلت له: ربما العلم يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال الملغم مستقبلاً! لكن عندما تحارب أحداً، وتريد أن تنتصر عليه، يجب أن تستخدم أسلحته نفسها، أو أقوى منها، فما الأسلحة التي سيستخدمها العلم لوقف…
الأربعاء ١٦ أكتوبر ٢٠١٩
هل المنظومة التعليمية والأخلاقية السائدة حالياً قادرة على مساعدة أطفالنا على فهم ومواكبة المتغيرات التي تقود العالم؟ وهل أطفالنا مستعدون لتحديات المنظومة القيمية والتعليمية التي يحملها المستقبل؟ تبادرت إلى ذهني هذه الأسئلة وأنا أرى الفجوة بين عالم أبنائنا وعالمنا، رغم أننا نعيش العالم ذاته. نرى أبناءنا يختبئون عنا في زوايا مجهولة، مظلمة لنا، ومنيرة لهم. في أحيان كثيرة، نجدهم يحلقون في تطبيقات نجهلها، أو ألعاب تتحكم فيها الرياضيات، أو محتوى يحوي منظومات أخلاقية غريبة عنا. في هذين العالمين اللذين يعيش فيهما كلانا، قد نلتقي في بعض المحطات، لكننا نفترق في الكثير منها. وللإيضاح أكثر، يمكن القول إن الجيل الجديد من أبنائنا يعيش المستقبل، ويتعامل مع تفاصيله يومياً في أفكاره ومعتقداته وأحلامه وطموحاته، بينما نعيش نحن الوقائع الحاضر، ونتعكز على الماضي الذي نعتقد أو نتوهم بأنه قادر على تقديم جميع الحلول لمشكلاتنا. لذا نعمل على إجبار الجيل الشاب، الذي لم يُخلق لعصرنا، من خلال إصرارنا على الإيمان بأنه يشبهنا تماماً، وسيبقى كذلك على الدوام! ونتصور أنه سيعيش تفاصيل تجاربنا نفسها، لذلك لا نهتم للغد الذي يطرق أبوابنا كل يوم، وفي الموعد نفسه. هذا المستقبل الذي لم نلتفت إليه، قد غزا بيوتنا، وهيمن على جزئيات حياتنا. وأكثر من ذلك، أصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا وحياة أبنائنا. وهذا ما يحتّم علينا أن…
الأربعاء ٢٥ سبتمبر ٢٠١٩
ما الدور الذي يمكن للمثقف أن يمارسه عندما يقود إدارة المؤسسات الثقافية؟ هل يستطيع أن يحقق التوازن بين دوره كمثقف وقرارات الإدارة؟ خطط بعض المثقفين أو «الفاعلين في الساحة الثقافية» للفوز في انتخابات أحد مجالس إدارة مؤسسة ثقافية بمقاعد المجلس وإدارة المؤسسة للفترة المقبلة، وقد استطاعوا بعد القيام بترتيبات واجتماعات معينة إزاحة المنافسين، والظفر برئاسة المجلس. إن معظم المشاركين في هذا الحدث أسماء معروفة، لها إنتاجها الفكري والأدبي في الساحة الثقافية، وقد حرصوا على البقاء بقرب منظومة الإدارة في جميع الفترات السابقة، وأثناء النقاشات مع الأصدقاء والمهتمين بهذا الموضوع، برزت آراء مختلفة وعديدة حول ما حصل في تلك الانتخابات. قال أحدهم: هل يمكن أن نطلق على هذا الموضوع مؤامرة؟ لكن الأمر كان مختلفاً، حيث لم تكن هناك أية أجندات مسبقة، وكان باب الترشيح مفتوحاً، وللجميع حق مكفول للترشح إذا اقتنع المترشح بأن ترشحه سيضيف محتوى مهماً لهذه المؤسسة والمجتمع. وفي جميع انتخابات الجمعيات ذات النفع العام، تصاحب نيّة الترشح ترتيبات واجتماعات لإقناع الناخبين بأحقية هذا الفرد بالترشح، ورؤيته الثقافية المزمع تنفيذها. وأضاف: «أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، رغم الاسم الجميل الذي تحمله هذه المؤسسة الثقافية، لكنها لا تقود فعلياً العمل الثقافي إجمالاً في الدولة، وأداؤها من وجهة نظري أقل من مستوى المتوسط، فلماذا نعطي كل هذا الاهتمام لقطاع غير منتج…
الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠١٩
من الذي يصنع البذيء، (أيّ بذيء القول والفعل)؟ عادة ما يتوارد إلى ذهني هذا السؤال وأنا أتصفح التعليقات والردود، وكذلك المشاركات في وسائل التواصل الحديثة، حيث يتدفق كمّ هائل من التعليقات السلبية والمبتذلة، التي لا تساعد على الهدف الرئيس من تنمية الحوار أو النقاش. ثم أسأل نفسي ثانية: هل نحن نواجه أزمة لغوية أو أخلاقية؟ منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت شرخاً عميقاً في المجتمع، وفي كثير من الأفراد من مستخدميها، وبرزت تناقضاتهم وضحالة فكرهم في العالم الافتراضي، وظهر للعيان الوجه الآخر لمجتمع مختلف، حاولنا لسنين أن نتجاهله، وأصبح علينا أن نتعامل مع البذاءة وصناعة التفاهة بصفة يومية، ضريبة علينا دفعها، ولم نتسبب فيها! نتفق جميعاً على الحقيقة العلمية القائلة: إن الإنسان لا يولد بذيئاً، بل تتشكل معه هذه الصفة المكتسبة والمتراكمة، التي تؤثر في نفوس الأفراد، ما يجعل البعض يذهب إلى أبعد من ذلك في تحليل هذه الظاهرة، ويصفها بأنها جزء من آلية دفاعية يلجأ إليها البعض، ليحموا أنفسهم حتى وهم يتأهبون وراء أجهزة الاتصال، ويختبئون في الظلام بأسماء مستعارة. وفي دراسة لعلم النفس الاجتماعي، أنجزتها إحدى الجامعات الأميركية، عن ردود أفعال الأفراد، من خلال تعريضهم للتنمّر أو الشتيمة من قبل أشخاص عابرين في الشارع، فقد أثبتت الدراسة أن ردة الفعل تكون أكثر تفاعلية، وربما قاسية، إذا كان الفرد…
الخميس ٣١ أغسطس ٢٠١٧
لا أعرف إن كان من قبيل المصادفة في طريق العودة من الصين ونحن نعبر الأجواء الهندية أن أختار مشاهدة فيلم درامي يغير الصورة النمطية لأفلام هوليود، ويجعلني أفكر مليًا في كثير من العبث الذي نعيشه بصورة يومية والتي تفرضها علينا حياة قد تكون قاسية وصعبة. يتشابه الأشخاص والمواقف والظروف، وتختلف الأماكن، المعاناة ليس لها عنوان معروف. الفيلم يتحدث عن (سارو) طفل في الخامسة من عمره ينتظر أخاه الأكبر في محطة القطار، وينام مكانه وعندما يصحى من نومه من شدة القلق والخوف يذهب ليبحث عنه في القطار الذي يتحرك حينها، ويأخذ معه الطفل الذي نام من التعب بعيدًا عن قريته بآلاف الكيلومترات، ويخرج من القطار في مدينة "كالكتا" الهندية المزدحمة التي لا يتحدث لغتها، وهو أصلًا لا يتحدث بشكل واضح نظرًا لصغر سنه، لك عزيزي القارئ أن تتخيل ما حدث بعدها، الطفل ذو الخمس سنوات الذي يشبه كل أطفال العالم يضيع في مدينة حسب قصة الفيلم لمدة شهرين، وينام في العراء ويتعرض لكل المواقف الخطرة والمرعبة التي لا يستطيع تحملها رجل راشد، كيف استطاع النجاة ؟ لا أعلم! كثير من المفاجآت في هذا الفيلم وأولها أن القصة حقيقية وأن الكاتب هو بطل فيلم الطفل (سارو) الذي في غفلة من الزمان انتشله شاب بالصدفة من الشارع، وتم وضعه في ملجأ للأيتام وتلعب…
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١٦
يقول شقيق الراحل، محمد علي كلاي، إنه أوصى أن تُكتب على قبره مقولة للقس الراحل، مارتن لوثر كينغ، يقول فيها: «حاولت أن أحب أحداً.. أن أحب الإنسانية وأخدمها.. حاولت فعلاً أن أطعم الجياع وأكسو العراة». حتى تصل لفهم أفضل للحياة وللمتغيرات من حولك؛ تحتاج أحياناً إلى تجربة عميقة، تجربة تهزك من الأعماق، وتنسف كل ما أنت عليه من مفاهيم أو ما كنت تحسبها قيماً إنسانية نبيلة، فتجعل كلمات، مثل العذاب والفقد أو الموت والغياب الأبدي؛ تعني لك شيئاً مختلفاً، شيئاً مغايراً لِما اعتدت أو اعتادت الجماعة عليه. تقترب منك الحياة وتدنو منها، ترمي لك بطعم، فما إنْ تحاول الإمساك به حتى يبتعد. والقاعدة تقول: حتى تفهم أكثر، لابدَّ أن تحاول ثانية وثالثة حتى تتمكن من الإمساك بالمعنى الحقيقي لذاك الطعم. مات، أول من أمس، أسطورة الملاكمة، محمد علي كلاي، بعد خمسة وثلاثين عاماً من اعتزاله، قضى معظمها يصارع مرض الشلل الرعاش، الذي لا علاج معروفاً له حتى الآن. ويقال إنه عاش بصراع قاسٍ ومرير مع الموت، لكن الواضح أنه كان في صراع مع الحياة. كان يريد أن يفهم بعمق بعض أسرارها ومعطياتها، وكعادتها مع الجميع؛ أعطته فسحة من العمر، كما أعطته الشهرة والأضواء والكثير من المال، وأعطته أيضاً المرض الذي لا علاج له! أن تعتزل وأنت بطل، هذه قصة تستحق…