محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

تعكير «صفوة المجتمع»

الثلاثاء ٠٨ مايو ٢٠١٨

يقول مؤلف الكتاب الجميل «الحضارة»، د. حسين مؤنس، الذي حاول فيه دراسة عوامل قيام حضارات الشعوب، ومقومات تطورها، إن لكل أمة صفوتها، وهي أقلية واعية «تقود وتوجه وتبتكر، وتنظر إلى الأمام، وتحسب حساب الحاضر والمستقبل». باختصار: هذه الفئة معروفة، وتنال احترام الناس عادة، لأنها ليست انتهازية، وتضع مصلحة الوطن نصب عينها، قبل مصلحتها الشخصية، فهي تنطلق برؤيتها لتنمية المجتمع من مبادئ نبيلة راسخة في وجدانها. هذه الفئة يطلق عليها الفرنسيون لفظ «Elite»، وهو تعبير فرنسي «انتقل إلى كل اللغات الغربية»، بحسب د. مؤنس، وتحمل على عاتقها هم تطوير المجتمع وتقدمه، وقد تبين تاريخياً أن كثيراً ممن قادوا نهضة الأمم من تلك النخب كانوا من «متوسطي الذكاء»، غير أنهم يتطلعون دوماً نحو تحقيق أهدافهم الوطنية أياً كان موقعهم، ومستعدون ليفنوا حياتهم من أجل تلك الغايات السامية. وكما قال أرنولد توينبي: «لا بد لكل جماعة إنسانية من صفوة، فئة قائدة، لكي تتقدم وتتحسن أحوالها... ومصير تلك الجماعة كلها مرتبط دائماً بهذه الصفوة وأحوالها». ولذا، فإن صفوة المجتمع عادة ما يكابدون عناء مشقة التفكير بتقدم مجتمعهم، فيما ينعم غيرهم برغد الحياة. وكما قال المتنبي: ذو العقلِ يَشْقَى في النَّعيمِ بِعقلِهِ... وأخو الجَهَالةِ في الشَّقاوَةِ يَنعَمُ وأسوأ ما يمكن أن تصاب به «نخبة المجتمع» أن تدب بينهم الخلافات، فيتركون أسمى غاياتهم الوطنية، وينشغلون في…

الفواجع والقرارات المؤسسية

الخميس ٢٥ يناير ٢٠١٨

آلمتنا كارثة حريق الفجيرة الذي نجت منه أم مكلومة وراح ضحيتها أطفالها السبعة الذين لم يتبق منهم سوى بصمات أياديهم البريئة على الجدران المتفحمة وهم يحاولون الهروب من جحيم الفاجعة. وبقدر هذا الألم سررت بقرار مؤسسي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بتوجيه الدفاع المدني بصورة عاجلة «للتأكد من وجود أنظمة للحماية من الحرائق متصلة مع الدفاع المدني مباشرة في كافة بيوت المواطنين» وأن الدولة ستتحمل تكاليف من لا يستطيع توفيرها. ما همني في هذا القرار أنه لم يرتكز على حل وقتي بل دائم لا يرتبط بهمة أشخاص وفتورها. مشكلتنا مع الكوارث والفواجع في المنطقة أننا نعالجها بقرارات عاطفية وننسى السؤال الجوهري: كيف نقلل احتمالية حدوثها مستقبلاً؟ التاريخ يزخر بأمثلة للقرارات المؤسسية الحكيمة التي حاولت تقليل أضرار الفواجع. أشهرها الحريق الكبير الذي انطلق من خباز في قلب لندن ليلتهم ثلثها ويقتل نحو 13 ألف شخص عام 1666. فيما وصف بأنه أبشع حريق من نوعه في تاريخ عواصم العالم. بعدها بدأ الإنجليز بقوانين أمن وسلامة صارمة، وبتأسيس دائرة الإطفاء، والتأمين، وفرض البناء بالطابوق الإنجليز الشهير بدلاً من الخشب، وبعد فترة طويلة منعت مواقد النار المنزلية بمناطق معينة، فصارت بريطانيا مضرباً للمثل في اشتراطات الأمن والسلامة. والأمر نفسه، يتجلى في عالم الطيران، فحينما تسقط طائرة أو تتعرض لخلل أو مكروه ينطلق إليها…

الكتابة والهروب من المسؤولية

الخميس ١٨ يناير ٢٠١٨

لا يكاد يخلو اجتماع مجلس إدارة في العالم، ولا في وزارة وبرلمان ومؤسسة رفيعة، من محاضر اجتماعات يدون فيها حيثيات اللقاء وقراراته. وذلك لسبب بسيط، وهو أن الناس حينما «يقع الفأس بالرأس»، تتهرب من المسؤولية أو تكذب أو تحور كلامها. وقد رأيت ذات مرة، كيف تمعرت وجوه المشاركين في لجنة رفيعة كنا نناقش فيها قضية بالغة الأهمية، كُلفنا بها، وكان سيتمخض عن النقاش قرارات وتوصيات ترفع لجهات عليا. هذا التردد يحدث في كل مكان. ، حينما يشاهد مشارك غير واثق من نفسه أو غير مستعد أصلاً للاجتماع، آلة التسجيل وهي تدور لتدون ماذا يجري في الاجتماع. وأخطر ما في هذا الأمر، حينما ينفي أحدٌ ما قاله بالفعل. من هنا، جاءت فكرة توقيع المتهم على محاضر التحقيقات المكتوبة، وكذلك التصديق على محضر الاجتماع في الجلسة التالية. وهذه مسألة مهمة، لأنه اتضح فعلياً أن الناس تكذب في النقاش الشفهي، أكثر بأضعاف المكتوب. فعندما طلب الباحث في شؤون الاتصال بجامعة كورنيل العريقة جيف هانكوك من مجموعة من المشاركين في دراسته بأن يدونوا، بطريقة علمية، لمدة أسبوع، ما يجري من كذب في محادثاتهم. فتبين له أن الآخرين قد كذبوا عليهم بنسبة 14 في المئة‏ عبر البريد الإلكتروني، و21 في المئة‏ عبر دردشات الرسائل النصية القصيرة، و27 في المئة عبر النقاش الشفهي، ونحو 37 في…

النوم والمزاج والسعادة

الخميس ٢١ سبتمبر ٢٠١٧

أهدرت سنوات طويلة من حياتي كنت أعامل فيها نفسي بقسوة بحرمانها من النوم الكافي بدعوى غرس روح الانضباط، عبر مواعيد الاستيقاظ الثابتة مهما كانت قلة ساعات النوم، حتى تبحرت في قراءة أبحاث عدة رصينة. وشاهدت لقاءات مصورة، لم أعد أذكر عددها، لأبرز المهتمين في هذا المجال فوصلت إلى قناعة راسخة، من تلك الدراسات، إلى أن قلة النوم تقف وراء تعكر مزاجنا وتذبذب تركيزنا وشعورنا الخادع بالجوع. آخر تلك الأبحاث ما قرأته أمس على صدر الصفحة الأولى للتايمز اللندنية حيث تبين «سر السعادة يكمن في نوم جيد»، ذلك أن الباحثين اكتشفوا أن هناك استعداداً كبيراً لدى المشاركين لتفضيل النوم المريح على زيادة في الدخل بمعدل 50 في المائة! وليس هذا فحسب بل إنهم مستعدون لاختيار التمتع بنوم جيد على قائمة بكل عناصر أسلوب الحياة lifestyle التي يمكنهم التحكم بها. هذه النتيجة طبعاً كانت بعد استبعاد أي عناصر لا يمكن للمرء أن يتحكم بها مثل سلالته وجنسه وعمره وغيرها. لم أستغرب هذه النتائج بصراحة بعد أن أدركت ماذا تصنع تلك السويعات التي يطلق عليها العلماء مرحلة النوم العميق أو «جودة النوم». فالبعض يظن أن الموضوع مرتبط فقط بإجمالي عدد الساعات وينسى أنه إذا ما اختلت مرحلة النوم العميق اختل معه مزاجه وشعوره لاحقاً. فالإنسان عموماً يمر بأربع مراحل طوال مدة نومه. وتبدأ…

أقصر مسافة بين متحاورين

الثلاثاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٧

إذا كان الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين، فإن القصة هي كذلك أقصر مسافة بين متحاورين والأدلة كثيرة. فالقصة التي يعتبرها البعض موروثاً شعبياً لتمضية الوقت، أو لتزيين الخطب، وأجواء المجالس الاجتماعية، قد أظهر ثلة من الباحثين أن وقعها على آذان من نحاول إقناعهم أكبر بكثير من الحديث الوعظي المباشر. فحينما نصغى إلى قصة تروى بشكل جيد، فإننا ننغمس مع الراوي في عالم السرد القصصي، حيث تأخذنا شخوصها وأماكنها إلى أجواء رحبة تسهم في تغيير ردود فعلنا العاطفية وشيء من قناعاتنا حتى بعد ردح من الزمن. وهذا ليس كلامي بل هو ما أكدته دراسات عدة منها أبحاث كل من تيموثي بروك وميلاني غرين. ولكل قاعدة شواذ. وهذا الأمر يتجلى حينما يمارس الراوي أثناء خطبته قصة جذبت انتباه المنصتين لأنها انطبقت عليها نظرية «transportation» في الحوار، وهي تلك اللحظات التي ينسى فيها المرء ذاته وهو يروي بانهماك شديد حكايته، فينعكس ذلك على سلوكه، الأمر الذي يعزز من قوة وقع هذه القصة. لكن الصدمة الحقيقية في رأيي تكمن في أن المرء يفقد جل مصداقيته حينما يكتشف الناس لاحقاً أنه كان يمارس ضدهم مسرحية هزلية من الضحك على الذقون، استغلالاً لتلك الفطرة التي فطر الله الناس عليها. وينسى أو يتناسى أنه إذا كان لدى البعض ذاكرة القطط فإن عصر أرشفة كل شاردة…

العقل الجمعي العربي

الخميس ٢٤ أغسطس ٢٠١٧

لو طُلِبَ من فرد ومجموعة مكونة من ألف شخص أن يخمنوا عُمر شخص آخر أو وزنه لا شك أن معدل إجابة الجماعة ستكون أقرب للدقة من مجازفة تبني رأي واحد. هذه الفكرة التقريبية التي بني عليها «العقل أو الذكاء الجمعي» موجودة حاليًا في جيبك وفي قطاعات أخرى. فكل هاتف نحمله هو في الواقع يضم تطبيقات ومواقع تقيس مدى ترددنا على خبر أو سلعة أو خدمة معينة، فيحفظ في ذاكرته ملايين السلوكيات التي يمكن أن تتنبأ إلكترونيًا بما ينشده أو يفضله المستخدم. ومن أمثلته موقع «غوغل»، وموسوعة «ويكيبيديا»، وأسئلة «ياهو»، والأحزاب السياسية، والشركات الناجحة، والنقابات، ومدارس الموهوبين، ومجالس الإدارة، والهيئات الاستشارية. هذا يعني أن الذكاء الجمعي collective intelligence هو تعاون تكافلي للقدرات الذهنية في مسعى لتجنب القصور أو الانحراف الإدراكي الفردي، مقارنة بالتفكير الجماعي للعقول. وهذا ما لا يدركه من يؤثر الانفراد بالرأي على حسن الإصغاء لآراء من حوله. ولا يختلف عاقلان على أن هناك قوة بشرية هائلة تبزغ حينما نجمع الناس مكانيًا أو إلكترونيًا، لنستقي منهم معلومات تساعدنا وتساعدهم في اتخاذ القرار. من هنا، جاءت أيضًا أهمية الشورى أو الديمقراطية. وربما هذا ما جعل دساتير عدة تقيد قرار شن الحروب بيد البرلمان أو الحكماء حتى لا يلقي زعيم ديكتاتور البلاد والعباد في أتون معاركه وعنترياته. والذكاء الجمعي موجود في مخلوقات…

هذا هو القائد الحكيم

الخميس ١٠ أغسطس ٢٠١٧

سُئِل سقراط: «لماذا تم اختيارك أحكم حكماء اليونان؟»، فقال: «ربما لأنني الرجل الوحيد الذي يعترف بأنه لا يعرف». والمتأمل لهذه العبارة يجد أنها بالفعل إحدى صفات القائد الحكيم، وهي أنه لا يتباهى بمعارفه، بل يضعها رهن إشارة السائل، ولا تتدفق درره ومعارفه إلا وقت الحاجة. والقائد الحكيم يؤمن بأن «الأفعال أبلغ من الأقوال»، ولذا يدرك أهمية ممارسة أسلوب القدوة الحسنة أو «Leading by example». والقائد الحكيم هو الذي يفرق بين «السرعة» في اتخاذ القرار حينما تكتمل أركانه، وبين «التسرع» الذي يجانبه الصواب في أحيان كثيرة. ومن علامات الحكمة حينما نرى في خضم النقاشات الصاخبة والعقيمة كيف يفرق القائد في مداخلاته بين الرأي والحقيقة، فالحقيقة مسلمات قلما تكون مجالاً للنزاع، أما رأينا فصواب يحتمل الخطأ، كما قال الشافعي. وسميت الحكمة بذلك لأنها تأتي من «حَكم» الشيء أي أجاد إحكامه، ومن تعريفاتها معرفةُ أفضل الأشياء بأَفضل العلوم، وهذا أحد الأسباب التي تدفع بالقائد الحكيم، لأن يحيط نفسه بأفضل المستشارين البارزين في مجالاتهم ويصغي لهم ويحترمهم بالدرجة نفسها التي يزدري فيها المنافقين والمطبلين من حوله. كما أن ارتباط الحكمة بالعلم- كما قلنا- يجعل القرارات الحكيمة قابلة للاستيراد، وذلك باستشارة أصحاب الخبرات. وكما قال الشاعر: «فخذوا العلم على أربابه.. واطلبوا الحكمة عند الحكماء». وقال أيضاً: «إذا كنت في حاجة مُرْسِلا.. فأرسل لبيبًا ولا توصهِ..…

وجاهة الإقناع ووضاعة الفبركة

الخميس ٠٣ أغسطس ٢٠١٧

«لا يمكن أن تقنع شخصاً ما حتى تؤكد له أنك فهمت المشكلة من وجهة نظره». فكيف سيكون حال الشخص حينما يكتشف أنك أصلاً لا تأبه بإقناعه، بل تمعن في اختلاق القصص أو فبركتها أمام الناس. العبارة الأولى هي إحدى النصائح الجميلة التي أسداها إلينا المحاضر الشهير في فنون الإقناع د. غاري أورن حينما كان يحاضر بنا في جامعة هارفارد ضمن برنامج تدريبي مكثف لنحو 27 قيادياً تم انتقاؤهم من الوطن العربي. هذا الأستاذ الذي تتلمذ على يديه الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاعة نفسها، قال لنا «في عالم الإدارة، نعتبر أن 2 في المائة من المشكلات التي تواجهنا هي مجرد محاولات لاتخاذ القرار المناسب، في حين نمضي 98 في المائة من الوقت في محاولات حثيثة لنقنع الآخرين بقبول هذه القرارات». وهذا المعنى واقعي وينطبق على مختلف الصعد، لا سيما ونحن في عصر باتت فيه حاجتنا لإقناع من حولنا أكثر صعوبة من أي وقت مضى، حيث ارتفاع مستوى التعليم، وسرعة الحصول على المعلومة، وتدني الأمية لمستويات غير مسبوقة منذ بدء الخليقة كل ذلك جعلنا نواجه معضلة إقناع البعض، وخصوصاً ممن يعتقدون واهمين أن التشبث بالرأي أو التشدق به هو نوع من أنواع إظهار قوة وصلابة الموقف، ناسين أن الحوار ليس معركة يجب أن ننتصر بها، بل هو مقارعة الحجة بالحجة. وكم…

متاهة الرأي

الخميس ٢٠ يوليو ٢٠١٧

معظم وجهات نظر الناس هي خليط بين الرأي والحقيقة، وعدم إدراك الفارق بينهما يدخلنا في معمعة الخلافات ومتاهاتها، فحينما أقول مثلاً، «ثمرة الجوافة لذيذة»، هو رأي بحت وبطبيعته قابل للاختلاف، وأحياناً «الخلاف» الحاد في موضوعات شائكة. وعكس ذلك حينما أقول إن «الجوافة من ثمار الفاكهة». هذه الجملة هي حقيقة محضة لا ينكرها إلا مكابر. وإدراك الفارق بين الحقيقة والرأي، يجعلنا نكشف من يتعمد إثارة الجدل حول حقائق مجردة، خصوصاً أن الحقيقة أمر موضوعي بطبيعته ويمكن التأكد منه بالعودة مثلاً إلى قاموس وغيره، لكن الرأي «حمّال أوجه»، يمكن أن يكون أحياناً غير موضوعي ويصعب التأكد منه، لأن لكل شخص رأي. الأمر الوحيد الذي نستطيع التأكد منه في الرأي هو التأكد من هو قائله، وهذا لا يضيف شيئاً جديداً. ويمكن بسهولة اكتشاف عبارات الرأي من الكلمات المستخدمة في ثناياها، وهي منحازة بطبيعتها، مثل، أحب، أكره، أفضل، أختار، جميل، قبيح، ممتع، ممل، غبي، عظيم، عجيب وما شابه، بينما قد تحتوي عبارات الحقائق على كلمات، مثل «ذكرت» الإحصاءات كذا. وهناك بعض الكلمات التي من شأنها أن تحسّن الرأي أو تجرده من المبالغات مثل: يبدو، أعتقد، أحياناً، أتوقع ربما وغيرها. هذه الكلمات مهمة، حتى لا تقدم بعض الآراء على أنها حقيقة حاسمة لا تقبل النقاش. ومن اللافت أن بعض كلمات أو عبارات الرأي، تغلف بصيغة…

قياس إنتاجيتنا بميزان السيراميك!

الخميس ٠٢ فبراير ٢٠١٧

قَسَّمَ أستاذ متخصص في فن تصنيع السيراميك طلبته إلى مجموعتين؛ اليسرى طلب منها أن تصنع قطعاً من السيراميك بحيث يتم تقييمها بصورة رئيسية على أساس «الكمية» المنتجة، أما المجموعة اليمنى فسيتم تقييمها على معيار «الجودة» المنتجة. فانطلق الفريقان في تنافس محموم. وبينما هم يشرعون في التصنيع أخبرهم الأستاذ بأن تقييمهم سيكون على النحو التالي، حيث سيأتي بميزان ليزن ما تم إنتاجه من مجموعة «الكمية»، وسيعطي لكل 50 كيلوغراماً يتم إنتاجها درجة «A» ولكل 40 كيلوغراماً درجة «B». أما مجموعة الجودة، فسوف يمنحها درجة الامتياز «A» إن هي أنتجت قطعة واحدة من السيراميك شريطة أن تكون ذات جودة فنية عالية. ولما حان وقت التقييم جاءت الصدمة، إذ تبين أن المجموعة التي طلب منها التركيز على الإنتاج «الكمي» كانت قد أنتجت كميات ذات جودة عالية جدا. في حين لم تتمكن مجموعة «الجودة» من إنتاج أي قطعة! وبعد بحث وتمحيص تبين أن هذه المجموعة قد أهدرت أوقاتها في التنظير والتخطيط والتأمل على حساب الشروع في الإنتاج، فيما اتضح أن مجموعة «الكم» قد استفادت من أخطائها الإنتاجية الأولى؛ إذ كانت عملية الإنتاج الكمي فرصة لاستفادتها من أخطائها، فتكون لديها لاحقا مهارة بالغة في التصنيع السريع المتقن لقطع السيراميك التي أبهرت الأستاذ والطلبة أنفسهم. هذه القصة ليست خيالية، لأن مغزاها يعكسه واقع الحال في كثير…

الإطراء.. البلسم الخفي

الخميس ٢٥ أغسطس ٢٠١٦

تبين علمياً أنّ كلمات الإطراء تولّد شعوراً جميلاً لدى متلقيها. كما إن البعض يصل لمآربه بعد كلمات من الإطراء يغلف بها طلبه. أيا كان الدافع يبقى تأثير الإطراء فورياً حيث اكتشف العلماء في دراسة يابانية ذكرتها في كتابي «المرأة تحب المنصتين» أنه حينما فاز المشاركون بلعبة الميسر (القمار)، التي أقيمت خصيصا لهذه الدراسة، كانت المناطق التي تتأثر في دماغهم لحظة تحقيق الربح المالي، هي المناطق نفسها التي تتأثر حينما يتناهى إلى أسماع الفرد كلمات رقيقة من الإطراء، وهو ما اعُتُبِر بأن الإطراء يحقق الشعور اللذيذ نفسه الذي يولده الكسب المادي. ليس هذا فحسب، فحتى العلماء البريطانيون اتضح لهم أن الإطراء أكثر فاعلية من التسوق والجنس وتناول الشوكولاته، عندما يتعلق الأمر بتحسين مزاج المرأة ونيل رضاها. وتجلى ذلك عندما تبين أن نصف من شاركن في الدراسة، وعددهن 1056 امرأة أعمارهن ما بين 25 و45 عاما، قد اعترفن بأنهن يشعرن بفرح أكبر حينما يسرحن شعرهن، مقارنة بما يشعرن به لدى تناول الشوكولاته، حسبما نشر في صحيفة «الحياة». واعترفت نحو 41 في المائة من المشاركات بصراحة تامة بأن تلقيهن إطراءً أو رسالة نصية جميلة يحسن بالفعل مزاجهن. وكان واضحا أن مساحيق التجميل «المكياجية» هي أمر يلجأ إليه أكثر من ثلث المشاركات ويبذلن جهدا يوميا لارتداء أفضل الثياب وذلك في محاولة «لتحسين الحالة النفسية…

علمياً.. وجاهة السبب تُقنِع أحياناً

الخميس ٢٨ يوليو ٢٠١٦

شغلت باحثة شهيرة في جامعة هارفارد، فكرة لماذا يقتنع بعض الناس بسرعة وبجهد بسيط، بينما لا يتطلب الأمر الجهد نفسه مع أشخاص آخرين؟ فعكفت أستاذة علم النفس الاجتماعي إلين لانجر على إجراء دراسة كان يُطلب فيها من أحد المشاركين حمل بضع أوراق والتوجه إلى الشخص الذي يستخدم آلة التصوير ليقول له: من فضلك لدي 5 أوراق، هل يمكنني استخدام آلة التصوير؟ فكانت نسبة الموافقة 60%. ثم توجه الباحثون إلى آخرين لكنهم غيروا من صيغة السؤال فقالوا: من فضلك لدي 5 أوراق، هل يمكنني استخدام آلة التصوير لأنني في عجلة من أمري؟ فارتفعت نسبة القبول إلى 94%. وكان الفارق الوحيد أن الباحثين ذكروا سبباً وجيهاً لطلبهم فلقي قبولاً ساحقاً. وهذا ما يجري على أرض الواقع. فلا يعقل أن تجد مسافراً يرفض أن يُقَدِّم عليه موظف خطوط طيران بالمطار مسافراً آخر حان موعد إقلاع رحلته. ولا يعقل أن نرفض تأجيل عمليتنا الجراحية البسيطة في سبيل إفساح المجال لعملية جراحية حرجة لمريض آخر. وكم من مرة تنازلنا عن دورنا أو ضحينا بكرسينا لمسن منكسر. فنحن بطبيعتنا نتفهم ظروف الناس إن كانت قاهرة ونرفض من يتلاعب أو يستخف بعقولنا. وهذه الفطرة السليمة يمكن استخدامها بالوقت المناسب في تبرير أعمالنا وأقوالنا وإقناع الآخرين بما نريد. ويعد تبرير القرارات أو الطلبات المستعصية قضية مهمة في القيادة…