الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠١٤
كنتُ منهمكاً بكتابة دراسة عن «القرآن والتأويلية الأشعرية» بحسب الباقلاّني، عندما أرسل إلي أحد الأصدقاء كتاباً لرجل ذي اسم مستعار في الغالب هو «عباس عبد النور» وعنوانه: «محنتي مع القرآن ومع الله في القرآن». إن الطريف كان بالنسبة لي أن الدعاوى ضد القرآن التي يرد عليها الباقلاّني في كتابه: «الانتصار للقرآن» قبل أكثر من ألف عام، هي نفسها التي يذكرها ويؤكّدها المسمى «عبد النور» مثل الغموض والتكرار والابتسار وغير المفهوم والقاسي ومتناقض التفسيرات. ويبدو بالفعل أن الرجل (يقول إنه مصري) كان مسلماً لأنه يعرف كثيراً عن الإسلام والقرآن. إنما هناك احتمال أن يكون كاهناً مسيحياً ذا ثقافة استشراقية، مثل اللبنانيين المسيحيين الذين انصرفوا لكتابة نقائض ضد الإسلام خلال الحرب الأهلية! أما الأمر الطريف الآخر، فهو أن كل النقائض التي يذكرها الكاهن «عبد النور» على القرآن، هي ذاتُها ما كان يستخدمه المسلمون قديماً وحديثاً في الردود على اليهود والمسيحيين في العهدين القديم والجديد! وما أردتُ من وراء معالجة هذا الموضوع أو التعرض له، إحياء الاهتمام لدى القراء بالدفاع عن الإسلام. فهذا الموضوع ليس مكانه الصحف السيارة ولا التلفزيون والقنوات الفضائية، بل أردْت عرض المحنة الهائلة التي نعاني منها نحن العرب والمسلمين في السنوات والعقود الأخيرة. فهناك أُصوليات عنيفة صاعدة في قلب ديننا ومن حوله، وهي تضرب وتخرّب في ديار المسلمين ومجتمعاتهم…
الجمعة ٠١ أغسطس ٢٠١٤
جاءت كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز، بمناسبة عيد الفطر، كاشفةً ومشخِّصةً إلى أقصى الحدود. فالأمة العربية تقع بالفعل بين هذين الخطرين الكبيرين: الطغيان الذي ساد في دولٍ عربيةٍ رئيسيةٍ على مدى العقود الماضية، والإرهاب الذي نشر ألويته وأسلحته في موجته الثانية أو الثالثة، مجتاحا الدول والحدود والمجتمعات لدى العرب بالذات. الطغاة معروفون والذين دعموهم ويدعمونهم معروفون. وقد تلاعبوا من خلال أنظمتهم وأمنياتهم وعساكرهم ليس بمصائر الدول والشعوب وحسْب، بل وبالإرهاب ذاته. نعم، لقد بلغ من ثقتهم بأنفسهم وعسكرهم، أنهم أقدموا على «احتضان» المتطرفين في أرضهم ومعتقلاتهم، لاستخدامهم ضدّ الآخرين، فأسهموا في صناعتهم، وتقويتهم، وها هم اليوم يُظهرون الارتياع منهم، لكنّ طابخ السُمّ آكِلُه! ولكي لا نبقى في العموميات، نقول إنّ إسرائيل كانت أول رُعاة ذاك الإرهاب في حقبته الحاضرة. فمنذ مقتل إسحاق رابين عام 1995، توالت حكومات التطرف اليميني والديني على السلطة في بلاد العدوّ المعلَن. فانتهى كلُّ كلامٍ عن إمكانيةٍ لحلّ سلمي أو مفاوضات سلام. وصار الهدف والديدن لذاك الجيش الأُسطوري، ومستوطنيه الأشاوس: شنَّ حروب الإبادة على الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية المجاورة، كأنما ليس في العالم غير إسرائيل ومطامحها وأمنها الذي تستطيع بذريعته إلْغاءَ كلّ الآخرين بالقوة العارية! وإذا كانت للتطرف الديني أسبابه المتعددة خارج فلسطين؛ فإنه لا سبب له على أرض فلسطين بالذات غير حروب الإبادة…
الجمعة ٢٥ يوليو ٢٠١٤
ما انقسم العرب من قبل بشأن حماس، كما ينقسمون اليوم. ولا يمكن قول الشيء نفسه عن «داعش»؛ إذ لا أحد يستطيع رفع الصوت في دعمها أو في تسويغ تصرفاتها. بيد أن هناك علاقة خفية بين حماس و«داعش»، سوف نحاول تلمُّسها في ما بعد، وهي في كل الأحوال لا تتجاوز حالة العجز العربي، وحالة الانقسام العربي. لا جدال في أن إسرائيل هي وحدها سبب الوضع الحالي في فلسطين، ليس منذ اليوم، بل منذ ما قبل انفصال غزة عن الضفة عام 2007. فمنذ عام 2002 استطاعت إسرائيل إقناع إدارة بوش الابن بأن عرفات ما عاد شريكا في عملية السلام. بيد أن خروجه من المشهد بالوفاة عام 2004 ما غيّر شيئا في الوقائع على الأرض، وبخاصة ما تعلّق بمفاوضات السلام. بيد أن الافتراق تمثّل في أن الولايات المتحدة (ومن بعدها الأوروبيون) تعاملت مع عباس باعتباره شريكا جديا في العملية السلمية، وأيام بوش وأوباما. لكن ذلك ما عنى مساعدة عباس أو تخفيف الضغوط عليه، أو إقناع شارون ونتنياهو بالعمل معه بحق على حلّ الدولتين. وما اقتصر الأمر على ذلك، بل عندما نجحت حماس في انتخابات عام 2006 ما فكر الغربيون إلاّ في ضربها، وكان على عباس ومصر بالذات القيام بذلك. ولأنهم رغم الضغوط عليهم ما ضربوها، جاء قرار شارون وقتها بالانسحاب من غزة ضربةً…
الجمعة ١١ يوليو ٢٠١٤
انقضى الأسبوع (العربي) على وقع ثلاثة أحداث في سوريا والعراق واليمن. في العراق تأجلت جلسة مجلس النواب شهرا، لأن المالكي مصرّ على البقاء في رئاسة الحكومة لفترة ثالثة. وفي سوريا استطاع النظام محاصرة المناطق المحررة من سيطرته في حلب. وفي اليمن تصاعدت الاشتباكات بين الحوثيين والجيش اليمني، لأن الحوثيين لا يريدون الاستيلاء على مدينة عمران فقط؛ بل ويستهدفون صنعاء أيضا! في المواطن الثلاثة مواجهات متداخلة: السلطة القائمة ومعارضوها، والتنظيمات المسلحة الإيرانية التي تدعم السلطات أو معارضيها، والتطرف الإسلامي الذي يقبع بين السلطة والمعارضة، وتستخدمه السلطات فضلا عن القوى الإقليمية والدولية! منذ العام 2003 يتذمر السنة العرب في العراق من التهميش، ومن الملاحقات والقتل والاضطهاد والتهجير. وقد كان بينهم معارضون ومقاتلون للاحتلال الأميركي من بقايا النظام السابق. أما القتال ضد الأميركيين (والشيعة) باسم الدين والسلفية الجهادية فلم يحدث إلا بعد دخول أبو مصعب الزرقاوي من سوريا، حيث توالت أرتال «الجهاديين» التي أرسلتها المخابرات السورية لإزعاج الأميركيين، فأزعجت الشيعة أيضا، واستثارتهم ضد السنة فحصلت الحرب الأهلية (2006 - 2008). وخلال ذلك أقبل الأميركيون على بناء نخب الدولة الجديدة وجيوشها وأمنها. واتفق الأميركيون مع الإيرانيين والمالكي على كل شيء بما في ذلك عدم التحرش بهم أثناء انسحابهم، وعدم التحرش من جانب حزب الله بإسرائيل، وعدم التعرض لنظام الرئيس الأسد من جانب الولايات المتحدة.…
الجمعة ٠٤ يوليو ٢٠١٤
انشغلت وسائل الإعلام في الأيام الماضية بإعلان «داعش» وزعيمها عن قيام «دولة الخلافة» أخيرًا تحت اسم «الدولة الإسلامية». وتعود هذه الظاهرة، أي ظاهرة الثوران الديني داخل الإسلام، إلى سبعينات القرن الماضي، حين تصاعدت تلك الانشقاقيات بصورةٍ عنيفةٍ هدفُها المباشر إسقاط «الدولة الوطنية» والحلول محلَّها. وعندما نجحت الثورة الإسلامية في إيران في إسقاط نظام الشاه هناك وإقامة نظام «ولاية الفقيه» محلَّه، حَسِبَ المراقبون أن الإسلام الشيعي وجد أخيرًا مستقرًا له في دولة، راح فقهاؤها يصنعون تجربتهم الحديثة الخاصة بهم وبه. لكنّ هذا الانطباع ما كان صحيحًا، لأن التجربة الدينية هي مثل التجربة القومية أو أنّ التجربة القومية ليست غير تقليدٍ أو استرجاعٍ للتجربة الدينية. والتشابُهُ هنا ينصبُّ على التمامية أو الاكتمال. فالدولة في النظرية القومية هي دولة الأمة، وينبغي أن تجمع الأمةَ بداخلها. وبسبب هذا الطموح المستحيل حدثت معظم الحروب في أوروبا منذ منتصف القرن التاسع عشر، وصولًا إلى صيرورتها حروبًا عالميةً في القرن العشرين. وما خمدت تلك الحروب إلاّ عندما انكسرت الفكرة القومية في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وصارت المسألة مسألة تحالفات ومعسكرات غير دينية وغير قومية. وكما لم يشارك المسلمون في النزاعات الدينية بأوروبا الوسيطة والحديثة، لم يشاركوا أيضا في القرن العشرين في النزاعات بين الأمم والقوميات، وإنما كانوا أو صاروا موضوعًا ومجالًا لها. ولذا فإنّ «الدولَ الوطنية» التي…
الجمعة ٢٠ يونيو ٢٠١٤
في أواخر عام 2011 ساءت العلاقة بين محمود أحمدي نجاد ومرشد الثورة السيد علي خامنئي. ولا ندري سببًا بالضبط لماذا كان ذلك. وإنما ظهرت لذلك علامتان: تزايد ظهور المهدي المنتظر لنجاد في المنام واليقظة، والتجاذب العلني بين نجاد ونواب في مجلس الشورى وضباط في الحرس الثوري. في كثرة ظهور المهدي لنجاد أراد القول إنه يتلقى التعليمات مباشرةً وما عاد بحاجةٍ إلى بصيرة القائد الملهم ووساطته. وفي التجاذب بين الضباط والنواب من جهة، ونجاد ومساعديه من جهةٍ ثانية، تكاثرت الاتهامات بالفساد من الطرفين. وهنا تأتي القصة التي أردتُ الوصول إليها من وراء هذا الاستطراد: في إحدى المرات، استدعت إحدى لجان مجلس الشورى الموالية لنجاد، الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس لسؤاله عن بعض المصروفات التي ما كانت ملحوظةً في موازنة الفيلق. وما تنازل سليماني بالظهور أمام اللجنة، لكنه جاء إلى طهران (من دمشق) متحديًا وقائلاً: إذا أصبتُ بشيءٍ بسبب مكائد الأعداء، فلن يزعج ذلك الإيرانيين فقط؛ بل ستطالب بدمي شعوب المنطقة، فقد صنعتُ لإيران عشر إيرانات في الخارج، ومن العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر، وإلى أقاصي القارتين! ما ظهر النفوذ الإيراني أول ما ظهر في العراق، بل في لبنان عبر التنظيم المسلَّح والمقاتل لـ«حزب الله»، وهو تنظيمٌ اكتسب شعبيةً في العالم العربي نتيجة مقاومته لإسرائيل في الجنوب، وصولاً لشنّ حربٍ على…
الجمعة ٠٦ يونيو ٢٠١٤
رأيت وسط تأزمات الثوران الإسلامي، والصراع بين الجماعات الدينية والدولة، وسوء منظر ومشهد الإسلام في العالم، أنه لا بد لصون الدين في أزمنة التغيير (وهو العنوان الفرعي لكتابي الصادر أخيرا) من ثلاثة أمور؛ الأول: القيام بنهوض فكري وديني تجري من خلاله عمليات نقد تحويلات المفاهيم، والإصلاح الديني. والثاني: إعادة بناء المؤسسات الدينية لتمكينها من القيام بالوظائف والمهام التي كانت لها والتي لم تستطع القيام بها في المرحلة الماضية. والثالث: الانخراط من جانب المثقفين في عمليات إقامة أنظمة الحكم الصالح أو الرشيد في البلدان العربية التي سادت فيها وتسود الديكتاتوريات العسكرية والأمنية المهولة. وصحيح أن بعض الذين ردوا عليّ جادلوا بشأن الأنظمة الاستبدادية، وهل هي أفضل أم التيارات المتشددة التي تتصارع معها (!)، بيد أن الاعتراضات الحقيقية، ومن جانب الإصلاحيين والتنويريين على حد سواء، كانت على اتجاهات عمليات النقد المفهومي من جهة، والدعوة لتقوية المؤسسات الدينية التي نال منها الضعف، وضاعت وظائفها ومهامها بين الأنظمة الاستبدادية والثوران الإسلامي. ففي مجال النقد المفهومي أو نقد عمليات تحويل المفاهيم، لاحظت أن «التقليد» السني صار ملعونا باعتباره أرثوذكسية رجعية مملوءة بالانسدادات، وانحطاطات الألف عام! وقلت إن هذا التصور أو هذه التصورات التي نشرتها التيارات الإصلاحية والسلفية والتنويرية، وطرب لها المستشرقون ودعاة صراع الحضارات، تمثل نزوعا غير تاريخي، ولا يفهم الإسلام والمسلمين. فصحيح أن «التقليد»…
الجمعة ٣٠ مايو ٢٠١٤
لقد صارت مهمةً من العبث العابث، إذا صحَّ التعبير، وأعني بها مجادلة الإيرانيين بشأن تنظيماتهم المسلَّحة في أربع دولٍ عربية. ولو اقتصر الأمر على الإيرانيين وأنصارهم الطائفيين والمذهبيين لقلنا إنَّ هؤلاء إنما هم مثلنا عندما كنا نندفع في دعم المقاومة الفلسطينية في الستينات والسبعينات، باعتبار أنَّ للقضية الفلسطينية أولويةً على كل ما عداها. وقد كنا نعترف بأخطائها أحيانا دون أن نُرتّب نتائج على هذا الاعتراف، أو لا نعترف على الإطلاق، ونعتبر كلَّ نقدٍ جزءًا من المؤامرة الأميركية والصهيونية على «المقاومة» والتحرير! ولا أزال أرى حتى اليوم، أنَّ ما أصابنا وأصاب الفلسطينيين ليس ناجمًا عن أخطاء المقاومة بالدرجة الأولى، بل عن أمورٍ ثلاثةٍ أخرى، وأخطاءُ المقاومة رابعُها. الأمر الأول: التفوق الصهيوني العسكري والاستراتيجي. ولا ينبغي أن ننسى أنَّ الولايات المتحدة حليفة إسرائيل كانت تتجه للانتصار في صراعها مع الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة. والأمر الثاني: إنه ما كانت هناك استراتيجية عربية لمواجهة الصهاينة بعد عام 1973، بل عهدوا بالأمر عمليًا بعد حرب عام 1967 إلى الفلسطينيين وحدهم، وراحوا هم يهادنون أو يتصالحون مع إسرائيل من أجل استعادة الأرض التي فقدوها في زمن الدول العسكرية التقدمية. والأمر الثالث: اتجاه دول الممانعة والمقاومة وجبهة الصمود إلى أخذ وظائف من الولايات المتحدة بشأن استيعاب المقاومة الفلسطينية وقوى التحرر أو التمرد العربي الأخرى. وما كان…
الجمعة ٠٢ مايو ٢٠١٤
قرأتُ مقالتَي الأستاذين طرابيشي والهوني، ردا على مقالتي بـ«الشرق الأوسط» في 4/19 بعنوان: «الحملةُ على الإسلام والحملةُ على العرب». وقد توقّعت الردَّ بل الردين. وكنتُ قد انتقدت من قبل في مقالةٍ بجريدة «الاتحاد» كتاب الأستاذ عبد المجيد الشرفي الأخير «مرجعيات الإسلام السياسي»، وأردتُ من وراء ذلك الدخول في نقاشٍ معه، لكنه لم يردّ. وقد صَدَقَ حَدْسُ الأستاذ الهوني في الدوافع المباشرة لمقالتي الأخيرة «الحملة على الإسلام». فقد أثارني الاحتفال ببيت الحكمة بتونس الذي أقامته جمعية «أوان» وما قيل فيه. وسأوضّح سببَ أو أسبابَ ذلك. أولا: أنا مهمومٌ مثل كثيرين من العرب مما يجري بداخل الإسلام، ومما يجري على أرض العرب: فما يجري بداخل «الإسلام السني» من انشقاقاتٍ بسبب الانفجارات الجهادية، وبسبب الإسلام السياسي، منذ أكثر من ثلاثة عقود، يبعثُ على الروع والفزع. وما يجري على أرض العرب منذ الغزو الأميركي للعراق، والتدخل الإيراني المباشر وعبر التنظيمات المسلَّحة وغير المسلَّحة في ست أو سبع دول عربية، يبعثُ على الغضب. وقد تابعتُ مثل غيري من العرب (وعبر ثلاثة عقود) وقائع الانشقاقات والاختراقات بداخل الإسلام، وأصولها القريبة، وصدرت لي عدة بحوثٍ وكتبٍ فيها هي: «الإسلام المعاصر» (1987)، و«سياسيات الإسلام المعاصر» (1997)، و«الصراع على الإسلام» (2005). ويصدر لي الآن بأبوظبي (وهو أول كتبي وليس بحوثي بعد الثورات) كتابٌ عنوانه «أزمنة التغيير: الدين والدولة والإسلام…
الأحد ٢٠ أبريل ٢٠١٤
هناك ثلاث رئاسات عربية، بل خمس، معرضة للتغيير خلال الشهرين القادمين: رئاسة وزراء العراق، رئاسة الجمهورية في سوريا، رئاسة الجمهورية في لبنان، رئاسة الجمهورية في الجزائر، رئاسة الجمهورية في مصر. لكني لن أبدأ بالرئاسات المأزومة، والتي تفتح على تأزُّم أكبر؛ بل أود الافتتاح بالتغيير المنتظر للأخضر الإبراهيمي المبعوث العربي والدولي المكلف بالأزمة في سوريا. إذ يبدو أن هناك توافقاً بين أعضاء مجلس الأمن على الاستبدال بالإبراهيمي أحداً آخر. ولو تأملنا المشهد قليلا لوجدنا أن الروس والأميركيين كانوا متفقين على تعيينه عام 2012، وأن العرب- وبخاصة السعوديين والقطريين- إنما قبلوه على مضض. وقد اشتهر عن الإبراهيمي بشأن نهجه في الوساطة أمران: أن أطراف النزاع ينبغي أن تُصاب جميعاً بالإنهاك الشديد بحيث لا يستطيع أحدها رفض الخطة المطروحة للحل، وأن الخطة ينبغي أن تخاطب سائر الأطراف، أي أن تكون لها مصلحة أو مصالح ما في القبول. ولا ندري كيف يتأمل الإبراهيمي بعد سنتين ونصف السنة ما قام به، وهل يعتبره نجاحاً أو نصف نجاح، بغض النظر عن النتائج، أم أنه يعتبره فَشَلا بالنظر إلى النتيجة، بمعنى أن الأزمة السورية التي توسط فيها ازدادت عمقاً وتفجراً بعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاعها! وقد اشتهر كوفي عنان المبعوث الأول بالنقاط الأربع أو الست التي طرحها، بينما اشتهر الإبراهيمي بالاعتقاد بأنّ الروس والإيرانيين هم…
الجمعة ١١ أبريل ٢٠١٤
كان الراحل رفيق الحريري في سنوات حياته الأخيرة، وعندما تكاثرت عليه الأزمات، بسبب غلبة النظام السوري على إدارة الشأن العام بلبنان، يسأل نفسه ومحاوريه: لماذا ينشئ الناس دولا وأنظمة؟ وكان يجيب نفسه: ينشئ الناس دولا وأنظمة لتحسين ظروف حياتهم ومعيشتهم، ولصون مصالحهم الوطنية والقومية. فأين نحن العرب اليوم من صون المصالح الوطنية؟ وأين نحن اليوم من تحسين ظروف معيشة الناس فضلا عن حياتهم وعمرانهم؟! إنه باستثناء ظروف وإبادات غزوات المغول والتتار، ما عرفنا دماء ومذابح وإبادات كتلك التي نشهدها كل يوم بسوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا.. ومن الذي يقوم بها؟ السلطات التي كان من المفروض أنه موكول إليها صون حيوات الناس، وحماية أرضهم وسيادتهم وعمرانهم. وهم لا يكتفون بقتل شعوبهم والتسبب بتقسيم بلدانهم، بل يضيفون إلى «فضائل» التهجير وسفك الدم، الاستعانة بالروس وبالإيرانيين، وبغير الروس والإيرانيين، على تدمير البلدان والعمران. لماذا يحدث هذا الهول الهائل؟ لأنهم يريدون البقاء في السلطة والكرسي ولو أدى ذلك إلى دمار البلدان وزوالها. لقد بدأ الأمر في الخمسينات من القرن الماضي، عندما بدأت الانقلابات العسكرية على أثر الهزيمة في فلسطين. وأتى العسكريون بآمال عراض لا تتعلق بتحرير فلسطين فقط، بل وبالوحدة العربية، والتنمية المستقلة. والطريف أنهم جاءوا بإرادة الولايات المتحدة التي كانت تريد بواسطتهم حماية البلدان من الشيوعية في ظروف الحرب الباردة. وعندما فشلوا في…
الجمعة ٠٤ أبريل ٢٠١٤
عندما كان طلاب الإخوان يمعنون إحراقا وتخريبا في كليات جامعة الأزهر خلال اليومين الماضيين، كان حسن نصر الله وضباط الحرس الثوري يقولون إنهم سيستمرون في القتال إلى جانب بشار الأسد؛ لأنه في حالة سقوط بشار فإن «ممتلكاتهم» في العراق وسوريا ستكون مهدَّدة! أمّا في العراق فإنّ المالكي مُصِرٌّ على التهجير والقتل (تعاونه الميليشيات الشيعية) في ديالي والرمادي والفلوجة، ومُصِرٌّ في الوقتِ نفسِه على إجراء الانتخابات (لاحِظوا حرصه على الديمقراطية!). أما كيف سينتخب المهجَّرون والمقتولون فهذا شأنهم. وقد بشّرنا أحد طياري المالكي بأنهم لا يكتفون بالإغارات على «الإرهابيين» بالعراق، بل هم مكلَّفون أيضا بالإغارة - بترتيباتٍ من الجنرال سليماني - على الثائرين على الأسد في سوريا. ومن جهة ثالثةٍ أو رابعة، بشّرنا لافروف، وزير الخارجية الروسي، بأنّ كيري قال له إنهم لن يعطوا الثوار السوريين أسلحة مضادةً للطيران، كما وعد رئيسه في السعودية وقبل المجيء إليها أيضا! ما الفرق بين الإخواني والروسي والإيراني ونصر الله؟ الفروق قليلة وهي تنحصر باختلاف الجنسيات، أمّا الهدف العامُّ فواحدٌ، وهو مَنْعُ التغيير في البلاد العربية بأي ثمن! وبداية، فإنّ منطق الإخوان مثل منطق بشار الأسد ومثل منطق المالكي: نحكم أو نُحرق البلد! وكأنهم ورثوا سوريا والعراق ومصر ولبنان والبحرين واليمن عن آبائهم وأجدادهم، وإذا لم يساعدهم الأتراك فسيساعدهم الروس، وقبل ذلك وبعده، سيساعدهم بل يساعدهم…