زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

الإعلام الجديد… الأخلاق «الجديدة»

الأربعاء ٢٩ مايو ٢٠١٣

ساهمت وسائط الإعلام الجديد في تقديم ميزتين تجاوزت بهما وسائط الإعلام التقليدي، ميزتين إحداهما سرّتنا والأخرى ساءتنا. أما الأولى فهي إتاحة فضاء واسع للناس كي يعبّروا عن أفكارهم وآرائهم بحرّية لا يُقيدها مقص الرقيب. أما الأخرى فهي كشف الأخلاق الحقيقية للمجتمع، أو شريحة من المجتمع، وإظهار مبادئهم النفعية وأساليبهم المتحيزة والملوثة التي كان ينظفها ويعقمها مقص الرقيب في الإعلام التقليدي. ستتبين لك المقارنة في أجلى صورها، عندما تأخذ كاتب أو كاتبة عمود في إحدى الصحف الآن، وتقارن بين أفكار وأسلوب الكاتب أو الكاتبة في العمود الصحافي الذي تقرأه لهما كل يوم أو كل أسبوع، وما يكتبه هذا الكاتب أو الكاتبة في موقع «تويتر» مثلاً. الكاتب الذي تراه منضبطاً بـ «الأخلاق الحميدة» في عموده الصحافي هو نفسه الذي يكتب ويعلّق في «تويتر» بخفة وانفعال وسوء أدب في نقاشاته مع الآخرين يصل إلى حدّ البذاءة أحياناً. في مثل هذه الحال من ازدواجية الأخلاق ومعايير التفكير والتعامل مع الآخر، لن يصبح صعباً التنبؤ بأيهما هي الأخلاق الحقيقية للكاتب أو الكاتبة... هل هي التي في عموده الصحافي في الجريدة أم التي في حسابه الشخصي في «تويتر»؟! بالطبع ازداد تشوّه وسائط الإعلام الجديد بسبب أن الفضاء فيها مفتوح للجميع، بمن فيهم الغوغاء الذين لن تستكتبهم وسائل الإعلام التقليدي، ولن تقبل حتى بنشر مشاركاتهم وتعليقاتهم إلا…

الإعلام… «السُّلطة الثانية» وليس الرابعة

الأربعاء ٢٢ مايو ٢٠١٣

نتداول في عالمنا العربي أحياناً بعض المقولات والمفاهيم العالمية التي لا تنطبق بالضرورة على حالتنا الاجتماعية ومكوّننا الثقافي والسياسي العربي. من أبرز تلك المقولات وصف الإعلام في الوطن العربي بـ «السلطة الرابعة» على غرار التوصيف الذي تكوّن في أدبيات الديموقراطية التي جاءت من الغرب، باعتبار أن سلطة الإعلام الرقابية تأتي رابعة بعد سلطات الحكم الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية. الوضع السياسي في العالم العربي، كما لا يخفى، ليس بهذه الشفافية التي تتيح للشعب رؤية سلطات ثلاث مستقلة الواحدة منها عن الأخرى، في أدوارها الرقابية والعدلية في تسيير مجريات الحكم. الحدود بين السلطات الثلاث في العالم العربي لزجة، وهي تشبه الكائنات الرخوية في حالة التزاوج بينها (!)، هذه اللزوجة تجعل السلطات الثلاث في عين المواطن العربي تبدو سُلْطة (أو سَلَطة!) واحدة ذات صلاحيات متداخلة ونفوذيات متطابقة، نافية للاستقلالية .. حتى وإن سكنت كل سلطة في مبنى مستقل! وباعتبار أن سلطات الحكم الثلاث هي في العالم العربي واحدة، فإن الإعلام في العالم العربي يصبح السلطة الثانية وليس السلطة الرابعة كما في العوالم الأخرى. لكننا سنصبح أمام مأزق آخر في دقّة التسمية إذا استحضرنا حالة الإعلام العربي «الحكومي» المسيّر من لدن السلطة الأولى «المثلوثة»، التي ستلتهم أيضاً ما يسميه الغرب السلطة الرابعة، لتتوحد كل السلطات الأربع في سلطة واحدة، وبذا ينتفي وصف الإعلام بأنه…

الانفتاح على الآخَر ..الانفتاح على الآخِر!

الأربعاء ١٥ مايو ٢٠١٣

لا جدال في أن الأنساق المغلقة غالباً ما تكون أكثر توتراً وتحسّساً من الأنساق المفتوحة، أو المنفتحة بالأصح، ذاك أن الانفتاح يسمح بتخلل الهواء بين الأجسام الفكرية المتلاصقة إلى حدّ التزاحم، وبالتالي يكون التخلخل الإيجابي المطاق والمحمود للأفكار الجامدة والمتيبسة. من هنا تتجسد جدوى الانفتاح على الآخَر، وتمكين التبادل المعرفي بين الطرفين، ما يسمح بثنائية مسترخية ومتصالحة بين الأنا والآخر تخدم المجموع البشري. لكن الانفتاح على الآخر ليس مطلقاً ولا نهائياً كما يظن بعض الطوباويين، بل هو انفتاح له حدود تمنع من ذوبان الأنا ذوباناً كلياً بحيث يبدو الأنا كأنه هو الآخر ذاته، وبالتالي تنتفي أصلاً الفكرة النبيلة بالانفتاح على الآخر لأنه لم يعد هناك آخر يمكن تمييزه إزاء الأنا! الانفتاح على الآخر بالمطلق مضرّ مثل الانغلاق على الأنا، الفارق بين الحالتين أننا في الأولى سنحصل على إنسان بلا هويّة وفي الثانية سيصبح لدينا هويّة بلا إنسان. المفارقة، حين يكون لدى البعض الاستعداد الكامل والقابلية التامة للانفتاح على الآخر الغربي أو الشرقي البعيد فيما يستنكف ويتمنّع عن الانفتاح على الآخر الوطني أو القومي القريب. يقدّم ذلك كل التنازلات والخيارات ويقضم من «أناه» فقط لأجل أن يقبل الآخر البعيد انفتاحه عليه، لكنه يكابر في تقديم أي تنازل للآخر القريب. يبقى الإشكال الأكبر في هذه الثنائيات، عدا المرونة المبذولة من دون عدل…

وزير بلا أوزار

الأربعاء ٠٨ مايو ٢٠١٣

حتماً ستكون هذه هي المرة الأخيرة التي أعيد فيها نشر مقالتي الأثيرة عندي عن الفقيد الراحل صالح الحصين يرحمه الله. نشرت هذه المقالة في عام ١٩٩٧م. (١٤١٩هـ.) في مجلة «المعرفة»، ثم أعاد نشرها آخرون لأكثر من مرة في مطبوعات ومنتديات. والآن وقد رحل هذا الرمز/ الفقيه الوزير المفكر الزاهد/ عن دنيانا مساء السبت الماضي، فإني لا أجد ما أرثيه به أفضل من أستعيد مقالتي الحوارية تلك، بتصرف طفيف. **** «حين قررت أن ألتقي ثم أكتب عن صالح الحصين لم تكن رحلة البحث عنه سهلة كما توقعت، ليس ذلك لأنه شخص نكرة بين أهل المدينة المنورة، ولكن لأنه شخص لا يفقأ أعين الناس باسمه في كل مكان من صحيفة أو سقيفة. كان زاهداً في الأضواء وما تحمله كل حزمة ضوئية من ضجيج وصخب لا يكاد ينطفئ حتى تنطفئ شمعة الإنسان المضجوج بالزحام من قبل... ثم المضجوج بالإهمال من بعد! في شقة متواضعة داخل عمارة أكثر تواضعاً وجدت العنوان. طرقت الباب ثم دخلت فإذا أنا أمام بيت لا يكاد يزوره «وزير»... فكيف يسكنه؟! فتح الباب بنفسه ثم أدخلني في مجلسه الصغير المنعش بالبساطة والتلقائية. حاولت أن آخذ منه دلة القهوة، لكنه أصر على إبقائها معه، كان مخجلاً أن يكون هو الذي يصب القهوة لمثلي، ليس لأنه وزير فحسب، ولكن لأنه رجل شارف…

الغول والعنقاء والمُعارض المُنصف!

الأربعاء ٠١ مايو ٢٠١٣

رسالة إلى: ع. س. وأمثاله من (المعارضين الجدد). ليس جديداً في تاريخ الدول وجود الموالين والمعارضين، مما يوفر خلطة متمازجة من المواطنة والمحاسبة في آن. كانت هذه هي الصيغة السائدة التي تربط بين مؤسسة الحُكم والشعب حتى قبل تشكّل الديموقراطية في صيغتها الحديثة، المتجددة لا الجديدة. لكننا نلاحظ مع اشتداد وطأة ما يسمى الربيع العربي أن الشعوب انقسمت إلى صنفين متباعدين متنافرين، بين أناس موالين «جداً» وأناس معارضين «جداً». فئة توالي حتى التقديس والتنزيه وتحاول أن تقنع أتباعها بأن كل شيء على ما يرام، وفئة تعارض إلى درجة الكراهية والتشفي وتحاول أن تقنع أتباعها بأن كل شيء على ما لا يرام! حديثي اليوم ليس عن الفئة الأولى، إذ سبق أن تناولت مضامين رؤيتها ومنطلقاتها في التفكير في أكثر من مقال، وخصوصاً في مقال (هل حقاً كل شيء على ما يرام؟!). حديثي الآن عن الفئة الأخرى التي تكاثرت بشكل ملحوظ أيضاً وخصوصاً في الفئة العمرية من العشرين إلى الثلاثين عاماً. من خصائص هذه الفئة: التذمر الدائم ومن كل شيء والرؤية القاتمة للأوضاع والإجراءات وحتى الإنجازات، مهما قلّت، واعتبار النجاحات التي تتحقق وهماً أو مكيدة في سبيل تغطية الإخفاقات. وتبدو المحاولات التي تُبذل لوزن مشاعر هؤلاء الشباب وانتزاعهم من هذه السوداوية من دون أن يقعوا في شباك الفئة الأولى المخادعة أيضاً، محاولات…

الفشيليتيتور!

الأربعاء ٢٤ أبريل ٢٠١٣

ليست المرة الأولى ولا الثانية التي تنقل لنا فيها الأخبار رغبة الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي إلى سورية، الاستقالة من مهمته الدولية. وكانت المصادر الرسمية تسارع على الدوام الى نفي الاستقالة وتؤكد أنها لا تعدو كونها مجرد إشاعات أو تكهنات غير دقيقة. اعتباراً من هذا الأسبوع، ستكون مهمة مصادر التكذيب أصعب من مهمة مصادر الأكاذيب، بعد أن أعلن الإبراهيمي أنه في كل يوم يصحو فيه تكون أول مهمة يعملها على الريق هي التفكير بالاستقالة. بعد كل إشاعة عن استقالة الأخضر الإبـــــراهيمي، يتـــسابـــق المحللون السياسيون في استنباط وتحليل دوافع المبعوث الأممي للاستقالة من مهمته، وكان حريّاً بهم أن يستنبطوا دوافعه في ألا يستقيل... حتى الآن! مضت على تعيين الأخضر الإبراهيمي ثمانية أشهر، لم تزدد فيها الأوضاع السورية إلّا سوءاً لا يُسأل عنه الإبراهيمي، لكنه ملزم أن يحضّر له الإجابات اللائقة أمام عدسات الإعلاميين وميكروفوناتهم. سبعون ألف قتيل ومليون نازح ومهجر وأربعة ملايين نازح داخلياً، وما زال (الفيتو) يتلاعب بأرواح الناس في سبيل الاتفاق على تقاسم الكعكة بين القوى الكبرى. لذا يتفهّم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هواجس الإبراهيمي بالاستقالة لأنه «شخص مهني وحي الضمير». فالسياسي الروسي المخضرم يــــــعـرف أن مـــثـل هـذه المعارك الديبلوماسية تتطلب ضميراً ميتاً كي «تنجح»، من دون الدخول في تفاصيل تعريف النجاح هنا! القتل والهدم والخراب الذي تشهده المدن…

هزيمة الإنسان «المتشابه»

الأربعاء ١٧ أبريل ٢٠١٣

ظل كثير من الشعراء والفلاسفة، لعقود وقرون طويلة، يتوقون إلى تحقيق فكرة «العالم الواحد» المندمج والمتمازج، الذي لا فرق فيه بين عربي وأوروبي وآسيوي وأفريقي، أبيض وأسود وأصفر وأحمر. بعد سنين طويلة من التوق والشوق إلى الإنسان «المتشابه»، تحققت أو كادت تتحقق هذه الأمنية، في ما أصبحنا نسميه ونرمز له في العقود الأخيرة بـ «القرية الكونية». تحقق هذا التشابه عبر ما صنعته العولمة من تسهيل وسائل التواصل والتبادل في الإنتاج الصناعي والثقافي والفني والغذائي والاستهلاكي عموماً، وأكاد أقول و «الديني» حيث لم يعد هناك فارق كبير بين أساليب ووسائل ومتطلبات الداعية المسيحي والداعية المسلم! ما الذي حدث بعد ذلك؟ هل أصبح الإنسان «المتشابه» أكثر سعادة من الإنسان «المتغاير» الذي عاش في القرون الماضية؟! الواقع، حتى لا نكون نوستالجيين أكثر من اللازم، إن حياة الإنسان الجديد أصبحت أكثر سهولة ومرونة وأسرع تعارفاً وتداولاً للأفكار والمشاعر من الإنسان القديم. لكن ماذا بعد؟! الذي يبدو من خلال ما يبثه الإنسان الجديد لمحيطه، أنه أصبح أكثر سعادة خارجية، لكنه أقلّ سعادة داخلية! هذا ظنٌ مبني على استنتاج قد لا يستمزجه كثيرون، فما هو البرهان؟ سأقول إن البرهان هو انشغال الناس من الشرق والغرب والشمال والجنوب، في السنوات القليلة الماضية أكثر من ذي قبل، بالاهتمام بالتراث واستعادة الماضي والتنبيش عن الهوية الخصوصية. لماذا يفعل الناس…

لبنان الإمبراطورية التي لا يغيب عنها القمر

الأربعاء ١٠ أبريل ٢٠١٣

«تحية إلى الصديق ناصيف حتّي» في مطلع الشهر الماضي حزم ناصيف حتّي حقائبه عائداً إلى القاهرة بعد أن مكث في باريس ١٢ عاماً سفيراً لجامعة الدول العربية لدى فرنسا ولدى منظمة اليونسكو. هذه هي الصياغة الرسمية للخبر، وعدا عن ذلك، ففي كل يوم هنالك من يحزم حقيبته مغادراً اليونسكو وباريس، قد تتشابه الحقيبة لكن تختلف الحقيقة! مثّل ناصيف، لي وللمجموعة العربية في المنظمة، مرجعية أساسية ومتكأً صلباً عندما تحتدم النقاشات، إذ يُشهر سلاح خبرته في وجوه المعاندين بعد أن يمتطي حصان ديناميكيته ويركض بين الصفوف، كان من فرط الدينامية عنده أنه أحياناً يوشك أن يعطيك الجواب قبل السؤال. عندما تركَنا ورحل فهمت بعدها بأيام ما يقصده اللبنانيون بـ «الثلث المعطّل»! ناصيف حِتّي لم يكن أول لبناني أتعرّف إليه، ولا أظنه سيكون آخر المتميزين منهم. في الستينيات الميلادية، كان لبنان أول بلد أزوره خارج وطني. هناك وحينذاك، تعرفت للمرة الأولى على: الفرّوج والتلفريك والمسيحي! ظل أبي يأخذنا كل صيف لنمكث في عاليه شهرين أو ثلاثة، ننعم فيها بالبلد مع الشعب الأكثر استمتاعاً بالحياة الدنيا من بين كل شعوب الكون. وعندما نشبت الحرب الأهلية في العام 75، توقفنا عن التصييف في بيروت إلى مدينة عربية أخرى، لكن لبنان لم يتوقف لا عن التصييف ولا عن الحرب حتى الآن. في ٢٠ آذار (مارس)…

«سقوط البيت الأبيض» أميركا تنتخب عدواً جديداً

الأربعاء ٠٣ أبريل ٢٠١٣

لم تستغرق عملية إسقاط البيت الأبيض أكثر من ١٧ دقيقة فقط، على عكس حسابات المتربصين به، إذ لم تشهد عملية الهجوم تلك المقاومة والممانعة الأميركية الشائعة في أذهان الكون. بطائرة واحدة فقط وثلاث سيارات نفايات مموهة بخزانة أسلحة في داخلها وبعصابة مقاتلين لا يتجاوز عددهم عشرين شخصاً، تمكن الإرهابيون من قتل كل عناصر حراسة البيت الأبيض ثم اقتحامه واختطاف الرئيس الأميركي ونائبه ووزيرة الخارجية، الذين كانوا بداخله في اجتماع مع رئيس وزراء كوريا الجنوبية. هكذا دوماً تبدأ الأفلام الأميركية... بتمريغ سمعة القوة الأميركية في التراب، ثم تختم الفيلم بتمريغ سمعة كل مَن سواها حتى المشاهدين في صالة السينما الذين لا يستوعبون سرعة تحولات موازين القوى من الضعف المتهالك في بداية الفيلم إلى القوة الخارقة في نهايته! لا يأتي فيلم (سقوط البيت الأبيض Olympus Has Fallen) بجديد على صعيد الحبكة الدرامية المنقوعة في الإثارة الهوليودية، خصوصاً عندما يصبح الحديث عن قوة أميركا وجبروتها وهيبتها. يتمحور هذا النمط من الأفلام حول فكرة أساسية مفادها أن أميركا دوماً مستهدفة ومحسودة ويتربص بها الأعداء (مضامين خطاب شرقي!). سيناريو «العدو والاستهداف والهزيمة المذلّة في البدء ثم الانتصار الأسطوري في الختام» خلطة ثابتة لا تتغير كثيراً، لكن الذي يتغير هو هُويّة (العدو)، الذي يجب أن يكون وحشياً وسافلاً، حتى تبرز إنسانية أميركا ونبلها. اتخذت أميركا، في…

الحوار (المحير)

الأربعاء ٢٧ مارس ٢٠١٣

1 على غرار مقولة غوبلز الشهيرة: «كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي»، أكاد أقول الآن: كلما سمعت كلمة «حوار» تحسست عصاي! 2 بدءاً، وفي السياق التاريخي لفعاليات الحوار، يجب أن نتذكر مبادرة الحوار بين رابطة العالم الإسلامي والفاتيكان قبل قرابة أربعين عاماً بتفويض ومباركة من الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، واليوم نحن ننعم بهذا اللقاء الحواري الثري بمباركة برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتعزيز ثقافة الحوار والسلام. سيثير انتباهكم هذا الوجود السعودي في مشاريع الحوار منذ ذلك الحين حتى اليوم، بخلاف الصورة النمطية المصنوعة عن السعودية في هذا السياق! 3 في ما بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) أصيب المجتمع الدولي، ومعه المجتمع العربي تبعاً، بما يمكن تسميته: «متلازمة الحوار». أبرز أعراض هذه المتلازمة هو: سخونة في أطراف الحوار ... وانتفاخ وتورم لدى أطراف النزاع، في الوقت ذاته. تتزايد الحوارات وتتفاقم النزاعات، وهما عندنا بمثابة البيضة والدجاجة! جاء الربيع العربي فزاد الطين بلّة، خلط الأوراق وأذاب الماكياج وكشف العورات. ويكاد الإحباط أن يقتلنا الآن لأننا ظننا أن هذا الربيع هو نهاية المطاف، وكان حريّاً بنا أن نراه بداية المطاف لرحلة تغيير قد تطول. رحلة يجب أن لا تحبطنا فيها مخذّلات العرب الذين لا يجيدون سوى شتم الذات ومديح الآخر، والمقارنة بين الغربي الرفيع والعربي الوضيع، وينسى أولئك أن الربيع الأوروبي بدأ…

مدينة النور «الروحاني»

الأربعاء ٢٠ مارس ٢٠١٣

أكتب هذه المقالة إذ عدت من مدينة النور / الرباني (المدينة المنورة)، بعد أن اغتسلت في عبق المدينة المقدسة وتنعّمت بلطف ورقّة أهلها الطيبين. الله... ما أرفع المَقام وأمتع المُقام. بعد أن انتهت احتفالية تدشين (المدينة المنورة ... عاصمة للثقافة الإسلامية لعام ٢٠١٣)، سألني مراسل إذاعة مونت كارلو: ما أكثر شيء أثار اهتمامك في البرنامج المعدّ لعاصمة الثقافة الإسلامية لهذا العام؟ أجبته فوراً: أكثر شيء أثار اهتمامي هو لماذا لم تصبح المدينة المنورة، التي هي العاصمة الإسلامية الأولى، عاصمة للثقافة الإسلامية إلا هذا العام؟! لم يكن هذا تساؤلي وحدي، كثيرون غيري ركزوا هذا التساؤل أمام خيمة الاحتفال... تصريحاً أو تلميحاً. كان تساؤلي عن تأخّر تعصيم «طيبة» استفهامياً في بدايته، ثم تحوّل إلى سؤال استنكاري بعد أن استفهمت من مدير عام منظمة «الإيسيسكو» الصديق د. عبدالعزيز التويجري فأفادني بألم عن الملابسات البيروقراطية لهذا التأخير! الآن يجب أن ننسى التأخير في تسمية العاصمة ونلتفت إلى التبكير في تفعيل المناسبة بما يليق بهذه المدينة المقدسة التي فتحت ذراعيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحتضنته منذ مهاجره إليها وحتى اليوم، إذ تحتضن جسده الطاهر. وإن أهم فعالية يمكن الخروج بها من هذه السنة العاصمية، ليست ندوة أو معرضاً أو كتاباً على رغم أهمية ذلك، بل هي البدء فعلياً، ومع أميرها الجديد، في استعادة…

(الغرب) أمة لا تقرأ!

الأربعاء ١٣ مارس ٢٠١٣

سعدتُ بزيارة معرض الرياض الدولي للكتاب، الذي يغلق أبوابه نهاية هذا الأسبوع، بعد عشرة أيام مكتظة بالزوار والكتب والأفكار. وقولي (سعدتُ) هنا ليس من مكرور القول الجميل المنمّق، بل هو وليد سعادة حقيقية غشيتني في كل زيارة ربحتها من وقتي في الرياض لزيارة معرض الكتاب. ومردّ تلك السعادة ثلاثة أسباب: أولاً: ترقّي معرض الرياض سنةً بعد أخرى في محتوياته وفي أنظمته وفي مرتاديه. ثانياً: أصبح معرض الكتاب «مجلساً» يلتقي فيه المثقفون «وقوفاً» في الزوايا والممرات، كما لم ولن يفعلوا في أي ملتقى ثقافي لهم منظّم مسبقاً وعمداً، فربّ صدفة في معرض الكتاب خيرٌ من ألف ميعاد في الأندية الأدبية! ثالثاً: وهذا سببٌ شخصي لسعادتي، هو صدور كتابي الجديد (لا إكراه في ... الوطنية) وتوقيعي على النسخ الأولى منه. هناك تحولات واضحة وملموسة في المشهد «القرائي» في المملكة العربية السعودية، يستطيع أي باحث يريد رصد تحولات التفكير والاهتمام لدى المجتمع السعودي، والشباب منهم خصوصاً، أن يزور معرض الكتاب ويرصد الميول الشرائية فيه. سيجد مقادير جاهزة لتحضير دراسة سوسيو ثقافية. عندما بدأتْ إرهاصات نشوء معرض الكتاب قبل ثلاثة عقود في جامعة الملك سعود، ثم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ثم في كلية المعلمين بالرياض، كنت حينها طالباً في الجامعة الأولى، وأتذكّر نوعية مرتادي المعرض ونوعية الكتب المشتراة. كان معظم الزوار…