زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

عندما تتحول النخبة إلى غوغاء!

الأربعاء ١٢ فبراير ٢٠١٤

تتحدث الأدبيات الثقافية كثيراً عن أن الجماهير (أو الغوغاء) هم دوماً العائق عن التنمية والتطور والتقدم الذي تبذل «النخبة» جهداً كبيراً في تصنيعه وتجهيزه للرقيّ بهذه الجماهير/ الرعاع! يتكرر هذا الخطاب النخبوي المتعالي، متناسياً أن الأزمات السياسية والنزاعات الدينية والانقسامات الاجتماعية هي في معظمها نتاج أفكار «ثقافية» تصنعها النخبة ثم تستهلكها الجماهير. فهل من مسوّغ أخلاقي أو معرفي يبرر هذا الخطاب الفوقي للنخبة على العامة، ورمي الأخيرة بكل اختلالات المجتمع ومصائبه؟! قبل أكثر من عشر سنوات تأسس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بالمملكة العربية السعودية. قام المركز بكل حدب وكفاءة بعقد لقاءات سنوية لتنمية أدوات الحوار بين فصائل المجتمع في مختلف الاهتمامات والمتطلبات اليومية للإنسان. (سيعقد لقاءه الثامن في المدة من 26-27 ربيع الآخر الموافق 26-27 شباط / فبراير الجاري بمدينة جدة، تحت عنوان: «التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية»). مركز الحوار الوطني السعودي يحظى باحترام كبير، وبتطلعات كانت كبيرة ... لكنها بدأت تتصاغر، خصوصاً بعد إصابة المجتمع بحساسية «الربيع» العربي! ما الذي يعيبه المعترضون على أداء مركز الحوار الوطني؟ الجواب (الجاهز طبعاً): أنه يجمع ويخاطب النخبة من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين ويرتفع بأدائهم الحواري «الرفيع» أصلاً. لكن هذه الرفعة والارتقاء لا تصل إلى الجماهير / الرعاع / الغوغاء، فيُفسد هؤلاء العوام كل ما صنعته تلك النخبة. حسناً، لنذهب إلى إحدى…

ثأر «المتحوّلين»!

الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠١٤

في حرب التصنيفات الحزبية يستخدم المتحاربون كل الأدوات، المباحة وغير المباحة، ويبحثون عن كل الكوادر التي تقبل أن تكون من جنود هذه المعركة غير الشريفة. من أهم الكوادر التي يبحث عنها قادة هذه الحرب لتجنيدهم هم «المتحوّلون»، أي الإسلاميون الذين تحولوا إلى ليبراليين أو الليبراليون الذين تحولوا إلى إسلاميين، أو أحياناً التحولات داخل التيار نفسه من فصيل إلى آخر. تنتهز منصات الحرب الإعلامية من الطرفين هذه التحولات، فتقتنص الفضائيات أو الصحف المهتمة (الإسلامي السابق) لتضعه أمام المشاهدين أو القراء مذيّلاً اسمه بلقب: (خبير في الحركات الإسلامية) ثم تمنحه الفرصة كي «ينتقم» من تياره السابق، متحدثاً بصفته «شاهداً من الداخل» عن عنف وفظائع التيار الإسلامي. كما تقتنص بالمثل المراكز «التوعوية» أو الإرشادية (الليبرالي السابق) وتبرزه أمام الحشود مذيّلة اسمه بلقب (تائب)، ثم تمنحه الفرصة أيضاً كي «ينتقم» من تياره السابق متحدثاً كشاهد عيان عن فسق ومجون التيار الليبرالي. هي لعبة رخيصة بحقّ، تستغل فيها تلك المنصات الحزبية فترة الترنح واللااستقرار عند المتحوّل فتقدم له عرضاً مغرياً لاستعادة وجوده وتكريس هويته الجديدة. لا شك في أن من يتحول من طيف فكري إلى آخر سيكون من الطبيعي أن يتحدث عن تجربته السابقة ولماذا تحوّل عنها؟ وتأتي هذه الأحاديث أو الكتابات في سياق مراجعة لمرحلة حياتية وتجربة شخصية. لكن الفارق بين العفوي والمفتعل يتبين…

كيف تكسب (الأعداء)؟

الأربعاء ٠٨ يناير ٢٠١٤

1 قلت له، مهدئاً: لا تقلق، فتكاثر أعدائك هو دليل نجاحك. فقال: وهل تكاثُر أصدقائي هو دليل فشلي؟! 2 كُتب وأُلّف الكثير عن (كيف تكسب الأصدقاء)، لكن ليس عن (الأعداء)، لأن كسب الأصدقاء عملية معقدة وطويلة وتحتاج إلى جهد كبير من الطرف الأول ومساهمة يسيرة من الطرف الثاني. أما «كسب» الأعداء، أي الحصول على أعداء جدد، فهي للأسف عملية ميسرة وسريعة وتحتاج بالعكس إلى جهد يسير فقط من الطرف الأول وباقي الجهد سيتبرع بإكماله الطرف الثاني! 3 ما هي العلاقة بين صناعة النجاح وصناعة الأعداء؟ لماذا كلما تزايدت النجاحات يتزايد الأعداء؟ وهل نكد الأعداء هو ضريبة الفرح بالنجاح؟ هل يجب، كي أكون مسالماَ آمناً في حياتي وعلاقاتي مع الآخرين، أن أكون فاشلا ً؟! لكنهم يقولون أيضاَ: إن الفشل يُذهب الأصدقاء! أي أننا إذا نجحنا ظهر لنا أعداء .. وإذا فشلنا اختفى عنا الأصدقاء! فما الحل، لمن لا يريد أن يكون له أعداء، ولا يريد أن يكون بلا أصدقاء؟! الحل الوحيد: أن تحافظ على التوازن في أعمالك، بحيث لا تحقق فيها النجاح... كي لا تكسب أعداء، ولا تبوء فيها بالفشل... كي لا تخسر الأصدقاء. إذاَ «التوازن» هو السر! أتدرون ما هو «التوازن» هنا؟ هو أن تصبح إنساناَ... لا ناجحاَ ولا فاشلاَ، بل إنساناَ هامشياَ أو ما يسمّونه «السيد عادي». بالمناسبة، فالسيد…

2014 «دماء جديدة»!

الأربعاء ٠١ يناير ٢٠١٤

اليوم هو أول أيام السنة الجديدة 2014، فهل ما زال هناك متسع للتفاؤل والتأني والتأمل؟! قال لي صديقي بكل تلقائية ونمطية: «إن شاء الله تكون 2014 أفضل من 2013»، قلت له: «لعلها فقط لا تكون أسوأ... ونعوذ بالله من القنوط». منذ عام 2011، حين انفرج جزء من الصخرة الجاثمة على باب البيت العربي ونحن بانتظار الانفراج الثاني ثم الثالث. لم يطل الانتظار فحسب، بل بدأنا نشعر بأن الصخرة التي انفرجت بدأت تستعيد مكانها ومكانتها عند مدخل البيت المسدود! ما الذي ننتظره ونأمله من عام 2014؟ هل نأمل ارتفاع مستوى الكرامة البشرية وتوقّف استرخاص الدماء؟ أو تحقّق التطلعات الإنسانية في عالم تنموي عادل؟ هل نطمع في نفحات ديموقراطية تهب علينا من الشرق أو الغرب، ولن أقول الغرب فقط كما يظن البعض! بل في مشاركة شعبية في صنع القرار، أيّاً كان اسم هذه العملية: ديموقراطية - شورى - حوكمة؟ عندما انفرجت الصخرة قليلاً، قليلاً فقط، استعجل البعض في إخراج رأسه من خلال الفرجة الصغيرة ظناً منه أن الانفراج سيكتمل تلقائياً، ونسي أن الصخرة لا تنفرج إلا بـ «صالح الأعمال»، لذا تورّط العاجل برأسه في الفرجة الصغيرة التي بدأت تضيق مجدداً! كنا نظن متعجلين أن الصخرة التي انفرجت في 2011 سيكون انفراجها الثاني في ٢٠١٢ والثالث النهائي في ٢٠١٣، لكن الذي وقع كان…

جريمة (لا) تهزّ المجتمع!

الأربعاء ٢٥ ديسمبر ٢٠١٣

في وقت مضى، كان عنوان: (جريمة تهز المجتمع) «مانشيتاً» صحافياً يهز القارئ. الآن، فقَدَ هذا العنوان وجاهته وبريقه ولم يعد جديراً أن تمنحه الصحيفة مكانة «المانشيت» أو حتى «البنط العريض»، لماذا... هل لأنه لم تعد تقع جرائم تهز المجتمع؟ الحقيقة، أن الإجابة الأدقّ، ليس أنه لم تعد لدينا الآن جريمة تهز المجتمع، بل لم يعد لدينا مجتمع تهزّه جريمة! سيأتي هنا سؤال يتكرر كثيراً في مثل هذه الجدليات: هل الجرائم زادت فعلاً أم إن الإعلام السريع والمنتشر هو الذي زاد في كشفها ونشرها بعد أن كانت تقع في الخفاء؟ الجواب هنا يجب أن لا يخضع لأحادية السؤال، فالخياران في السؤال صحيحان. الجرائم زادت فعلاً، بسبب التزايد السكاني وتزايد التوتر النفسي والاجتماعي وتناقص الاكتفاء المعيشي، والأشد من ذلك هو غياب الرضا المعيشي بسبب النزوع الرأسمالي النهم للشكلانية. كما أن الإعلام المتطور ساهم بقوة في ازدياد واعتياد الجريمة. أصبح الإنسان لا كرامة له، والموت لا هيبة له، إذ نطالع على شاشة التلفاز مشاهد الموت الجماعي في البلاد المجاورة ونسمع صيحات الأطفال والنساء الباكية أمام قتلاهم الممزقين، وإذا نطق ذو الضمير الحي من بيننا قال: «يا أخي غيّر القناة، أقرفنا منظر الدم والأشلاء ونحن ناكل». يتم كل هذا بالفعل ونحن على مائدة العشاء المتزامن دوماً مع نشرة أخبار التاسعة! لكن الإعلام الحديث، المتطور…

يوم اللغة العربية يومكم

الأربعاء ١٨ ديسمبر ٢٠١٣

اليوم الأربعاء تحين الاحتفالية الثانية بمناسبة (اليوم العالمي للغة العربية)، حيث أعلنت منظمة «يونسكو» في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي ٢٠١٢ عن اعتماد الاحتفالية في يوم ١٨ كانون الاول (ديسمبر) من كل عام. في الاحتفالية الأولى من العام الماضي كان الوقت قصيراً بين وقت اعتماد القرار في تشرين الاول وموعد الاحتفالية في كانون الاول، وعلى رغم هذا كان حجم المشاركة العربية في المناسبة مُرضياً بدرجة نسبية عالية، ولذا فنحن نتوقع أن تكون المشاركة هذا اليوم من هذا العام أفضل كماً وكيفاً. تسرني كل مشاركة ومساهمة في هذه الاحتفالية، لكنني بصدق أُسرّ أكثر بالمشاركات الشبابية لسببين: أولاً لأنهم متهمون بالبعد عن لغتهم والتقرّب من اللغة الأجنبية أكثر، وثانياً لأنهم هم المعوّل عليهم لنقل لغتنا الغالية إلى الجيل المقبل. أجسّ نبض المؤشر اللغوي عند الشباب، أكثر ما يكون، عبر موقع «تويتر» الذي أراه ساهم كثيراً في استعادة الشباب العربي إلى استخدام لغته، عوضاً عن استخدام الإنكليزية بلا مبرر ... أو الاستخدام الكارثي لما يسمى «العربيزي»! راقبت، خلال الأسبوعين الماضيين بالذات، التفاعل الشبابي في «تويتر» مع وسم اليوم العالمي للغة العربية ٢٠١٣، وقد كان في معظمه تفاعلاً إيجابياً، بل وإثرائياً في أحايين كثيرة عبر مقترحات الشباب ومبادراتهم لتطوير الفعالية أو حتى فقط مشاعرهم وتعبيراتهم الفرائحية بالمناسبة. هذا لا ينسيني الامتعاض الذي…

حزب (مكافحة الحزبية)!

الأربعاء ١١ ديسمبر ٢٠١٣

أشرت في مقالات سابقة، حديثة وقديمة، إلى ما أحدثته «الحزبية» في مجتمعاتنا من التفرقة والضغينة والكيد المتبادل. أتحدث هنا عن الحزبية بمفهوماتها المعوّجّة وتطبيقاتها السيئة... حزبية التضاد لا التنوع كما هو في الأنساق المدنية المتطورة، لن أقول في الغرب فقط بل وفي عدد من دول الشرق أيضاً. وأعظم من هذا دلالة التعبير القرآني في قوله تعالى: (كل حزبٍ بما لديهم فرحون). وأود أن أتناول الآن، وربما في مقال قادم، كيفية مقاومة هذه الحزبية ذات المحتوى التجزيئي الهدّام وآلية التصدي لتصنيفاتها الاعتباطية. لكن قبل أن ندخل في هذا النقاش الشائك يجب أن أَحْذر وأُحذّر من أن نقع في ما وقعت فيه فئة من الناس أرادت أن تكافح الحزبية فوقعت فيها وفي ما هو أشد منها! وإليكم حكاية هؤلاء بإيجاز: تبنّى أحد الدعاة، قبل أكثر من عقدين من الزمن، خطّاً واضحاً يحمل رسالة نبيلة ننشدها جميعاً، كرّس فيها خطبه ومواعظه في التحذير من الحزبية التي بدأت آنذاك تكشّر عن أنيابها وتنهش وحدة المجتمع. لكن سلامة الهدف لا تفضي بالضرورة إلى سلامة الوسيلة والطريقة المسلوكة نحو الهدف. ولذا فقد انضم لذلك التوجه أناس شوهوا الوسيلة وعبثوا بالطريقة، ما أفضى بهم إلى أن ضلوا الطريق فتغير الهدف. ليس من الإنصاف القول بأن كل أتباع هذا التوجه هم من المنتفعين والمرتزقة، ففيهم من هو مخلص…

الوزير الأبيض

الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠١٣

1 في العالم العربي... يوجد مواطنون ويوجد وزراء! إذ تعرّف النظرية البريستيجية العربية الوزير في أبسط صوره بأنه: مواطن سابق. ولذا فالوزير يحرص على تكريس هذه الصورة النمطية من خلال تأبطه لقب (معالي) في كل الظروف والأحوال، ليس من أجل ألا ينسى الناس أنه وزير، بل من أجل ألا ينسى هو في لحظة تجلٍّ إنسانية أنه وزير. هذه النظرة السوداوية للوزراء، لا تنفي حالات استثنائية بيضاء تكاد تعصف بالسوداوية لو تكاثرت ونمت ووعت دورها ووضعها. محمد بن أحمد الرشيد، أحد هذه الحالات البيضاء للوزير الذي يجرؤ على التخلي عن ألقابه، لسبب بسيط هو أن لديه من الإمكانات والقدرات ما يجعله يعلو فوق الألقاب. عرفت د. محمد بن أحمد الرشيد، وزير التربية والتعليم السابق، طوال عشر سنوات عملية لم تكن تقلقني فيها لعبة الألقاب. لم نكن نعرف أن الوزراء يمكن أن يُنادَوا بكناهم، إلا عندما أصبحتْ كنية (أبو أحمد) الكنية الأكثر انتشاراً في المجتمع، حتى إنني كنت أتندّر مع أحد الأصدقاء في وزارة أخرى بسؤاله: وش أخبار (أبو أحمدكم) ... أي وزيركم؟! كان أبو أحمد إنسانياً بدرجة مفعمة بالعاطفة والأريحية والتباسط... شغوفاً باللحظة الإنسانوية التي يمارس فيها حياته بتلقائية وعفوية. لم تكن له ضحكتان، كما يفعل الكبراء، واحدة في الخفاء واضحة وأخرى أمام الناس منزوية. كما لم يكن له غضبان، وحزنان،…

الثقافة المدرّة للأرباح

الأربعاء ٢٠ نوفمبر ٢٠١٣

أزدادُ سعادة وتفاؤلاً كلما دُعيت إلى ملتقى عالمي يُعنى بالثقافة، وسط هذا العالم الذي لم يعد يعتني بشيء أكثر من عنايته بالمال... والمزيد من المال! لكني لا أستطيع أن أخفي قلقي من لافتة: (صناعة الثقافة)، إذ لا يطمئن قلبي إلى براءة الثقافة المقرونة بـ «الصناعة» أو «التجارة». أدرك بأن ما أطلبه أقرب ما يكون إلى الجنوح الطوباوي العسير في هذا (العصر) المادي. «تتجير» العالم و «تسعير» الكون، هو ما نخشاه من خلال العولمة السلبية المستهلِكة لا العولمة الإيجابية المانحة والمضيفة لصورة الكون ألواناً أُخرى تضاف إلى الألوان الأساسية لثقافات الكون وحضاراته. لم تعد نزعة بيع الكون وشرائه تقتصر على ما نأكل ونلبس ونركب فقط، بل حتى على ما نعتقد ونتذوق ونفكر ونتأمل. حتى الدعاة والوعاظ الدينيون الذين كانت لهم قيمة من قبل، أصبح الآن لهم ثمن! عاشت كتلة من شعوب العالم فترة من الزمن مضت تحت هيمنة نظام يسعى إلى تثقيف السلعة، أي حشوها مهما كانت بريئة وبسيطة وتلقائية بمفاهيم وشعارات تخدم (نظاماً) لا يترك شيئاً إلا أدلجه. وانقضى زمن تثقيف السلعة، وجاء الآن زمنٌ آخر بمفاهيم وشعارات تخدم (نظاماً) آخر لا يترك شيئاً إلا استربح منه. فهو لا يريد فقط أن يُحرّر السلعة من الأدلجة ويجعلها سلعة فقط، بل زاد في نزعته السلعوية إلى درجة أنه يريد أن يجعل…

«ملعب» المنظمات الدولية

الأربعاء ١٣ نوفمبر ٢٠١٣

في يوم الجمعة ٨ تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري أصدرت منظمة اليونسكو قرارها بحرمان الولايات المتحدة الأميركية من (حق التصويت) بعد أن امتنعت الدولة العضو عن دفع مساهمتها احتجاجاً على انضمام فلسطين الى المنظمة. وفي يوم الإثنين ١١ تشرين الثاني ألقى وزير خارجية (دولة) فلسطين، ولأول مرة، خطاب الدولة الكاملة العضوية من على منبر اليونسكو .. الذي تُلي عليه نفسه قبل ٣ أيام قرار الحرمان الأميركي. يحتاج هذان المشهدان الملفتان، في تحجيم أميركا وتفخيم فلسطين، إلى تأمل وتحليل وإعادة نظر في ما يجري في العالم من حولنا! لم يكن مشهداً عاديّاً ورتيباً ذلك الذي وقع غداة الإعلان عن تقليص النفوذ الأميركي داخل اليونسكو. كان المشهد أكثر تراجيدية على الوفد الأميركي الكبير، الحاضر في القاعة، حين تُلي قرار الحرمان، وقد كانت إلى جوار الولايات المتحدة الأميركية (العظمى) في القائمة دول هامشية صغرى من جزر المحيط التي لا تظهر في خريطة العالم محرومة أيضاً من حق التصويت، مثل: انتيغوا باربودا، ميكرونيزيا، ساوتومي. أما الدولة الخامسة في قائمة المحرومين من التصويت فهي: إسرائيل. وجود إسرائيل إلى جوار الولايات المتحدة في اللائحة السوداء يفتح مجالاً أرحب للتمعن. لكأن الولايات المتحدة التي ربطت نفسها بالمصير الإسرائيلي طوال العقود الماضية، أصبحت الآن مربوطة معها حتى في مواقع التحجيم والتصغير والانهزام. أين بريطانيا، التي صنعت إسرائيل بوعدها الشهير؟…

الموت يستعيد هيبته

الأربعاء ٠٦ نوفمبر ٢٠١٣

كاد الموت أن يفقد هيبته.. فبعد أن كان يمضي علينا في شبابنا، اليوم واليومان والثلاثة، من دون أن نسمع قصة وفاة أو نطالع مشهد موت، أصبحت قصص الموت الآن جزءاً من البرنامج اليومي لكل واحد منا .. منذ أن يستيقظ جسده وينام ضميره صباحاً حتى يصحو ضميره بعدما ينام جسده ليلاً. يموت الناس بالعشرات والمئات في الحروب وحوادث السيارات و(فضّ) المظاهرات، بنيران صديقة أو نيران صدوقة! نردد دوماً أن الحياة أصبحت سريعة، وننسى إكمال قولنا إن الموت أصبح سريعاً أيضاً. لم يعد الموت يهزّنا كما كان يفعل بنا من قبل، فبضغطة من (الريموت كنترول) ننتقل فوراً من أشلاء الموت إلى «أشلاء» الفرح والوناسة. صرنا نخاف من ذهاب الحياة أكثر من خوفنا من مجيء الموت! وكلما أوشكنا أن نصدّق بأن الموت قد فقد هيبته، جاء هذا الفتّاك ليصفعنا بحكاية موت مختلفة ومغايرة يستعيد بها هيبته. الموت المهيب، ليس هو موت المشاهير أو الجبابرة أو موت الآباء أو الأبناء دوماً، بل هو الموت الذي يأتي إلى جوارك فجأة وأنت لم تكن في انتظاره في هذا الموقع أبداً. يأتي ليلتقط منك قريبك أو صديقك الذي كنت تظن واهماً أنه سيكون الاسم قبل الأخير في قائمة الموتى (طبعاً باعتبار أنك أنت الاسم الأخير في القائمة!). هيبة الموت تختلف عن هيبة الإنسان، فالأخير يصنع هيبته…

فجيعتنا في سلطان باهبري ..
هل الموت ينتقي ضحاياه حقاً ليوجعنا ؟!

السبت ٠٢ نوفمبر ٢٠١٣

(١) فجعنا البارحة بوفاة الصديق د. سلطان باهبري إثر سكتة قلبية داهمته في لندن ، يرحمه الله . وقد اكتظ تويتر عبر هاشتاق ( وسم ) #وفاة_الدكتور_سلطان_باهبري ، بالأحزان والذكريات والمواقف والتعازي . و كان لوقع الخبر المفاجئ ، لإنسان اشتهر لدى كل من كان محظوظاً بالتعرف عليه بأنه شعلة دائمة من الحيوية والتفكير والفعالية ، أثراً مضاعفاً في حجم الفجيعة وألم الفراق لإنسان مميز واستثنائي . وضع الصديق الناقد حسين بافقيه تحت وسم العزاء تغريدة موجزة فيها البيت الشعري الشهير : والموت نقّاد على كفه       جواهر يختار منها الجياد هل كان يعني الشاعر العباسي ابن النبيه أو الناقد بافقيه حذافير المعنى الظاهري لهذا البيت بأن الموت فعلاً ينتقي ضحاياه من بين أكوام البشر ، مثلما يردد العوام أيضاً بأن الموت ما يأخذ إلا الطيبين ؟! بالطبع لا أحد يؤمن بهذا ، بل الكل يؤمن بأن الموت هو القدَر الوحيد الذي سيذوقه كل الناس .. " اللي يستاهل واللي ما يستاهل و اللي يسوى واللي ما يسوى " ! لكن هذا الإحساس حيال انتقائية الموت يخالجنا عندما يموت ( المميزون ) لأننا نشعر بموتهم ونفجع بغيابهم الذي يُحدث فراغاً يقلقنا ، ما عدا ذلك فإن آلافاً بل ملايين يموتون كل يوم دون فراغٍ بعدهم . الخلاصة ؛ إذا كنتَ…