زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

العبث بمبدأ «مسك العصا من الوسط»

الأربعاء ٠٧ مايو ٢٠١٤

اشتهرت في الخطاب العربي مقولة: «مسك العصا من الوسط». وكانت في الغالب تقال على سبيل امتداح المهارة الديبلوماسية لشخصٍ ما من خلال موقفه الوسطي بين رأيين متنافرين أو طرفين متخاصمين، لكنها أحياناً تقال لذم الشخص ذاته على موقفه الضعيف من الانحياز مع الحق، أو المتخاذل في انحيازه مع الباطل، أو الانتهازي في موقفه المبني على منفعته لا على أخلاقياته. يكثر امتداح مسك العصا من الوسط في أوقات الهدوء والسلام والخصومات الخفيفة، بينما يكثر ذم ذلك في وقت الأزمات والتوترات، وفي نقاشات الأجواء المشحونة واحتقان العلاقات. في الأجواء الملوثة بالتوتر والدسائس لا أحد يريد منك أن تمسك العصا من الوسط، فكل طرف يريدك أن تمسك العصا من طرفه هو، لتضرب بطرفها الآخر خصيمه. لا أحد يريد منك في المناخ المشحون أن تلعب دور الحكيم أو الوسيط أو المتعالي عن الإسهام بوضع وقود إضافي لنار الخصام المشتعلة ! للإنصاف، فالذين لا يريدون منك مسك العصا من الوسط ليسوا سواسية، بل هم نوعان: نوع يريد منك قول الحق و تخطئة المخطئ أولاً، ثم بعد ذلك السعي للوساطة أو المعالجة من خلال إيقاف المخطئ وردعه عن أخطائه وتجاوزاته، ونوع آخر لا يريد منك قول الحق بحثاً عن الحق والعدل، بل هو يريد جرّك إلى وحل الانتهازية التي تتكاثر وتنمو في ساحات الخصام. هؤلاء نوعٌ…

«مكافئة» الفساد

الأربعاء ٣٠ أبريل ٢٠١٤

أولاً: أرجو من المدقق اللغوي بالصحيفة أن لا يصحح الشكل الإملائي لكلمة «مكافئة»، فقد تعمدت كتابة الهمزة على كرسي بدلاً من ألِف حتى تصبح أكثر شبهاً وخداعاً بصرياً مع كلمة «مكافحة». ثانياً: إذا أردنا أن نكتب عن (الفساد) فأقترح استثناءً عند كتابة الهمزات، المرفوعة والمنصوبة والمجرورة، أن نضعها كلها على (كرسي)، ذلك أن هناك علاقة وطيدة وقديمة بين الكرسي و»همزات» الشياطين! ثالثاً: بعيداً عن جلد الذات، يجب الإدراك بأن ليس هناك بلد في العالم لا يوجد فيه فساد، لكن الفارق بين العالم العربي والعوالم الأخرى أن هذه الأخيرة إذا ثبتت فيها تهمة الفساد على مسؤول فإنه يُنحّى من منصبه، هذا إذا لم يبادر هو بالتنحي خجلاً من فعلته. أما في العالم العربي فإن المسؤول المتورط في الفساد لا يعرف هو أصلاً ثقافة التنحي، كما أن الحكومة لا تستعجل في تنحيته حتى لا تتورط في سلسلة تنحيات قد تطول وتطول! رابعاً: كان خبراً فريداً أن يقدّم رئيس حكومة كوريا الجنوبية استقالته أول من أمس لأن عبّارة بحرية بها ١٨٧ راكباً فقط قد غرقت، بينما تغرق في عالمنا العبّارات وفيها الآلاف وتنهمر العبرات وتُكتب العبارات المؤثرة ولكن لا أحد يتأثر ولا مسؤول يستقيل، لماذا؟! لأن الإنسان عندهم فوق كل اعتبار، ونحن عندنا المسؤول فوق كل اعتبار وعبّارة وعَبرة. خامساً: والآن، قريباً من…

حرب المئة عام بين التيار الديني واللاديني

الأربعاء ٢٣ أبريل ٢٠١٤

ولو أسميتها: حرب الألف عام، لما جانبت الصواب كثيراً. إذ عدا عن الحروب المفتعلة التي استهلكت قوانا ومدخراتنا وعقولنا وعواطفنا طوال العقود الماضية وحتى عقدة اليوم، فإن حرباً داخلية نفتعلها نحن ولا تُفتعل لنا، هي الأشد شراسة والأكثر إيلاماً إذ تقسم المجتمع إلى شطرين متنافرين، لا يريان إمكانية للتلاقي بينهما... لا دنيا ولا آخرة! تلك هي الحروب المتعاقبة عندنا بين التيار الديني والتيار اللاديني، فالأول يريد أن يغمس الدين في غير موضعه غافلاً عن القانون النبوي: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». والثاني يريد أن يحشر الدين في المسجد فقط، وأن يتأكد من إغلاق أبواب المساجد على المصلّين بإحكام! ينبغي تأكيد أن التصنيف الديني واللاديني هنا هو تصنيف ثقافي أكثر مما هو شرعي، إذ لا قبول في هذا النسق لإعطاء صكوك غفران لأتباع التصنيف الأول، أو توزيع صكوك نيران على أتباع الثاني. كما أن وصف الثاني باللاديني لا يعني انفكاكه من العلاقة بالدين إلا إذا ظننا بالمثل أن ذاك الديني لا يغرف من متع الدنيا. هنا تتبدى إشكالية استيراد المصطلحات! ولأننا لم نصل بعد إلى ما وصلت إليه أوروبا العصور الوسطى، وما أعقبها من حروب دينية مكشوفة، فإن حروب التيارين الديني واللاديني عندنا تتمظهر بمسميات انتقائية... ملطّفة دائماً على رغم فاشيّتها غالباً. يغيب عن ذهن كثرٍ من المشاركين، بإخلاص، في تلك الحرب،…

تفكيك وعد بلفور

الأربعاء ١٦ أبريل ٢٠١٤

«بقراءة معمقة لنتائج التصويت، فإن الحدث هو ليس انضمام فلسطين لليونيسكو، بل مستجدات الموقف الغربي من إسرائيل! من الطبيعي أن تصّوت الدول العربية مع القرار، ومن المتوقع أن تفعل ذلك دول أفريقية وآسيوية، وليس عجيباً أن تقف مع القرار دول لاتينية. لكن الجديد والحدث بذاته هو أن تصوّت دول غربية أوروبية كبرى مع القرار، وحتى الامتناع البريطاني سيكون ذا دلالة أكبر بكثير لو رأيناه هكذا: بريطانيا لم تمتنع عن قول نعم لفلسطين، بل هي امتنعت عن قول نعم لإسرائيل! إنها بلا شك سابقة تاريخية في الموقف البريطاني المعهود من إسرائيل. هل هذه مؤشرات ورسائل بأن الغرب بدأ ينفد صبره ويستثقل تصرفات ومشاكسات الولد الشقي المدلل «إسرائيل»؟! بالفعل… لا شيء يخدم قضيتك أفضل من رعونة وحماقة عدوك». أستعيد هذا الاقتباس من مقالتي التي كتبتها هنا في عام ٢٠١١ في أعقاب التصويت على انضمام فلسطين لمنظمة اليونسكو بوصفها دولة كاملة العضوية. استعادتي لها الآن ليس لأنه لم تحدث تحولات منذ عام ٢٠١١ حتى اليوم، ولكن لأن الذي حدث الأسبوع الماضي داخل المنظمة كان تحولاً نوعياً يكاد يتماهى مع ما جرى ذلك العام. عندما أشرت حينذاك إلى الموقف البريطاني في التصويت (الامتناع)، وأعطيته أهمية أكبر حتى من بعض التصويتات الإيجابية، كنت أريد منح اهتمام تحليلي أكبر وأعمق لموقف الدولة «البلفورية»، وهل هي تُبدي…

الرجل المتعافي

الأربعاء ٠٩ أبريل ٢٠١٤

حديثي اليوم لن يسرّ أحباب أردوغان، ولن يُرضي أعداءه! فأنا لن أتجاهل امتداح ما صنعه رئيس الحكومة التركية من إنجازات تنموية قفزت بتركيا، خلال عشر سنوات فقط، من دولة مديونة إلى إحدى دول مجموعة العشرين G 20 على المستوى العالمي، ومن دولة تخشى أوروبا أن تثقل كاهل اتحادها لو انضمت إليه إلى سادس أقوى اقتصاد أوروبي حالياً. يندرج تحت هذا التصاعد في التصنيف ارتفاع مستوى الدخل وزيادة الصادرات التركية، وانخفاض المديونيات ومعدلات التضخم. وسياسياً، فما من منصف ينكر استعادة تركيا لجزء كبير من هيبتها السياسية ووجودها المؤثر في الساحة الدولية. ونحن في الوطن العربي، وخصوصاً المشرق، يجب أن نفرح بتعافي (الرجل المريض) لأنه على الأقل سيضمن لنا توازناً في الأمن الاستراتيجي مع المتعافي الآخر (إيران)! واجه رجب طيب أردوغان، خلال الأشهر الماضية، ضغوطاً من قوى داخلية وخارجية لا يسرّها الخط الإسلامي الذي تنتهجه الحكومة التركية. وحين نقول «الإسلامي» فإننا لا نعني أن دولة تركيا تحولت إلى خلافة راشدة، لكننا نعني بأنها على الأقل لم تعد تحارب مظاهر الإسلام أو تحاول أن تطمس مظاهره ورموزه كما كانت تفعل الحكومات السابقة. وعلى رغم الضغوط الهائلة لإسقاط أردوغان وحكومته إلا أن العالم كله، خلافاً لكل التحليلات الاستباقية والتوقعات، فوجئ بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التي أجريت الأسبوع الماضي في الأقاليم التركية.…

هل مات مانديلا؟!

الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠١٤

سألت سائق التاكسي إن كانت أحوالهم قد تغيرت بعد رحيل مانديلا؟ سألته وأنا أمسك طرفاً من خيط الإجابة، إذ كنت قد طالعت قبل وصولي جوهانسبرغ عدداً من التقارير الإخبارية التي تؤكد بأن جنوب أفريقيا تعيش وضعاً حرجاً، أو على الأقل ليس بذات الاستقرار «المعنوي» الذي كانت عليه خلال العقدين الماضيين. أجابني، من دون وضوح كافٍ، بنعم. عدم وضوحه لم يكن تحفظاً احترازياً كما يفعل بعض سائقي التاكسي في الدول القمعية، إذ يحظى الإنسان في جنوب أفريقيا بهامش حرية فضفاض تكفله الديموقراطية السوداء التي أعقبت الديكتاتورية البيضاء! كان مسوّغ إجابته المقتضبة أن الحكاية طويلة لا ترتبط بحضور أو غياب مانديلا فقط، بل بالصراع المستديم بين البيض والسود... وإن اختفى تحت الرماد (!)، وبالحدة التصارعية على الاقتصاد مع الدول الأفريقية المنافسة، مصحوباً هذا بتأثير الصراعات والحروب الأهلية في الدول المجاورة. لا يمكن لأحد، أبيض أو أسود، أن ينكر تأثير حضور الزعيم نيلسون مانديلا على القارة الأفريقية كلها وليس جنوبها فقط. ربما ساغ النقاش في تأثير غياب مانديلا... لكن تأثير حضوره غير قابل للنقاش! استطاع «العملاق» الأفريقي أن يصنع معجزة ظل الأفارقة قروناً طويلة بانتظارها، وهي التحرر من المستعمر الأجنبي. لكن الوقت لم يسعف الزعيم المسنّ في استكمال مسيرته في تحرير الإنسان من المستعمر الداخلي. ولم تكن هذه مسؤولية المناضل الذي أمضى ثلث…

الرقيع العربي !

الأربعاء ٢٦ مارس ٢٠١٤

(جاء في المعاجم اللغوية: الرقيع هو الأحمق السمج قليل الحياء). هل هناك ما هو أكثر حماقةً وسماجةً وقلّة حياء مما يجري الآن في العالم العربي، باسم الربيع العربي أو باسم مقاومة الربيع العربي؟! وفق أي مستوى أخلاقي ومعيار إنساني يمكن وصف ما يجري في بلدان الربيع / الأشهب؟ فظيعٌ جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري! هل كان يدري البردّوني، حين قال بيته هذا، أنه سينجو بموته من فظائع وجهالات ودرايات ستأتي من بعده لن يطيقها خياله الشعري الرحب؟ فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تشارك بما تدري في ما لا تدري! تشاتم، تقاذف، تطاول، تعالم، تباغض. ومن جازف بالدخول فلا يستبعد أن يخرج من الدين (تكفير)، أو أن يخرج من الدنيا (إعدام). أين شيم العروبة وأخلاقيات الإسلام؟ أين ما درسناه في طفولتنا طوال اثني عشر عاماً عن الصدق والحلم والأمانة والحياء وإغاثة الملهوف؟ أين ذهبت آثار الحِكَم والمقولات الخالدة التي كنا نقرأها كل يوم في ورقة التقويم (الروزنامة)؟ كنا نظن أننا نمزق ورقة التقويم فقط! علمونا صغاراً أن «اتق شر الحليم إذا غضب»، لكنهم لم يعلمونا كيف نتقي شر الأحمق إذا غضب! الأرض مليئة بالجثث المتحللة .. والسماء مليئة بالأخلاق المتحللة، ومكتظة بالمحللين الذين يفسرون الوقائع وفق ما يشتهون لا ما يشاهدون. ورغم هذه البشاعات المتكالبة، من هنا…

العودة إلى الرواية… (تحليل اتجاهات المجتمع من خلال معارض الكتاب)

الأربعاء ١٩ مارس ٢٠١٤

«إِنْ ذبلتْ أزهار الربيع العربي وتحول إلى خريف وعادت الحرية إلى انكماشها، ثم أصبح الواقع العربي متصحراً وخالياً من ألوان الحدث اليومي كما كان، فسيعاود الإنسان / القارئ العربي البحث عن فانتازيا الحركة والأكشن والتعبير والتغيير، أي أنه سيبحث من جديد عن (الرواية) الافتراضية التي تخلى عنها هذا العام». بهذا المقطع ختمت مقالتي التي كتبتها قبل عامين عن حالة معرض الكتاب الدولي بالرياض حينذاك، وقد جعلت عنوانها: هل انتهى زمن الرواية؟ («الحياة» ٢١ آذار / مارس ٢٠١٢). قمت من خلال تلك المقالة بتحليل اتجاهات الرأي في المجتمع السعودي وتحولاته من خلال اتجاهات القوة الشرائية والمقروئية لزوار معرض الكتاب من عام إلى آخر. ويمكن تعميم المنهجية نفسها على مدن عربية وأجنبية أخرى من خلال مبيعات معارض الكتاب فيها، أي تحليل وتشخيص حالة المجتمعات والتحولات الثقافية فيها من خلال الكتب الأكثر مبيعاً في معارض الكتب السنوية بها، مدعوماً هذا بأحاديث الأصدقاء وتوصيات المنتديات ووسائط التواصل الاجتماعي، محددةً التوجه الفني والموضوعي الذي تنحاز إليه توصيات الشراء في كل دورة سنوية. «في السنوات الأولى من دورات المعرض لم تكن قد تحددت لدى الرواد صفة طاغية لنوعية التوصيات على الكتب، خصوصاً في الجانب الفني، كانت التوصيات خليطاً من الكتب الفكرية «البحثية» والشعرية والقصصية. ثم في السنوات الخمس الأخيرة الماضية استطاعت (الرواية) أن تسيطر بلا منازع…

موت المثقفين الجماعي قصة (طويلة)

الأربعاء ١٢ مارس ٢٠١٤

استيقظ الناس صباح أحد الأيام فقيل لهم بأن المثقفين كافة قد أصيبوا اليوم بوباء صارم قضى عليهم جميعاً. كيف سيكون رد فعل الناس وما الأسئلة التي ستخطر في بالهم فوراً؟! بدأت الأسئلة فعلاً تحوم فوق رؤوس الناس، بطريقة كارتونية: هل سيكون العالم حقاً أكثر وحشية وعنفاً وقبحاً، كما صبّ المثقفون في أذهاننا عن دورهم في صنع السلام والحب في حياتنا؟! أم سيكون العالم أكثر عفوية وتلقائية ووضوحاً وصدقاً، بسبب غياب فذلكات وغمغمات المثقفين؟! وسط هذه الأسئلة النتائجية قذف أحدهم بسؤال تأصيلي في الوجود الثقافي: هل سنشعر أصلاً بغياب أثر المثقفين لو لم يصلنا خبر موتهم الجماعي المفاجئ؟ قال آخر، أقل حكمة وعمقاً من الأول: على فرضية أننا شعرنا فعلاً بغياب دورهم وأثرهم، من الذي سيمسك بمنابر المثقفين الخالية في الإعلام والمؤسسات الاجتماعية والنوادي الأدبية، السياسيون أم الوعّاظ أم رجال الأعمال؟! الحقيقة أن سؤالاً جدلياً كان كثير التداول، قبل خبر الوفاة الجماعية، ركيزته: إن كانت هذه الفئات الثلاث هي التي تحرك بأصابعها، الخفية أو المعلنة، المثقفين وتحدد توجهاتهم ومواقفهم، أم بالعكس إن المثقفين بأطروحاتهم وتحالفاتهم الخفية أو المعلنة هم الذين كانوا يوجهون السياسيين والدعاة والتجار لخدمة المجتمع أو امتصاصه؟ الآن، بعد «انقراض» المثقفين ستصبح الإجابة على هذا التساؤل المزمن أسهل وأيسر. هذا تأمُّلٌ في الأسئلة الجماعية بعد انتشار خبر موت المثقفين،…

الدين لا يُنصر بالأكاذيب… والوطن لا يُحمى بالشتائم

الأربعاء ٠٥ مارس ٢٠١٤

تزداد قناعتي، يوماً بعد آخر... بل مشاهدةً «تويترية» بعد أخرى، بأن الأكاذيب والشتائم لا يمكن أن تكون يوماً سلاحاً لمعركة نبيلة في سبيل نصرة الدين أو حماية الوطن. ولذا لم يكن عشوائياً أن جعلت العنوان أعلاه هو خاتمة مقالتي: «عندما تتحول النخبة إلى غوغاء»، («الحياة»، 13/2/2014). كما لم يكن مفاجئاً أن تحظى هذه العبارة باهتمام أكبر من المقال نفسه بكل ما فيه من تفاصيل طويلة واستطرادات كان سيغني عنها، كما اقترح بعض القراء والأصدقاء، هذه العبارة الموجزة فقط. لم أشر في مقالي ذلك إلى شخص بعينه من الكذّابين أو إلى تيار بعينه من الشتّامين، لأني لا أريد أن يتحول مقالي، الذي يريد أن ينبذ التشاتم، إلى شتيمة بذاته. فهم لحسن الحظ يعرفون أنفسهم، ما يجعل لديهم فرصة لمعالجة حالهم، والناس أيضاً لحسن الحظ تعرفهم، ما يجعل لديهم فرصة لتجنّب أذاهم. ذكرت في مقالتي تلك نماذج من مفردات أولئك الشتّامين وعباراتهم وأساليبهم البذيئة التي يستخدمونها في حواراتهم مع من يختلف معهم في الرأي (أستثقل أن أعيدها على مسامعكم مرة أخرى)، وقد أشرت بألم إلى نوعية هؤلاء الذين يوصف معظمهم بأنه من «النخبة»، إذ «بالذهاب إلى معرّفات «قادة» هذا الحوار «التويتري» الوضيع سنفاجأ بأن أصحابه: أكاديميون - معلمون - باحثون في الدراسات الاستراتيجية - رؤساء تحرير سابقون - محامون وحقوقيون - وبرلمانيون…

آفة التصنيفات الإقصائية

الأربعاء ٢٦ فبراير ٢٠١٤

التصنيف، الذي يُستخدم للتعريض لا للتعريف، هو آفة تنهش وحدة المجتمع، وأحياناًَ تتفاقم بالوصول إلى مفاصل الأسرة. وهي، فوق هذا، تُعطّل قدرة المجتمع على مراجعة أوضاعه ومناقشة أفكاره في سبيل الإصلاح المنشود دوماًَ والتطوير المستدام، أو الذي هكذا يجب أن يكون. تختلف الأدوات المستخدمة للتصنيف، من مثل: الحزبية - الفئوية - الشّلليّة، أو أيّ شكل من ملصقات التصنيف للإقصاء. كما تختلف الأهداف من ابتزاز سياسي إلى منفعة ذاتية أو تشويه شخصي بدافع الحسد أو تصفية حسابات أيديولوجية. وفي سبيل معالجة هذه الآفة الاجتماعية / الثقافية ينبغي أن نسلك مسارين اثنين، الأول: مكافحة الحزبية، والثاني: مكافحة تهمة الحزبية. وهما مساران متداخلان في كثير من الأعراض، فالأول هو لمكافحة الحزبية الحقيقية، والآخر لمكافحة الحزبية الوهمية. ولطالما تداخلت، في ثقافتنا الاجتماعية، الحقائق بالأوهام! المنهجية العادلة والنزيهة والصادقة لمكافحة الحزبية / الإقصائية والتجزيئية للمجتمع هي ما ينقص ثقافتنا. والذين يريدون التطوع في هذا العمل «الإغاثي» لإنقاذ وحدة المجتمع وسلامة صدور أفراده، يجب أن يتحلّوا بشروط مؤهلة لهذه المهمة الوطنية الشريفة، من أهمها: العدالة والنزاهة والشجاعة واتساع الأفق والوعي بالأولويات، والبعد عن روح التشفي والاستعداء والبذاءة في محاورة الآخر .. هذا في سبيل مكافحة الحزبية الحقيقية، ومعالجة من أصيبوا بدائها. أما مكافحة تهمة الحزبية، أي الحزبية الوهمية، فإني سأحض «المتهم»، كما فعلتُ من قبل، أن…

عن أي «حزبية» نتحدث؟

الأربعاء ١٩ فبراير ٢٠١٤

لو نقلنا نقاشاتنا التحذيرية «الوطنية» عن الحزبية إلى صحيفة غربية أميركية أو أوروبية أو إلى منتدى آسيوي ياباني أو هندي لفُهم بأنه نقاش ضد الديموقراطية والتعددية، فيما نحن نسعى به إلى تأكيد التعددية! لماذا هذا الإلتباس؟ لأن السياق الثقافي لدلالات مفردة «الحزبية» يختلف عندنا عنه عندهم. فالحزبية في الأنظمة الديموقراطية هي وسيلة للتعايش وللتعبير عن أطياف المجتمع وتوجهاته بما تكفله المسؤولية الإجتماعية التي أسست في عصر النهضة الأوروبية أنظمة تداول السلطة وإدارة البلاد وفق مفردات تُفهم وتُستوعب في سياقها الثقافي الذي نشأت وترعرعت فيه، وهنا سندلف من باب سوسيولوجيا الثقافة كأداة لتأويل «الحزبية» وفق سياقاتها الثقافية ومواطنها الإجتماعية المثارة فيه. في الثقافة العربية تحمل كلمات حزب وأحزاب في الغالب دلالات سلبية لم تخلُ بالطبع من تأثر بالنصوص القرآنية الكريمة التي لم تذكر الحزب إيجاباً إلا في مواضع محدودة، أبرزها قوله تعالى: «أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون»، بينما أتت آيات أخرى في سياق سلبي وانتقاصي للحزب والأحزاب. وقد فطن شيخ الإسلام ابن تيمية إلى ما غفل عنه بعض شيوخ الإسلام المعاصرين، حيث قال في الموقف من الأحزاب، بإيجاز: «فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك أو…