علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

ابتسامة ضابط جوازات

آراء

هذه الحكاية أنقلها عن الصديق الأستاذ بلال البدور، سفير الدولة السابق في المملكة الأردنية الهاشمية، وأعتذر لبعض أطرافها لأنني لم أستأذنهم في نشرها، وقد جرت أحداثها أثناء تلقي سفارة الدولة في عمّان العزاء في شهداء الوطن والواجب باليمن، حيث وصلت السفارة باقة ورود بيضاء، ومعها بطاقة من سيدة أردنية تقدم من خلالها العزاء لقيادة دولة الإمارات وشعبها وذوي الشهداء، وقد ختمت كلماتها بالعبارة التالية: «لئن ذهب أولئك الشهداء للقاء ربهم، فإنني لن أنسى ابتسامة ذلك الضابط الإماراتي الشاب، الذي ختم لي جواز سفري وأنا أغادر دبي».

يقول الأستاذ بلال البدور إنه بحث عن اسم السيدة فلم يجده مكتوباً على البطاقة، وفي اليوم التالي طلب من أحد موظفي السفارة الاتصال بمحل الورود الذي وصلت منه الباقة، حيث تم التوصل إلى اسم السيدة التي أرسلتها ورقم هاتفها، فقام بالاتصال بها، كي يشكرها على هذه اللفتة الكريمة، وقد تبين له خلال الاتصال أنها كانت في زيارة لدبي قبل فترة، وقد أثّرت فيها الطريقة الحضارية التي تعامل بها ذلك الضابط الشاب وهي تغادر دبي، والابتسامة التي لم تفارق وجهه وهو يختم جواز سفرها.

ويكمل الأستاذ بلال البدور فيقول إنه قد قام بإرسال صورة تلك البطاقة إلى اللواء محمد المري، مدير الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في دبي، الذي استفسر بدوره عن اسم السيدة، والفترة التي زارت فيها دبي.

كان يمكن لهذه الحكاية أن تنتهي عند هذا الحد، لكن ما حدث بعد ذلك جدير بأن يحكى، فقد وصلت الأستاذ بلال البدور بعد يومين تقريباً من إرساله صورة البطاقة للواء محمد المري، صورة لمدير الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب وهو يكرم ضابط الجوازات الذي ختم جواز تلك السيدة، والذي تركت ابتسامته وهو يقوم بأداء عمله أثراً طيباً في نفسها، فبادرت بإرسال باقة الورود تلك إلى سفارة دولة الإمارات في عمّان، كي تعبر عن مشاعرها، مدفوعة بابتسامة ضابط الجوازات، الذي لم يعرف الأثر الذي تركته تلك الابتسامة في نفس تلك السيدة، ودون أن يخطر بباله أن هذا الأثر سيصل إلى مدير الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في دبي، وأن المدير سيقوم بتكريمه لأنه أدى واجبه على أفضل وجه، وعكس صورة حضارية عن البلد وقادته ومسؤوليه وأبنائه.

الجميل في الحكاية أن السيدة الأردنية تصرفت بعفوية، مدفوعة بالأثر الذي تركته ابتسامة ضابط جوازات مطار دبي في نفسها، والأجمل أن سفير الدولة في عمّان قد بادر إلى الاتصال بتلك السيدة كي يشكرها فعرف منها التفاصيل، والذي يزيدها جمالاً أن مدير الإدارة العامة للإقامة وشؤون الجانب في دبي قد بحث عن ضابط الجوازات الذي ختم جواز سفر تلك السيدة وقام بتكريمه، وأن الضابط لم يسع إلى هذا التكريم، وإنما تصرف وفقاً لم أملاه عليه واجبه، وتنفيذاً لسياسة إدارته وحكومتها التي تريد أن ترسخ صورة هذا البلد لدى الآخرين، بلداً كريماً مضيافاً مرحباً بزواره عند قدومهم إليه ولدى مغادرتهم له، لأن المطارات هي واجهة البلدان، وهي التي تترك الانطباع الأول والأخير لدى الزائر، وكلما كان سلوك العاملين في المطارات حضارياً وراقياً، مثلما فعل ذلك الضابط الإماراتي، زادت صورة البلد وأهله إشراقاً لدى الآخرين، وكلما كان تصرف مسؤوليه مهنياً وراقياً، مثلما فعل اللواء محمد المري، مدير الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب في دبي، عندما كرم ذلك الضابط، ازداد حرص الموظفين على إجادة عملهم، وكان هذا حافزاً لهم ولزملائهم على بذل المزيد.

هذه الحكاية ذكرتني بموقف حدث لي في مطار إحدى العواصم الأوروبية العريقة قبل عام ونصف تقريباً، عندما توجهت قبل مغادرة تلك العاصمة إلى الشباك الخاص باستعادة ضريبة القيمة المضافة، عن البضائع التي اشتريتها خلال جولتي الأوروبية، بعد أن أنهيت إجراءات السفر، وسلمت حقائبي لشركة الطيران التي سأغادر على متن طائرتها، وكان يجب أن أقوم بإجراء استعادة قيمة الضريبة قبل إنهاء إجراءات السفر وتسليم الحقائب، حيث يطلب موظف الجمارك أحياناً مشاهدة البضائع، وكثيراً ما يغض بعضهم النظر عن مشاهدتها، لكنني لم أفعل هذا، فطلبت موظفة جمارك المطار في ذلك اليوم مشاهدة البضائع بعد أن استلمت مني أوراقها، وما أن أخبرتها بأنني قد شحنت حقائبي حتى رمت الأوراق أمامي بعصبية شديدة، ورفعت صوتها مؤكدة أنها لن تقوم بختم الأوراق حتى ترى البضائع، فما كان مني إلا أن أخذت أوراقي وانسحبت بهدوء، متجنباً الدخول في نقاش أعلم أنه لن يكون في صالحي، بينما ظلت هي ترغي وتزبد بعد أن أدارت لي ظهرها.

هذا الموقف ترك لدي انطباعاً سيئاً، ليس عن مطار تلك العاصمة فقط، وإنما عن البلد كله وموظفيه وشعبه، رغم أن التعميم هنا غير مطلوب، لكن تصرف موظفة الجمارك جعلني أشعر بعدم الارتياح كلما مررت بذلك المطار، فقد كان بإمكان تلك الموظفة أن تقول ما تريد بهدوء وأسلوب لطيف، بدلاً من أن تفقد أعصابها، وبهذا تكون قد رفضت إجراء المعاملة، وعكست في الوقت نفسه صورة حضارية عن بلدها، عوضاً عن الصورة التي تكونت لدي، رغم أنني أحب ذلك البلد وطبيعته، ومعالمه التاريخية الجميلة.

ابتسامة ضابط جوازات أو جمارك في وجه مسافر رسالة يجب ألا نستهين بها، لأنها تترك انطباعاً جيداً عن بلد وشعب بكامله.

المصدر: البيان