علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

صراحة الأمير ووقاحة العميل

آراء

واضح أن أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، قد فقد أعصابه، ولم يعد يميز بين الحقيقة التي يراها الجميع والخيال الذي يعيشه، متوهماً أن العالم كله يشاركه العيش فيه، خاصة بعد الحديث التلفزيوني الذي أدلى به الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، وتحدث فيه بصراحة عن العلاقة مع إيران، واستحالة التفاهم مع نظام لديه قناعة راسخة بأنه نظام قائم على أيديولوجية متطرفة، منصوص عليها في دستوره.

وفي وصية مؤسسه الخميني، بأنهم يجب أن يسيطروا على مسلمي العالم الإسلامي، ونشر المذهب الجعفري الإثني عشري في جميع أنحاء العالم الإسلامي، حتى يظهر المهدي الذي ينتظرونه، وقال إن الوصول لقبلة المسلمين هدف رئيسي لإيران، مؤكداً أننا «لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران، وليس في السعودية».

هذه التصريحات جعلت العميل الإيراني حسن نصرالله، الذي لم يطلب منه أحد أن يرد عليها، يتصدى للرد في مناسبة لا علاقة لها بالحديث إطلاقاً، هي الاحتفال يوم الخميس الماضي بالذكرى السنوية الأولى لهلاك قيادي «حزب الله» مصطفى بدرالدين في سوريا، قائلاً إن الأمير «يقول إن مشكلته ليست سياسية، وإنما هو يخوض حرباً دينية عقائدية، والحقيقة ليست كذلك على الإطلاق»!

ونحن بدورنا نسأل أمين عام «حزب الله» اللبناني: ما هي الحقيقة إذاً؟ ولماذا تدعمك إيران، وتمدك بالمال والسلاح، وتدفع رواتب ميليشياتك وموظفيك وأتباعك؟ لتحقيق مشروعها السياسي أم الديني الطائفي؟ ولماذا يقيم قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بين العراق وسوريا، ويشرف على العمليات القتالية التي يشارك فيها جنوده إلى جانب الميليشيات التي تعرفها جيداً؟

لتحقيق مشروعها السياسي أم الديني الطائفي؟ ولماذا تدعم إيران حركة «أنصار الله» الحوثية في اليمن، وتمدها بالمال والسلاح؟ لتحقيق مشروعها السياسي أم الديني الطائفي؟ ولماذا أرغى وأزبد المرشد الأعلى في إيران، بعد قرار مملكة البحرين إسقاط الجنسية عن رجل الدين الشيعي البحريني عيسى قاسم، المتهم باستغلال المنبر الديني وإقحامه في الشأن السياسي لخدمة مصالح أجنبية، والتشجيع على الطائفية والعنف، ولماذا هدد قاسم سليماني بـانتفاضة دموية ضد القيادة البحرينية؟ لتحقيق مشروع إيران السياسي أم الديني الطائفي؟

هل هذه هي الحقيقة، أم أن هناك حقيقة أخرى لا يعرفها أحد سوى حسن نصرالله؟ ألم يكن أجدر بنصرالله، الذي خدعنا طويلاً، وأوهمنا أنه مناضل وطني، أن يكون أكثر واقعية وصراحة، فيعترف بالحقيقة، ويفعل مثلما فعل زعيم ميليشيا «عصائب أهل الحق» في العراق قيس الخزعلي، الذي صرّح بأنهم ماضون في مشروعهم لإقامة ما أطلق عليه «البدر الشيعي» وليس «الهلال الشيعي» في المنطقة؟

لقد كان الخزعلي أكثر جرأة وصراحة من نصرالله عندما قال في كلمة مصورة بالفيديو، إنه بظهور صاحب الزمان، وهو الإمام الثاني عشر الغائب عند الشيعة الجعفرية الإثني عشرية، فإن قواتهم ستكون قد اكتملت، مشيراً بذلك إلى «الحرس الثوري» في إيران، و«حزب الله» في لبنان، و«أنصار الله» في اليمن، و«عصائب أهل الحق» وإخوانهم في سوريا والعراق، وفق تعبيره.

هذا هو ما قاله الخزعلي، زعيم ميليشيا «عصائب أهل الحق» التي تعد أبرز المجموعات المنضوية تحت «الحشد الشعبي» العراقي الطائفي، وهو المعروف بقربه من إيران، وسبق أن صدرت عنه تصريحات أثارت جدلاً في العراق، منها أن معركة تحرير الموصل من تنظيم داعش «ستكون انتقاماً وثأراً من قتلة الحسين، لأن هؤلاء الأحفاد من أولئك الأجداد» على حد تعبير الخزعلي، الذي بايع وميليشياته المرشد الأعلى الإيراني.

هذه الروح العدائية وهذا النفس الطائفي البغيض اللذان نلمسهما في تصريحات زعيم ميليشيا «عصائب أهل الحق» العراقية، موجودان عند أمين عام «حزب الله» اللبناني، وربما أضعاف ما هما موجودان عند الخزعلي، لكن الفرق بين نصرالله والخزعلي أن الثاني عبر عما بداخله دون مواربة، ولم يخف الروح العدائية التي يحملها، ولا النفس الطائفي.

بينما راوغ الثاني كعادته، ونفى البعد الديني العقائدي عن الحرب التي يخوضها، وهو منغمس في هذا البعد من قمة رأسه حتى أخمص قدميه، وإلا لماذا اختار حسن نصرالله أن يقف إلى جانب بشار الأسد العلوي؟ ولماذا يدافع عن المارقين من شيعة البحرين واليمن؟ أليس في هذا تفسير لما صرح به مسؤولون إيرانيون مراراً، عن الإمبراطورية الطائفية التي يعملون على إقامتها، ويحلمون أن تكون مكة عاصمتها؟

ركوب مطية السياسة لتحقيق أهداف دينية، لا يختلف إطلاقاً عن ركوب مطية الدين لتحقيق أهداف سياسية، فكلاهما استغلال سيئ لا يليق بالأخلاق والقيم التي يدعو إليها الدين ويعمل على تحقيقها، لأن الأديان السماوية من لدن خالق عظيم قوي وعادل، بينما السياسة من وضع البشر الذين كثيراً ما يتسلل الضعف إلى نفوسهم، فيسلكون وسائل غير مشروعة لتحقيق غاياتهم.

وهذا هو منطق المنافقين والانتهازيين، أمثال حسن نصرالله ورفاقه الذين لا يتورعون عن ممارسة مثل هذه الألعاب القذرة لتحقيق غاياتهم، وهي غايات لا تخفى على أحد، مهما حاولوا أن يخفوها، تماماً مثلما تعامل نصرالله مع تصريحات ولي ولي العهد السعودي، الذي كان صريحاً، ينفذ إلى الهدف مباشرة، دون لف أو دوران ومواربة، لا كما يفعل حسن نصرالله، الذي يخفي وجهه الحقيقي، ويظهر وجهاً زائفاً، قد يخدع به أتباعه وأنصاره، لكنه لا يستطيع أن يخدع به العالم كله.

المصدر: البيان