علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

كوكب دبي

آراء

كنت أتنقل، عشية الأربعاء الماضي، بين القنوات الفضائية، باحثاً عن برنامج حواري بات أكثر تسلية من المسلسلات الكوميدية، عندما سمعت مذيعة إحدى القنوات العربية، تقرأ خبر إعلان هيئة الطرق والمواصلات بدبي تجربة أول مركبة ذاتية القيادة في منطقة بوليفارد محمد بن راشد، نقلاً عن صحيفة «البيان»، قائلة إن هذا يحدث في «كوكب دبي»، في إشارة كما يبدو منها إلى بعد المسافة في التفكير، وعمق المشاكل التي يعاني منها ذلك البلد العربي الشقيق الذي تبث منه القناة، ومنها أزمة المواصلات الخانقة والمستمرة، والتي لم تُجْدِ معها كل الحلول على تعاقب الحكومات.

بقدر ما أسعدني تعبير «كوكب دبي» الذي استخدمته المذيعة، شعرت بالأسى للهوة السحيقة التي أصبحت تفصل بين دول عربية حديثة الاستقلال والثروة، ودول عربية ذات تاريخ عريق، وحضارات خالدة، وكثافة سكانية تتيح لها أن تكون من أفضل الدول وأكثرها تقدماً.

فمخطئ من يعتقد أن ما يحدث في عالمنا العربي من تراجع، مقابل ما يحدث في دولتنا من تقدم يسعدنا، لأن شعب دولة الإمارات تشرّب حب وطنه في إطار حب الأوطان العربية كلها، وكلنا نتذكر النشيد الذي كان الطلبة يرددونه في المدارس، حتى قبل قيام دولتنا، وهو نشيد «بلاد العرب أوطاني» الذي ألفه الشاعر والمناضل السوري فخري البارودي، ولحنه الأخوان فليفل، ليصبح واحداً من أشهر الأناشيد التي كان يرددها العرب جميعاً إبّان صعود نجم القومية العربية في النصف الثاني من القرن الماضي، عندما كانت الشعوب العربية تناضل للتخلص من الاستعمار الأجنبي، حيث كانت الآمال كبيرة، قبل أن تتحطم على صخور النكبات والنكسات والانكسارات العربية المتوالية.

هذا الشعور بأهمية الوحدة العربية، واعتبارها القاطرة التي ستقود الأمة العربية إلى استعادة مجدها، واحتلال مكانتها بين الأمم والشعوب، هو الذي دفع حكام وشعب الإمارات منذ منتصف ستينيات القرن الماضي إلى البحث عما يجمعهم في كيان واحد، فكان تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في أوائل السبعينيات هو ما تمخضت عنه تلك الجهود، لا لتجمع سبع إمارات صغيرة متفرقة في دولة واحدة فقط، وإنما لتقدم النموذج الأمثل لما يمكن أن يثمر عنه الفكر الموحَّد، والعمل المشترك، والنيات الصادقة قبل هذا وبعده.

ولذلك أيضاً عمل مؤسسو دولة الإمارات الأوائل ومن جاء بعدهم من جيل الأبناء والأحفاد ليرسخوا هذه الفكرة، ويؤكدوا أن العمل وحده هو الطريق إلى النهضة، وأن الاتفاق لا الشقاق هو البيئة التي تضمن للعمل النجاح والاستمرار والتقدم.

لا شك أن الرفاهية هي ما تطمح إليه الشعوب كافة، وقد أدرك قادة دولة الإمارات ذلك جيداً، ووضعوه نصب أعينهم، فعملوا على تحقيق الرفاهية لشعب دولة الإمارات والمقيمين على أرضها، ولم يقصروا عملهم على توفير الرفاهية المادية فقط، وإنما عملوا على توفير الرفاهية العقلية والفنية والترفيهية، إذا جاز لنا أن نعتبر هذه الحاجات رفاهية، في زمن أصبحت فيه حاجات المواطن الأساسية شحيحة في أغلب بلدان وطننا العربي المشتعل حروباً وصراعات بين أبنائه وفصائله وطوائفه.

لذلك لم يكن صدفة أن يتزامن إطلاق هيئة الطرق والمواصلات بدبي لتجربة أول مركبة ذاتية القيادة مع افتتاح «دار دبي للأوبرا» بجوار برج خليفة، لتشكل وجهة استثنائية وأول مسرح متخصص ومتعدد الأغراض للفنون الأدائية وسط مدينة دبي، كما جاء هذا الإطلاق متزامناً مع افتتاح أكبر وجهة ترفيهية داخلية في العالم، تقدم لزوارها مجموعة هائلة من خيارات الترفيه تحت سقف واحد على مدار العام، تحت عنوان «آي إم جي.. عالم من المغامرات».

هذا الاهتمام بحياة الإنسان واحتياجاته، والعمل على توفيرها، هو أساس نجاح دولة الإمارات وقادتها وشعبها في الاختلاف والتميز، وهو ما دفع مذيعة تلك القناة الفضائية العربية إلى إطلاق وصف «كوكب دبي» على مدينتنا التي تبهر العالم كل يوم بجديدها. وهذا وصف لا شك يسعدنا، قدر ما يبعث في نفوسنا الأمل بأن تستعيد المدن، التي كانت ذات يوم حواضر الأمة العربية ومصدر إشعاعها الفكري والحضاري والعمراني، مجدها كي تكتمل منظومة حياتنا.

وهو ما يدفعنا أيضاً إلى التفكير في سر هذا الاختلاف والتميز، فما يحدث على أرض دولة الإمارات هو نتاج سياسة قادة يؤمنون بإتاحة الفرص لأصحاب المواهب والمبدعين من أبناء الدولة، ويشركون الشباب في التخطيط للمستقبل، بدليل أن الحكومة خصصت وزيرة دولة لشؤون الشباب، واختارت لها شابة تبلغ من العمر 22 عاماً، وأنشأت مجلساً للشباب يختص بوضع استراتيجية لهم بما يتوافق مع التوجهات المستقبلية للدولة، وتحديد التحديات التي تواجه الشباب، واقتراح الحلول والبرامج المناسبة بشأنها.

كما اهتمت الحكومة بالعلوم، وأنشأت مجلساً للعلماء بهدف خلق بيئة محفزة على الابتكار والبحث العلمي، تساعد على بناء جيل من العلماء المواطنين في مختلف المجالات العلمية. ويعمل المجلس على تقديم المشورة لمجلس الوزراء فيما يتعلق بالتوجهات العلمية المستقبلية للحكومـة، والاستراتيجية الوطنية للعلوم والابتكار، إضافة إلى تشجيع الدراسات والأبحاث التخصصية في المجالات العلمية، وتحفيز التعاون والتنسيق فيما بين المؤسسات العلمية والبحثية. هذا الاهتمام بحاجات الإنسان ورفاهيته ومستقبله هو سر نجاح هذه الدولة.

وإذا كانت دبي كوكباً، كما هي شقيقاتها الإمارات الأخرى التي يكتمل بها عقد دولتنا التي أصبحت حديث العالم، فكلنا أمل أن تنضم إليها كواكب عربية أخرى، تتشكل منها مجرة عربية، نحتمي جميعاً بظلالها ونهتدي بنورها. وعندها فقط ستكتمل فرحتنا.

المصدر: البيان