اتهمت أوكرانيا أمس روسيا بزيادة وجودها العسكري في شبه جزيرة القرم التي باتت تسيطر عليها قوات مسلحة في وقت ضاعف فيه الغربيون التهديدات بفرض عزلة على موسكو في هذه الأزمة التي أشاعت الهلع في أسواق المال. وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس أن التصرفات الروسية في أوكرانيا «تخرق القانون الدولي» وذلك قبل ساعات من عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة جلسة حول أوكرانيا بدعوة من موسكو.
وفي مستهل اجتماع مجلس الأمن، قال المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين إن «ما يحدث مع دول الجوار يثير قلقنا.. هذه الأزمة بسبب متطرفين في كييف وتهدد مستقبل هذه البلاد».
وحيال إحدى أخطر الأزمات بين الغرب وروسيا منذ سقوط جدار برلين عام 1989. دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس إلى ضمان «استقلال ووحدة أراضي أوكرانيا» وطلب من روسيا «الامتناع عن أي عمل قد يؤدي إلى تصعيد جديد»، كما أوفد نائبه يان الياسون إلى أوكرانيا. والتقى بان كي مون بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في جنيف، حيث رفض لافروف الاتهامات الأوكرانية والغربية لبلاده بانتهاك القانون الدولي. وقال لافروف بأن تدخل بلاده يأتي ضمن سعيها لـ«حماية حقوق الإنسان»، مضيفا أن «تهديدات القوميين المتشددين تهدد حياة الروس والسكان الناطقين بالروسية ومصالحهم الإقليمية». وعدت الخارجية الروسية في بيان تهديدات وزير الخارجية الأميركي كيري بعزل روسيا بأنها «غير مقبولة».
وفي مؤشر على عزم بلاده بسط السيطرة الكلية على جزيرة القرم وتأكيد تواجدها العسكري، أطلق رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف مشروعا لبناء جسر يربط بين أراضيه وشبه جزيرة القرم. واتهمت السلطات الأوكرانية روسيا بالاستمرار في نقل عسكريين بأعداد كبيرة إلى شبه جزيرة القرم مع هبوط 10 مروحيات قتالية وثماني طائرات شحن خلال 24 ساعة دون إبلاغ أوكرانيا في انتهاك للاتفاقات الموقعة بين البلدين التي تنص على إبلاغ كييف بمثل هذه التحركات قبل 72 ساعة.
وتمت محاصرة مواقع استراتيجية وقواعد عسكرية ومطارات ومبان رسمية من قبل مسلحين يعتقد أنهم جنود روس. وقطع مسلحون ملثمون صباح الاثنين مدخل المقر العام للبحرية الأوكرانية في سيباستوبول لمنع القيادة الجديدة التي عينتها كييف من الوصول إليه. وزادت روسيا بستة آلاف عدد جنودها في شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا حيث مقر الأسطول الروسي على البحر الأسود بحسب وزارة الدفاع الأوكرانية. وحوصرت أمس كافة القواعد العسكرية الأوكرانية من جنود يعملون لحساب السلطات المحلية الموالية للروس وفقا لوزارة الدفاع الأوكرانية.
وقال جنود أوكرانيون بأن البحرية الروسية أمهلتهم حتى صباح اليوم لإلقاء السلاح تحت طائلة شن هجمات وهذا ما نفته روسيا. ومن جانبها، عدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر بساكي أن أي إنذار توجهه روسيا إلى أوكرانيا في شأن القرم سيعد «تصعيدا خطيرا» للأزمة.
وامتدت تحركات الأطراف الأوكرانية الموالية لروسيا أمس، إذ احتل نحو 300 متظاهر موالين لروسيا مبنى الحكومة الإقليمية في مدينة دونيتسك شرق أوكرانيا والتي تعد معقل الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش.
وفي كييف حذر وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ روسيا من «عواقب وثمن» التدخل في أوكرانيا بعد أن التقى السلطات الجديدة إثر إقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش في 22 فبراير (شباط) الماضي. وقال هيغ «لا يمكن أن تكون هذه طريقة للتصرف في الشؤون الدولية في القرن الحادي والعشرين». وأضاف: «هذه ليست طريقة تصرف مقبولة، وسيكون لها عواقب وثمن» على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي.
وهدد الاتحاد الأوروبي أمس بإعادة النظر في علاقاته مع روسيا في حال لم يتم «نزع فتيل الأزمة» في أوكرانيا في وقت سيجتمع فيه مجلس الأمن الدولي مجددا الاثنين لبحث هذه الأزمة. وقال وزراء الخارجية الأوروبيون في إعلان تلقت وكالة الصحافة الفرنسية نسخة منه في ختام اجتماع طارئ حول الأزمة الأوكرانية في بروكسل «في غياب إجراءات روسية لنزع فتيل الأزمة سيقرر الاتحاد الأوروبي التداعيات المحتملة على العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا».
وأعلن المتحدث باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أنها ستلتقي اليوم في مدريد وزير الخارجية الروسي لتبحث معه الأزمة في أوكرانيا، قبل أن تتوجه إلى كييف.
ويعقد رؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأوروبي قمة طارئة الخميس في بروكسل مخصصة لبحث الأزمة في أوكرانيا، وفق ما أعلن رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فون رومبوي.
وفي محاولة للتهدئة قال المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن «الأوان لم يفت بعد» لإيجاد حل سياسي لأزمة أوكرانيا وأنه ليس هناك «أي خيار عسكري».
وفي واشنطن، دعا نائب الرئيس الأميركي جو بايدن موسكو إلى سحب قواتها من أوكرانيا وإلى «حوار سياسي مع الحكومة الأوكرانية».
وانتقد السيناتور الأميركي جون ماكين افتقار الرئيس باراك أوباما إلى القيادة في مواجهة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقال في واشنطن «إنه تحرك وقح من جانب بوتين وهذا ينبغي أن يكون غير مقبول بالنسبة إلى العالم». وأضاف أن الأزمة الأوكرانية هي «نتيجة سياسة خارجية غير فاعلة بحيث لم يعد أحد يؤمن بقوة أميركا. الرئيس يعد أن الحرب الباردة انتهت، هذا صحيح، لكن بوتين لا يعتقد أنها انتهت».
وبينما يدرس مجلس الشيوخ الأميركي عقوبات ممكنة ضد روسيا، عادت «مجموعة السبع» لتصدر التنسيق الغربي في التعامل مع روسيا. وفي بيان مشترك صادر مساء أول من أمس، أعلن قادة الدول الصناعية تعليق تحضيراتهم لقمة مجموعة الثماني في سوتشي في يونيو (حزيران). وأضاف البيان أن روسيا تواجه «عزلة» إن لم تتراجع. وفي تحرك يبدو أنه رد على الدول الصناعية السبع الكبرى، أكد وزيرا الخارجية الروسي والصيني سيرغي لافروف ووانغ يي في اتصال هاتفي أمس تطابق وجهات نظرهما بشأن الوضع في أوكرانيا. ولكن بكين التي ترفض بشكل عام أي تدخل في شؤون دولة أخرى اكتفت بالقول: إنها «تتمسك بمبادئها» من دون توضح موقفها.
ودعا الحلف الأطلسي موسكو وكييف إلى إيجاد «حل سلمي» للأزمة عبر «الحوار» و«نشر مراقبين دوليين» وفق أمينها العام أندرس فوغ راسموسن، ومن المرتقب أن يجتمع الحلف مجددا اليوم.
وبينما طالبت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأوروبية فيكتوريا نولاند، أمس، بإرسال بعثة مراقبين من منظمة الأمن والتعاون الأوروبية إلى أوكرانيا، رفضت روسيا هذا المقترح. وبما أن المنظمة التي تضم 57 دولة تعمل بناء على الإجماع، فقد فشلت الجهود الأميركية والأوروبية لإرسال البعثة إلى كييف. ولكن قال ناطق باسم المنظمة لـ«الشرق الأوسط» إن ثلاثة خبراء من المنظمة توجهوا إلى أوكرانيا لـ«تفقد الحقائق». وأضاف «هناك خلافات عميقة بالطبع، ولكن نعمل على تقريب وجهات النظر، والاجتماعات متواصلة من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي».
المصدر: لندن – الشرق الأوسط