الإخوان والنزول إلى الواقع

آراء

كل التناقضات في كلام – و وعود – «الإخوان» ما قبل الفوز بالرئاسة في مصر و ما بعده تصب في مصلحة فكرة «أنسنة السياسة» في الخطاب الديني. فلعبة السياسة لا يمكنها أن تتعايش مع الفكرة المثالية لمن يمارس السياسة باسم الدين.

النظرية شيء و الواقع شيء آخر. و لو قرأ إخوان مصر تجربة إخوانهم في تركيا لربما أدركوا أن النجاح سياساً يأتي أولاً عبر احترام الأدوات التي مكنتهم للوصول للسلطة. فلا يمكنك أن تُحرّم على الآخرين طلب قروض من مؤسسة دولية و تحلله لنفسك. و من غير المقبول سياسيا وأخلاقياً أن تمارس ما كنت تعاني منه في الأمس القريب من تضييق على حرية التعبير و سجن الصحفيين ومعاقبة كل من ينتقد رموز السلطة.

فوز الإخوان في مصر هو فرصة لهم لإثبات صدق وعودهم قبل الانتصار و هو أيضاً فرصة للشعوب العربية كي تختبر مقدرة الإخوان على الوفاء بالوعود السابقة. في الأخير، خاصة في عالمنا العربي، ينجح من يقدم مشاريع التنمية على «الأيديلوجيا» و على الكلام الكبير الذي لن يسهم في رصف شارع أو فتح مدرسة.

و هنا نعود للجدل الإيجابي حول من يسبق من: التنمية أم الديموقراطية. المهم هنا أن تكتمل دائرة التجارب السياسية في العالم العربي و بعدها يقرر المواطن العربي – إن أمكنه – أي الطرق أسلم و أنفع له.

فبعد سقوط خطابات اليسار والبعث و القومية جاءته اليوم- من مصر – فرصة تجربة جديدة ظل يسمع عنها على مدى قرن. فإما يثبت الإخوان في مصر أنهم فعلاً «الحل» أو نبحث عن «حل» آخر، كما فعل الأتراك من قبل.نحن هنا أمام فكرة «الميدان يا حميدان». فإما يثبت الإخوان في مصر حنكة سياسية تقود سريعاً لتنمية اقتصادية يشعر معها المواطن المصري بفارق مهم في مستوى معيشته و أمنه و حريته، و إلا حانت الفرصة لغيرهم.

و تلك مسألة إيجابية في آخر النهار ما دامت ملايين الشباب المصري عازمة على الخروج لميدان التحرير لمواجهة كل من يناقض الوعود.

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٢٦٥) صفحة (٢٣) بتاريخ (٢٥-٠٨-٢٠١٢)