كاتب إماراتي
تعطي مسألة تكرار تنظيم فعاليات إعلامية في دول الخليج العربي مؤشرات إلى إدراك القائمين عليه بأن هناك خللا في تعامل وسائل الإعلام الخليجية مع بعض القضايا الوطنية، وبالتالي يجب إعادتها إلى وضعها الصحيح من خلال تنشيطها بالمناقشات. إن انعقاد مؤتمرات إعلامية متكررة؛ خلال فترات قصيرة؛ لفت انتباه الكثيرين، وخاصة أن بعض تلك الفعاليات تتعدى مسألة العموميات إلى أن تكون مؤتمرات متخصصة، فكان في الإمارات «ملتقى الإعلام الإماراتي الأول»، وكان هناك «الإعلام الخارجي: التحديات والحلول والإعلام الأمني في البحرين». وسبقت ذلك ندوة عن وسائل التواصل الاجتماعي في أبوظبي. وفي الأخير كانت ندوة «التعاون الإعلامي الإماراتي البحريني في ظل التحديات الراهنة في المنطقة العربية» التي نظمها «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، ما يعني أن الساحة الخليجية تحولت إلى ما يشبه ورشة عمل إعلامية.
أعتقد أن هناك جهداً خليجياً، وخاصة من الإمارات، لمراجعة دور وسائل الإعلام الخليجية والعربية في تغطية الأحداث التي مرت بها المنطقة، على اعتبار أن هناك افتقاداً حقيقياً للإعلام الموضوعي في نقل الحقيقة؛ وهذا ما يؤثر في استقرار المجتمعات. ولأن هناك تراجعاً في الإعلام الخليجي والعربي في مقابل تصاعد التغطيات التي يقوم بها الإعلام الغربي عن منطقتنا؛ يكون من المهم التفكير بشكل جمعي لإيجاد حل.
ويظهر من طريقة تناول بعض الأوراق أنها امتازت بالجرأة في نقد العمل الإعلامي الخليجي، وهذا ما أظنه سيجعلنا نتعلم من أخطائنا، لاسيما أن هناك العديد من القضايا الخليجية تنتظر المعالجة الإعلامية الحقيقية؛ مثل محاولات تيارات «الإسلام السياسي» زعزعة الاستقرار.
المسألة لم تعد نقلا لخبر أو تغطية لحدث، وأعتقد أن أي وسيلة إعلامية تدّعي الحيادية الكاملة، خاصة في الموضوعات الوطنية، غير موجودة، لكن تبقى طريقة تناول الحدث ومهارة الفريق الإعلامي من التحديات الجديدة والمهمة. إن قوة أي وسيلة إعلامية هي الصدقية والتعامل بمهنية مع الأحداث حتى تلك القضايا الحساسة.
لا يمكن لأحد أن يشكك في أهمية الإعلام وقوته في توجيه الرأي العام تجاه قضايا معينة وربما هذا العنصر هو الذي كان «ضعيفاً» في الإعلام الخليجي الذي واجه تحديات حقيقية مع بداية ما يسمى «الربيع العربي» الذي انطلق منذ ثلاث سنوات. وكان يفترض أن يكون هناك تنسيق إعلامي «أشبه بغرفة عمليات إعلامية خليجية» تسهل تبادل المعلومات حتى تسبق وسائل الإعلام الغربية في نقل المعلومات عنها.
فقدان التنسيق الخليجي وربما المحلي في البلد الواحد أدى أحياناً إلى تداخل طريقة تناول الإعلام الخليجي لقضايا وطنية بشكل مختلف، ما أدى إلى عدم إدراك الرأي العام العالمي لحقيقة الصراع الذي يحدث في الداخل الخليجي. وقد أدى هذا التناول إلى أن يقتنع جانب من الرأي العام العالمي بوجهة نظر أصحاب الشعارات السياسية والدينية أكثر من النظر إلى ما يحدث على الأرض العربية. حتى اليوم نجد أصحاب الشعارات بمختلف المستويات حتى لو كان فرداً في المجتمع، تجد له مؤيدين مع أنه على أرض الواقع قد لا يكون صحيحاً.
وربما كانت قضية محمد حسنين هيكل وتصريحاته حول احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، ومسألة استقلال البحرين، دليلاً على الحاجة إلى إعلام خليجي يقوم على الرد بالمعلومات. حرب المعلومات الإعلامية التي بدأت تجذب القارئ لمعرفة تفاصيل المنطقة تحتاج منا إلى استعداد للتوضيح على اعتبار أن هناك أشياء كثيرة في المنطقة تحتاج إلى أن تُوضَّح للرأي العام في ظل من يدعي أنه يمتلك معلومات عنّا.
إن وجود خطاب إعلامي خليجي واحد يعبّر عن موقف هذه الدول ليس ترفاً، بل هو ضرورة. وقد أصبح بإمكان الإعلام هزيمة مجتمع بأكمله؛ أي قتل الروح المعنوية أكثر من أي سلاح آخر. ولعلنا ندرك جميعاً ما فعلته وسائل التواصل الاجتماعي في بداية الحراك الاجتماعي العربي عندما لم يستطع الإعلام الرسمي القليل في المعلومات، في عهدي نظامي بن علي ومبارك، إقناع الناس بأن ما يحدث ليس من مصلحة المجتمع، كما يذكرنا الإعلام بأن هزيمة نظام صدام حسين كانت إعلامية قبل أن تكون عسكرية عندما انهارت الدولة في لحظات. ولا يمكن أن ننسى تلك اللحظة التاريخية التي رجحت كفة الرئيس الأميركي الحالي (أوباما) للفترة الثانية عندما تحوّلت التغطية الإعلامية لتفقدات الرئيس الأميركي للمتضررين من «إعصار ساندي» إلى حملة دعائية أسهمت في زيادة أصوات الناخبين.
المشكلة ليست في توافر وسائل الإعلام بكل أنواعها في الخليج، ولكن في تراجع إعلامنا في مناقشة قضاياه بشفافية أكبر من الإعلام الغربي. وأحياناً نحتاج إلى مساعدة الرأي العام في طرح الأسئلة حول قضايا تخصهم أكثر من الحاجة إلى إيجاد حل لها، وهو أمر مهم في بداية التفريق بين الشعارات والواقع.
عدم الانتباه إلى ضرورة تقوية وسائل الإعلام باعتبارها «السلاح الأهم» في مواجهة التحديات الوطنية قد تترتب عليه نتائج سلبية. وتجربة دولة الإمارات في التعامل مع ملف «التنظيم السري» والمراحل التي مر بها تؤكد ذلك. قد تكون بداية تناول القضية حذرة نتيجة لعدم توافر معلومات كافية وتوهم الطرف الآخر بإمكانية تحقيق أهدافه، لكن الشفافية في نقل المحاكمات إعلامياً غيّرت الكفة لمصلحة الواقع الإماراتي بعدما لعب الإعلام دوره الحقيقي.
النشاط الإعلامي الخليجي هو تأكيد للرغبة في سد النقص في جوانب بعضها كما تبدو محلية فقط، ولكنها من جانب آخر إقليمية وعالمية، وبالتالي ينبغي إدراك ذلك في مسألة مخاطبة الرأي العام العالمي بأن هناك صوتاً خليجياً واحداً، وإلا فإننا سنفقد الكثير. وأعتقد أن وجود الإعلام الخليجي في قضاياه الوطنية اليوم هو أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى نتيجة لتعدد المصادر الأخرى التي يمكن أن تشوه الحقيقة مع إمكانية التأثير في الرأي العام. وهذا ما يجعل المناقشات الدورية للإعلاميين مهمة.
المصدر: الاتحاد