إعلامي سعودي
نصيحة الشيخ يوسف القرضاوي للشعب المصري أن يصوتوا بـ«نعم» للدستور المقترح حتى لا يخسروا العشرين مليار دولار التي وعدتهم بها قطر!
منطقيا، لا يعقل أن أحدا سيصوت على دستور بلاده، الذي وصفه الدكتور محمد البرادعي بأنه يمثل العقد الاجتماعي بين المصريين، مقابل دعم مالي من أي جهة كانت. لكن النصيحة القرضاوية واحدة من الحيل الكلامية التي شاع استخدامها ترغيبا أو تخويفا للفوز في الاستفتاء، حيث لم يعد في مصر رئيس يفرض ما يراه مناسبا على الناس، كما كان الأمر عليه في عهد حسني مبارك. صار الصندوق هو الحكم. وإذا كان القرضاوي يريد تخويف المصريين بفقدان الهدية القطرية، فإن غيره مضى إلى أبعد من ذلك، فقد وعد أئمة مساجد المصوتين بـ«نعم» بأن يدخلوا الجنة، وهددوا من يصوت بـ«لا» بدخول النار. وكذلك على الطرف الآخر كانوا يحذرون المصوتين بـ«نعم» إدخال مصر في فتنة، وقد تقع حرب أهلية بسببهم!
طبعا، العشرون مليار دولار، والنار، والحرب الأهلية، جزء من التجييش والتحريض والتعبئة الشعبية، تعبر عن العواطف الجياشة وما يوليه المتنافسون من أهمية للدستور كعقد بين النظام والشعب، ومقدار الآمال المعقودة عليه من كل الأطراف. إنما ما قيمة دستور لا يؤمن استقرارا للبلاد؟ وما قيمة دستور يقسم المصريين؟ والأخطر من الذي سينقذ مصر إذا تسبب الدستور في عدم استقرار البلاد؟
من المستحيل أن تفي قطر بدولار واحد من العشرين مليارا الموعودة كاستثمارات ومساعدات، أو صندوق النقد الدولي أو الدول المانحة، إذا زلزل النزاع مصر وفقدت استقرارها، وبالتالي «نعم» أو «لا»، ليست بذات قيمة إن فشل الاستفتاء في إقناع الخاسرين بالقبول بالنتيجة عن رضا وإيمان حقيقي بالنتيجة. لقد أفسد مشروع الدستور والجدل حوله المناخ السياسي، وأصاب الجنيه المصري في مقتل، وتسبب الشقاق في نزف البورصة، وكلها مؤشرات مقلقة. ولا يملك أحد في مصر القدرة على منع الكارثة، سواء صوتت الأغلبية بـ«نعم» أو «لا»، إلا الرئيس محمد مرسي. والمهمة ستكون صعبة؛ لأن كل فريق اعتبرها قضية مصيرية، ودخل على الخط متطرفون، مثل الجماعات السلفية الجهادية في سيناء التي توعدت باستخدام السلاح لفرض الدستور بالقوة. ومع أن هذا شطط سيقف الجميع ضده لو حدث، فإن التحدي أن كل فريق بلغ من التعصب لموقفه درجة لم يترك بعدها مساحة للمناورة لاحقا، والتراجع، في حين أن الدساتير مشاريع مدنية يمكن التوافق عليها حتى بعد الاستفتاء. مرسي هو مفتاح الحل لاحقا، الوحيد المطلوب منه أن يبرهن على زعامة حقيقية من خلال طمأنة الخائفين، والذي يأمل منه أن يجمع الفرقاء على طاولة الاجتماعات في قصره لإصلاح ما أفسده جدال الدستور. وهذا سيتطلب منه أن يتخلى عن صفته الحزبية وولائه الإخواني، ويتصرف كرئيس للجمهورية. من دون أن يكون رئيسا للأقباط والقوى المدنية لن يفيده أن يبقى زعيما للجماعات الإسلامية التي ستحاصره لاحقا في قضايا كثيرة وتطلب منه أن يفعل ما هو مستحيل. وعليه أن يقدر الموقف السياسي المتحضر من زعماء المعارضة الذين قالوا جميعا إنهم لا يشككون في شرعيته رئيسا، ولا يوافقون المطالبين بإقصائه بثورة مكملة، ويقرون بحقه حتى نهاية فترة رئاسته الحالية. لكن ليس من المؤكد أن يستمر الموقف الأخلاقي والقانوني عند المعارضة هو نفسه إن انحاز الرئيس دائما إلى جماعته، وهمش الفرقاء الآخرين في أول حكم ديمقراطي يتم خلاله بناء مؤسسات الدولة.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط