كاتب سعودي
كان سيد قطب، قبل انضوائه تحت جناح «الإخوان»، يمازح أخاه محمد قطب كلما رآه راجعاً من اجتماعات «الإخوان» فيقول له: «إزاي الحسن الصباح بتاعكم؟». والحسن الصباح (ت 518 هـ) هو مؤسس الفرقة الإسماعيلية – النزارية، وهي الفرقة التي اشتهرت بين المسلمين والأوروبيين بالفداوية أو الحشاشين، نسبة إلى تعاطي أتباعها الحشيش بأمر من شيخهم، كما يذاع ويشاع.
وكان الحسن ملك بالحيلة قلعة الموت المنيعة في بلاد فارس، ومنها كان يسيّر عناصره الانتحارية لقتل مناوئيه من الخلفاء والأمراء والوزراء. ولقد ملأ النزاريون أو الحشاشون – وعلى مدار قرنين من الزمان – القلوب بالرعب بسبب دقة تخطيطهم وصرامة تنظيمهم وكثرة من مات تحت ضربات خناجرهم.
لقد أصاب سيد قطب كبد الحقيقة حين شبّهَ زعيم «الإخوان» بزعيم النزارية. فعلى ما بين الحسنين من تنافر مذهبي، إلا أن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما. فالبنا كان حريصاً على تسييج جماعته بستار كثيف من الغموض، وهو ما نجده كذلك مع الحسن الصباح الذي أسّس فرقة ما زال الاضطراب والارتياب يحيط بأغراضها وأفكارها وطقوسها كإحاطة الهالة بالقمر.
كان البنا بقول لأتباعه: «أيها الإخوان: أنتم لستم جماعة خيرية، ولا حزباً سياسياً، ولا هيئة موضوعية الأهداف محددة المقاصد، ولكنكم روح جديدة تسري في قلب الأمة»، وهو تعريف «ملغز» ومبهم كتعريف الروح نفسها، علاوة على ذلك، لم يكن البنا ليقبل من أتباعه بما هو أقل من السمع والطاعة، إذ كان يقول: «إن الدعوة تتطلب منا أن نكون جنوداً طائعين بقيادة موحدة.. لها علينا الطاعة، كل الطاعة في المنشط والمكره..».
وبالمثل، فقد كان شيخ الجبل مستحوذاً على عقول أتباعه ومهيمناً على أفئدتهم لدرجة السحر. ذُكر مرة أنه – وفي حضرة رسول الملك السلجوقي – أومأ إلى أحد أتباعه فقال له: اقتل نفسك، فجذب الفتى سكيناً وغرسها في جسده حتى خرَّ ميتاً، وقال لآخر: ارم نفسك من القلعة، فرمى نفسه حتى سقط وتمزّق، وهي صورة – وإن كانت تنضح بمبالغات الإخباريين – تجسد امتلاك زعيم الفداوية التام لرجاله.
أما ثالث التشابهات بين الرجلين فهو توظيفهما القتل وسيلةً سريعة ومريحة لإزاحة أعدائهما وتمهيد السبيل لجماعتهما. فالحسن الصباح، ومن جاء بعده من القادة، استعملوا الخناجر للفتك بخصوم الجماعة، فقتلوا وزير السلاجقة نظام المُلك والخليقة العباسي المسترشد وولده الخليفة الراشد والخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله ووزيره الأفضل الجمالي والقائمة تمتد وتطول.
والبنا أقام «الجهاز الخاص» ذراعاً عسكرياً وسرياً للجماعة، وإلى هذا الجهاز المشؤوم تنسب عمليات القتل والإرهاب، مثل قتلهم القاضي الخازندار وحكمدار القاهرة سليم زكي ورئيس الوزراء النقراشي وغيرها من أعمال تخريبية إرهابية، وهي حوادث لا يتورع أعضاء الجماعة عند ترجلهم وتقاعدهم عن التفاخر بها في مذكراتهم.
وإذا كانت فرقة الإسماعيلية – النزارية، حالها كحال الفرق الباطنية الأخرى، تخفّت وراء ستار التقية، فإن جماعة الإخوان كذلك لم تتخل يوماً عن التقية منذ ساعة ولادتها.
إن التقية عند النزارية في الأصل هي إظهار خلاف المبطن أمام الأغيار، ويقصد بالأغيار هنا أهل السنة، خوفاً من الوقوع تحت طائلة العذاب.
أما التقية عند «الإخوان» فهي التستر على حقيقة أطماعهم والمتمثلة في الإطاحة بالحكومات القائمة، تمهيداً لإقامة دولة الخلافة، ذلك الحلم الذي لم يكفَّ عن مداعبة أجفان المرشد وجماعته منذ عقود طويلة.
فالبنا ظل أعواماً ينكر أي صفة سياسية لجماعته، فكان يشدد قائلاً: «الدين شيء والسياسة شيء.. دعوى نحاربها بكل سلاح».
ولما كثر جمعه وغلظ أمره، قال بلا وجل: «أستطيع أن أجهر بصراحة بأن المسلم لا يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً بعيد النظر في شؤون أمته مهتماً بها غيوراً عليها».
وعلى ما يبدو، فإن التلوُّن والتشكل قد أورثهما البنا جماعته، فصار يجري منها مجرى الدم، وحسبك أن تنظر إلى أذناب «الإخوان» عندنا لتعلم أن الكذب والتقلب هو دينهم وديدنهم.
المصدر: الحياة