كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.
كانت لحظة حزينة دون شك، يوم وقف الجنوبيون يحتفلون بدولتهم الوليدة وبالانفصال عن الشمال.. لم يكن هذا الانفصال عن السودان البلد فقط، بل انسحاب من العالم العربي برمته، ترك أهل الجنوب عالمنا وهو يصارع الطغاة والدكتاتوريات سعياً للحرية والديمقراطية، قطفت مصر وتونس الثمار الأولى لثوراتها، وما زالت سوريا واليمن وليبيا تصارع من أجل تحقيق الهدف ذاته، سهَّل الربيع العربي من تمرير هذه اللحظة القاسية على الحالمين بوطن عربي كبير ومنيع وقوي. إن اقتطاع هذا الجزء العزيز من أرضنا العربية ليس بالأمر الهين، لكننا نقف اليوم أمام نتيجة طبيعية لسيادة الأنظمة القمعية وفساد السلطة المطلق والتآمر الدولي على بلداننا. وبعد أكثر من نصف قرن على تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة، نشهد اليوم تقسيم أرض السودان لكن على أهلها هذه المرة.سيظل سؤال العلاقة بين سودان الشمال والجنوب مطروحا على الطاولة في السنوات القادمة، ولن تفاجئنا النكايات المتبادلة والتنافس غير الشريف واستقدام الأجنبي على حساب الجار القريب، ستجد القوى الدولية ما تفعله في المساحات الكبيرة من الخلاف بين السودانيين، إعلان الدولة ورفع الأعلام والاعترافات المتبادلة لن تكون نهاية الخلاف الطويل بل بدايته، هناك أبيي والحدود والثروات النفطية وحقوق المواطنين في الدولتين، وهناك الغرب الحاضر في التفاصيل الصغيرة والكبيرة، وهناك نظام البشير الذي لم يترك صالحا في البلاد إلا وأفسده، وهناك دكتاتورية مطورة تولد في دولة الجنوب تقوم على العرق والقبيلة، فلا يتوقع أحد أن الجنوبيين سيفاجئون العالم بنظام ديمقراطي غير مسبوق، وأشياء أخرى كثيرة ستبقى حالة الصراع قائمة إن أراد لها الطرفان ذلك.في تقديري أن التعامل مع دولة الجنوب الجديدة يمثل تحديا كبيرا للدول العربية الواقعة في محيط الدولة الجديدة، وأيضا تلك البعيدة عنها مثل دول الخليج وشمال إفريقيا، لا يمكن لمصر على سبيل المثال أن تتحدث عن أمنها القومي دون أن تكون حاضرة وبقوة في جنوب السودان، الصراع العربي الإسرائيلي سيجد في جنوب السودان ساحة جديدة قديمة، لم تغفل إسرائيل منذ الخمسينيات أهمية الدول الإفريقية المتاخمة للدول العربية، واستثمرت في تلك البلدان استثمارا كبيرا تجني اليوم بعض ثماره، وسيكون الصراع على كسب الدولة الجديدة أقوى الصراعات التي سنشهدها في العقود القادمة، ولا يقتصر الأمر على علاقة طيبة مع دولة جارة فقط، بل إنها قضية مصيرية يتوقف عليها مستقبل خارطة المنطقة، خسارة الجنوب وعدم احتوائه بالشكل اللازم سيفتح باب الانفصالات على مصراعيه، وأول استحقاق في هذا الخصوص يتمثل بـ «دارفور وأحلام الدولة فيها»، ولا ننسى هنا موقف سلفاكير ميارديت من هذه القضية ودعمه المطلق لها في مواجهة السلطة المركزية.التحدي الآخر الذي يواجهنا في قضية دولة جنوب السودان يتمثل حول مفهوم العروبة الحديثة القائمة على التعايش الثقافي والمصالح المشتركة، هناك خشية من تقديم الجنوب نموذجا مغريا لكثير من الأقليات الطامحة بدولة مستقلة، وتستطيع الدول العربية منفردة وعبر الجامعة العربية أن تقدم شكلا متقدما من العلاقة مع الجنوبيين أبناء الثقافة العربية وإن كانوا أفارقة ولهم لغتهم ودينهم الخاص، يتم فيه اعتماد المشترك بين هذه الشعوب واحترام خصوصية كل منها واحتضانها اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، الشوفينية القومية العربية أثبتت فشل مشروعها، والعروبة قادرة على التصالح مع كافة المكونات الإثنية في داخل الدول العربية وخارجها إذا ما اعتمدت الديمقراطية وحقوق المواطنة المتساوية واحترام الثقافات والأديان منهجا في إدارة الدولة، لن يجد الكردي والأمازيغي والأرمني والقبطي ما يستفزه وينفره ويهمشه في الدولة العربية، بل سيجد نفسه شريكا كاملا في دولته، وهذه الثورات من شأنها أن تجعلنا أقرب من ذلك الحلم الذي طال انتظاره، وأن تجعل الجنوب أقرب أيضا.
صحيفة العرب القطرية