أسئلة حول القبيلة و “القبليَة”! – بقلم علي الظفيري

أخبار

هناك مقدمات لازمة وضرورية، خاصة في زمن الترصد والانتقائية والاستسهال، والذي رافق ثورة الشبكات الاجتماعية في عالمنا العربي، وفي منطقة الخليج على وجه التحديد، ونحن – كما نتقدم بشكل إيجابي – على بعض المستويات نتيجة ما وفره هذا الصنف من الإعلام الجديد، فإننا نتراجع كثيرا على مستويات أخرى في المعرفة والجهد المبذول في اكتسابها، ونتراجع أخلاقيا بشكل واضح وفاضح.

انطلاقا من ذلك، لا بد من القول بأن القبيلة والانتماء القبلي محل فخر واعتزاز كبيرين للفرد، والقبيلة انتماء اجتماعي وعاطفي لا فكاك منه، وهي مؤسسة فاعلة ومؤثرة في نطاقات معينة من حياتنا، كما أنها وسيلة لا غنى عنها في التعبئة نحو الترابط والتواصل والتعاضد بين مكوناتها ضمن إطار المجتمع، وتلعب أدوار كبيرة ومهمة في ضبط السلوك العام لكثير من أبناءها والحفاظ على منظومة القيم الرائعة والنبيلة، القبيلة والانتماء لها يضفي طابع القسرية على جانب كبير من سلوكنا، والإيجابي منه في غالب الأحيان، نحن نقوم ببعض الأفعال والمواقف الجيدة خشية أن نوصم بصفات سيئة، وأنا متأكد أن كثيرا ممن يقرئون هذا المقال من أبناء القبائل، يدركون تماما قيامهم ببعض الأفعال المنطقية وغير المنطقية بدافع الانتماء للقبيلة، ومن منطلقات الفزعة والرجولة والشهامة التي يتمنى كل مرء أن يوصف بها، وتوصف قبيلته أيضا، وهذا السلوك ليس قصرا على أبناء القبائل، بل يشمل الجميع، لكنه يزدهر في الأوساط القبلية، وبشكل كبير ومبالغ فيه بعض الأحيان.

القبيلة رائعة باختصار، دعونا نتحدث الآن عن شيء آخر ..

أريد طرح بعض الأسئلة على نفسي والآخرين قبل كل شيء، في المطلب العام للتغيير والإصلاح، وفي الحراك الكبير نحو هذه الأهداف السامية، ماذا يزعجنا نحن أبناء القبائل على وجه الخصوص ؟ أستطيع أن أضع بعض المقترحات إجابةً على هذا السؤال، تزعجنا الصورة الذهنية النمطية عن الجهل والتخلف والسلوك غير المتحضر، وعلينا قبل مجابهة المتأثرين بهذه الصورة أن نثبت ما يخالفها قولا وفعلا، لا أن نستميت في الدفاع مع ممارسة السلوك الذي ينقض كل ادعاءاتنا!، وهو ما نلاحظه في حالات كثيرة بكل أسف، ماذا يزعجنا أيضا ؟ ننزعج من التهميش الكبير والفاضح للمكون القبلي في المواقع المختلفة لإدارة الدولة، والعليا على وجه الخصوص، مثل أن تحظى عائلة مجمل أفرادها لا يتجاوز 100 شخص طوال نصف قرن بعشرة أو عشرين أو ثلاثين وزيرا في الحكومات المتعاقبة، ولا يكون لقبيلة تتجاوز المائة ألف نسمة واحد بالمائة من هذا الأمر ! ونحن نعرف تماما هنا أن المسألة لا تتعلق بالكفاءة والأهلية للمنصب، بل بأمور أخرى واضحة للجميع.

إذا ومن هذا المنطلق ماذا نريد بالضبط ؟ هل نريد فقط وزيرا من قبيلتنا وينتهي الأمر ؟ ماذا لو حصلنا على وزيرين من قبيلتنا في حكومة واحدة، هل يتحقق المطلب ؟ ماذا لو حصلت قبيلتنا والقبيلة المجاورة على أربعة مقاعد في الحكومة، وحرمت القبائل الأخرى من التمثيل ! هل نبحث عن الاسم الأخير الذي ننتمي إليه في الحكومة والإدارة والمستشفى ومركز الشرطة ؟ علينا أن نطرح الأمر بشكل جدي لا لبس فيه، هناك إشكال حقيقي لم يتم حله بعد في مجتمعاتنا، يمكن أن يكون كل أفراد هذه الإدارة من قبيلتك وتكون إدارة فاسدة وسيئة لا تحقق أدنى الاشتراطات المطلوبة.

أنت وأنا نبحث عن فرصة تعليم مناسبة ومتساوية، نريد الذهاب للمستشفى ونحن على يقين بوجود خدمات طبية بالمستوى اللائق وبعدالة كاملة، دون استثناءات تجعل من العلاج بالخارج متاحا للمصاب بالإنفلونزا، وغير متاح للمصاب بمرض عضال!، نريد أن يتقدم أبناءنا وإخواننا وجيراننا على الوظائف الشاغرة وهم على معرفة مسبقة بالمعايير والاشتراطات اللازمة للقبول، ولا نكون مضطرين للبحث عن واسطة تمنحنا الحق الطبيعي والأساسي في الحصول على عمل مناسب، نريد أن نقرأ في السيرة الذاتية للمسئول ما يؤهله لشغل هذا المنصب، ونريد ضوابط تحكم وتتابع عمله وأداءه وتقيمه وتقومه، لا يعنيني أن يكون قائمة الأسماء المسئولة المعروضة ملائمة لي من حيث الانتماء، يعنيني جودة العمل وفائدته للجميع، لكن، هل هذا ما نفعله ونفكر به ؟.

نحن جميعا نسعى للعدالة والمساواة وإعلاء أهمية الكفاءة والقدرة على حساب الانتماء القبلي أو غيره، ثم نجد “الفزعات” القبلية من يمين وشمال، مسئول قبلي يلتحق بعد تعيينه في المنصب جيشٌ من الأفراد، وبالصدفة يكونون من أبناء القبيلة التي ينتمي لها !، شخص يرتكب خطأ كبير وواضح فتهب الفزعات القبلية لنصرته وبأسلوب “متخلف” يناقض كل ما ادعيناه ورددناه عن سلطة القانون، نحارب استحواذ “فئة” بعينها على مقدرات الدولة، ونكتشف أننا نسعى لاستحواذ مقابل بطرق أخرى، تخلينا عن المبدأ المناهض للاستحواذ، مقابل صراعات يكسب فيها من يقدر على الاستحواذ بأية طريقة كانت، ناهيك عن حرب “المزاين” الطويلة التي خضناها في أغبى عملية استعراض قبلي يشهدها العصر الحديث، وحروب الشعراء التي لا تنتهي أبدا، ما زلنا بشكل أو بآخر نقدر صاحب اليد الطولى والقادر على الظفر بالأشياء دون وجه حق، تجاهلنا قضايا التحديث الملحة على كافة المستويات في البيئات القبلية وانشغلنا بالتمثيل الانتخابي، ما زلنا نطلق النار فرحة بفوز ابن القبيلة في انتخابات ديمقراطية ! وما زلنا نعقد الانتخابات الفرعية لتصفية أبناء القبيلة المؤهلين لخوض الانتخابات الكبرى، ما زالت مناطقنا وأحيائنا ومدارسنا ومستشفياتنا ومراكز شرطتنا تعاني من التشويه والسوء، بفعلنا وتصيرنا لا بسبب الاهمال الحكومي فقط.

الأكثر غرابة، أن يحضر وبشكل مفاجئ “مشائخ” القبائل في المشهد العام، ليس للدفع بالمطالب الشعبية نحو العدالة والمساواة، بل تجسيدا لأزمة ما تعاني منها ذات “الشيخ” الغائبة، فتجد سيل الشباب المدني المتحضر يدون عبارات الثناء والتبجيل الممجوجة، ويمتد الأمر للقبيلة وتاريخها وأفعالها، ولا اعتراض هنا على المكانة الاجتماعية، فأنت (تحب الشيخ على خشمه) و (تقلطه في صدر الديوان) وتحترم مكانته وتقدرها خير تقدير، لكن ذلك لا علاقة له بالشأن العام إطلاقا، لا يمكن أن تسمح لنفسك بتلك العبارات الممجوجة المستفزة وغير الدقيقة، لأنك تعرف تاريخ وأفعال كل شخص، وما يسعى له، وما يطمح له، وما يمكن أن يجعله يصمت في لحظات، وكم بالضبط، ولا يمكنك أن تنادي بالديمقراطية والحرية والخطاب الحضاري المتمدن القائم على المساواة، ثم تنتفض من أجل “شيخ” قبلي، وتنادي بمحطة تلفزيونية لقبيلتك، وتذكرنا بالبطولات الدقيقة وغير الدقيقة لقبيلتك، ثم تنادي بالمجتمع المدني!.

– إن محاربة النزعة القبلية واجبة بالقول والفعل
– الانتخابات والتمثيل النيابي أفضل اختبار للتمييز بين الموقف المدني والقبلي
– الأوهام القبلية قد تشعرك بالنشوة، لكنها تقف عائقا أمام تحقيق كل مطالبك
– الديمقراطية تنتصر للموقف الصحيح وليس للعدد الأكبر
– الادعاء الليبرالي أو الديني لا يستقيم مع التوجهات القبلية المفضوحة
– تمنحك القبيلة امتيازا أو اثنين، لكنها تسحب عنك وعن غيرك امتيازات أخرى كثيرة
– الديمقراطي الحقيقي ينفر من كل حديث عن مشاورات أو مداولات أو تحالفات قبلية
– إن خطاب المواطنة يتعارض تماما مع الخطاب القبلي، المباشر أو المبطن، وعلى كل منا أن يختار طريقه
– القواعد والمعايير والأسس التي تفرضها القبيلة مناقضة تماما لتلك التي تقوم عليها الديمقراطية

هذا الحديث لا يشمل كل الحالات، بل يشير إلى حالة بعينها، وفي بيئة محددة، وهو امتداد لنقد الحالات العنصرية المتخلفة في كافة البيئات الاجتماعية

علي الظفيري
@AliAldafiri
خاص بـ (الهتلان بوست)