علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

قبل أن تسقط الثورة

آراء

وضع المجلس العسكري اللمسات الأخيرة والنهائية على النظام القديم الجديد في مصر، استطاع البارحة وعبر إسدال الستار على المحاكمة الهزيلة لمبارك أن يعيد إنتاج نفسه مرة أخرى وبخسائر لا تذكر، وهذا قياساً على ثورة شعبية عارمة يفترض بها أن تسقط كل شيء وتعيد البناء من جديد، إن الأحكام التي صدرت لا تعبر عن روح الثورة أبداً، واستطاع المجلس أن يهزأ بالثورة والثوار، مارس أكبر استخفاف في حق المطالبين بمحاكمة نظام أهلك مصر وشعبها وأعادها مئات السنين للوراء، حتى باتت علامة بارزة في التخلف الاقتصادي والتنموي والتعليمي، فضلاً عن التراجع الكبير في مكانة مصر السياسية والقيادية في المنطقة.

حوكم مبارك على قتل المصريين في أثناء الثورة، وهذا جرم عظيم ولا شك، لكن لماذا ثار المصريون من الأساس وعلى ماذا؟ ولو افترضنا جدلاً عدم استشهاد أحد في أثناء الثورة، فهل كان سيحاكم أم لا؟ أما براءة نجليه جمال وعلاء والفريق الأمني القيادي المعاون لحبيب العادلي فهي الفضيحة بعينها، إن الذي خطط للأحكام في إحدى غرف العسكر لم يكن قادراً حتى على إدانة هؤلاء، بعد فوز شفيق ارتفعت معنويات التيار الفلولي وقرر التحدي، سنمنحهم مبارك ونحتفظ بالبقية، وإقامة مبارك في الحالتين ستكون في مقر محصن فاخر، ولا فرق إن كانت في شرم أو سجن طره، نفوذ النظام السابق وسطوته قائمة في المكانين.

ليس غريباً على نظام «معركة الجمل» كل هذا، الغريب أن النظام الذي تفتق ذهنه عن استخدام البغال والجمال للهجوم على المتظاهرين يدير المرحلة الانتقالية الحساسة بذكاء يفوق الثوار والقوى السياسية الداعمة للثورة! وهذا ما يجب أن تطرحه قوى التغيير على نفسها، بجدية ورصانة ودون تحزب أو عصبية، بعيداً عن أصوات الصراخ المراهقة في الشبكات الاجتماعية، وبعيداً عن العقول التي تتعامل مع المسألة ككرة قدم بين فريقين رياضيين، وبعيداً عن الأوهام الانتخابية التي أصيب بها البعض، والتي لا تعكس واقعاً صلباً ثابتاً حتى الآن؛ إذ لا يمكن القول إن حمدين صباحي حصل على هذه الأصوات؛ لأنه فقط حمدين صباحي، ولأن الناس تريده وتعرفه وتطمئن له رئيساً على مصر، ولا الإخوان أو السلفيون يجب أن يطمئنوا بشكل نهائي على كتلتهم التصويتية، هناك أمور كثيرة تتغير باستمرار.

لن أعيد ما قلته مراراً عن أخطاء الإخوان المسلمين، والذين يتحملون المسؤولية الأولى والكبرى في نجاح المجلس العسكري، لكن من الواجب تنبيه الجماعة لأمر مهم، إن اعتماد مبدأ تمرير الأخطاء والقبول بها من أجل الوصول في نهاية المطاف للحكم لم ينجح، ربما لا ينجح محمد مرسي في جولة الإعادة، مثلما لم ينجح مجلس الشعب بغالبيته الإخوانية في ممارسة دوره التشريعي، ومثلما لم ينجح الإخوان في تشكيل الحكومة رغم أغلبيتهم البرلمانية، ومثلما لم ينجح الإخوان في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في تمرير مرشحهم، وصوت عشرة ملايين مصري مع الثورة والتغيير ضد خيار الإخوان، نصفهم لمرشح حاربته الجماعة، والنصف الآخر لمرشح لا يملك عشر ما تملكه الجماعة من تأثير!

في تقديري أن التصويت لمرسي في جولة الإعادة واجب لا نقاش فيه، والمقاطعة تخاذل وخيانة للتغيير الذي تنتظره مصر، والحديث عن تنازل مرسي لحمدين صباحي ينقصه النضج والواقعية، لكن هذا لا يعني الموافقة على سلوك الإخوان المسلمين السياسي منذ الحادي عشر من فبراير العام الماضي، إن معظم المواقف التي اتخذتها الجماعة لا تدل على الوعي والحكمة، هناك من يتوهم القدرة على قيادة مصر وحده، وهذا غير صحيح على الإطلاق وفقاً للتجربة الماثلة أمام أعيننا، والثقة الكبيرة لدى قيادات الإخوان المنفصلة عن الشارع، والتي ترى قرب تحقيق الهدف، قد لا تكون في محلها، ضرب الإخوان كجماعة سياسية ما زال سهلاً ومتاحاً، الحصانة تأتي عبر المشاركة والجماعة الوطنية، ولا شيء غير ذلك.

العرب القطرية