علي الظفيري
علي الظفيري
كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.

السعودية وربيع العرب

آراء

يمكن القول إن البطالة والإسكان والفقر ومكافحة الفساد وحرية الإعلام والاعتقال لأسباب أمنية أو سياسية ، تشكل جملة القضايا الرئيسية المطروحة على الساحة السعودية ، وهذه العناوين ترتبط مباشرة بقضية أساسية ملحة تشغل النخب المحلية تتمثل في مطلب المشاركة السياسية الذي تدعو له شرائح واسعة في المجتمع ، وبدرجة أكبر مما كان عليه الأمر في السابق ، ويتضح ذلك في الأعداد الكبيرة للموقعين على عريضة دولة الحقوق والمؤسسات التي تم توجيهها إلى الملك عبدالله بعد ثورتي تونس ومصر اللتين أطاحتا بأعتى نظامين أمنيين استبداديين في المنطقة ، وقد بدأت الوثيقة بتهنئة الملك على شفاءه ودعوته لتحقيق ما وعد به من الإصلاح والعدل ورفع الظلم واجتثاث الفساد ، ما يشير بوضوح لانتهاج الموقعين طريقا مختلفا من حيث الشكل عن المسار الذي أخذه الحراك الشعبي في البلدان الأخرى ، إذ اقتصر الأمر على توجيه خطاب مفتوح بالغ التهذيب إلى رأس الدولة ، لكن في الوقت ذاته جاءت مطالب الموقعين – وهم أكثر من عشرة آلاف سعودي – مماثلة لمعظم ما نادى به المتظاهرون في العالم العربي ، فقد نصت العريضة على أن يكون مجلس الشورى منتخبا بكامل أعضائه ، وأن تكون له الصلاحية الكاملة في سنّ الأنظمة والرقابة على الجهات التنفيذية بما في ذلك الرقابة على المال العام وأداء الوزارات ، وله حق مساءلة رئيس الوزراء ووزرائه ، كما طالبت بفصل رئاسة الوزراء عن الملك على أن يحظى رئيس مجلس الوزراء ووزارته بثقة مجلس الشورى ، وصولا إلى إصلاح القضاء ومكافحة الفساد ومعالجة المشاكل الكبرى التي يشهدها المجتمع السعودي .

شكلت ردة فعل الدولة على المطالب الشعبية صدمة كبيرة ، وكانت الرسالة مفادها أن السلطة تملك القدرة المالية والأمنية الكافية لتجاهل مطالب الإصلاح القديمة والجديدة ، واتضح الأمر في القرارات الملكية التي أعقبت عودة الملك للبلاد بعد رحلة علاجية طويلة ، فتم ضخ أكثر من ثلاثين مليار ريال توزعت بين مكافأة راتبين للموظفين الحكوميين ، وزيادة القرض الإسكاني من 300 ألف إلى 500 ألف ريال ، إضافة لإعفاءات هنا وهناك تشمل بعض المواطنين على قروض سابقة تم الحصول عليها من أجهزة الدولة المختلفة ، أما الرسالة الأمنية فترجمها قرار استحداث 60 ألف وظيفة في القطاع الأمني للباحثين عن عمل ، وتشديد القرارات الصادرة على مكانة هيئة كبار العلماء المتحالفة تماما مع السلطة وتخصيص دعم مالي إضافي لمراكز الدعوة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى الهامش صدرت قرارات بإنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد ووزارة جديدة للإسكان ، ويقال إن الجهازين الجديدين بلا مقر أو موظفين كفاية حتى اللحظة ، إضافة لتعارضهما مع أجهزة قائمة أصلا تقوم بالدور ذاته لكنها بحاجة لتفعيل مثل ديوان المراقبة العامة ، مما يشير بوضوح لكون الجهازين محاولة محدودة وشكلية وغير جدية لمواجهة المشاكل .

أعلنت السلطة برنامجها العملي في الربيع العربي:هذه الثورات مرفوضة جملة وتفصيلا ، ويجب العمل على مواجهتها في الداخل والخارج.بدأت الأمور مع استضافة زين العابدين بن علي الذي رفضت استقباله كل دول العالم ، ثم العمل بشكل كبير على منع إسقاط الرئيس المصري حسني مبارك ، وجند الإعلام الرسمي وشبه الرسمي كل طاقاته لإجهاض محاولة التغيير في مصر ، وتم التعامل مع الاحتجاجات في البحرين بطريقة مباشرة استدعت إرسال قوات درع الجزيرة لمواجهة المحتجين وحماية الأماكن الحيوية في البلاد من زحف المتظاهرين ، وتجاهلت السعودية تماما الثورة الليبية ضد الخصم اللدود معمر القذافي للدرجة التي جعلت منها البلد الوحيد الذي لم يعترف بالمجلس الوطني الانتقالي رغم سقوط القذافي رسميا وهروبه مع أولاده ، أما الموقف من اليمن فليس بعيدا عن المواقف السابقة ، إذ تبنت المبادرة الخليجية التي أرادت تقديم مخرج مريح للرئيس اليمني علي عبدالله صالح ، وتساهلت كثيرا مع مراوغة النظام اليمني ووصلت الأمور لاستضافته وقبول إدارته للبلاد رغم المجازر اليومية التي يرتكبها نظامه في اليمن ، مما أثار حنق قطاعات واسعة من الشباب والأحزاب اليمنية تجاه السعودية ووضعها في مصاف الخصم للثورة والشعب اليمني .

السعودية تقود الثورة المضادة ، هذه العبارة تقابلك في كل مكان تذهب إليه ، وفي كل حوار تخوضه ، ولا أحد يستطيع نفي هذا الأمر على الإطلاق ، والسؤال المطروح بإلحاح في هذه الظروف : يقف الأفراد في عالمنا العربي لأسباب إنسانية وأخلاقية في موقع التأييد والدعم والمساندة والتعاطف مع الثورات في كل بلد ، لكن لماذا على بلد كالسعودية أن يقف معها ؟!، وهنا إجابة بعيدة عن الرومانسية والعواطف الجياشة وأوهام الأخلاق في السياسة:إن الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأعظم في العالم وجدت نفسها مضطرة لخسارة أكبر وأهم حليف لها في المنطقة لأسباب تتعلق بالمصلحة ، غيرت موقفها من الثورة المصرية بكل وضوح بعدما رأت هذا الطوفان الشعبي المنادي بالتغيير وإسقاط النظام ، واختارت استراتيجيا أن تعمل مع رياح التغيير لا عكسها ، ومن هذا المنطلق تكون المواقف التي تتخذها بلادنا في الربيع العربي مواقف خاطئة ولا علاقة لها بالمصلحة ولا بالسياسة ، بل تشير بوضوح إلى مسألة الفردية وضعف الوعي السياسي وعدم قراءة المستقبل بالشكل الصحيح ، وفي هذا خسارة كبيرة حالية ومنتظرة على البلد ومصالحه السياسية والاقتصادية والأمنية ، بعيدا عن الأخلاق والواجب الديني في نصرة المظلوم والعمل على إحقاق الحق وبقية الشعارات المرفوعة ، الحديث عن المصلحة ولا شيء غيرها .

شكل يوم الحادي عشر من مارس العام الجاري يوما مفصليا في التاريخ السعودي الحديث ، لسنا أمام تمرد حركة الإخوان على الدولة الوليدة والتي تعكس إشكالية معينة إبان عملية التأسيس ، ولا أمام حركة جهيمان في الحرم المكي والتي تعبر عن فئوية أصغر مما كانت عليه الحركة السابقة ، كنا في هذا اليوم أمام احتمالات مفتوحة لحراك شعبي كبير مماثل لما جرى في المنطقة ، ولم يكن هذا التخوف دقيقا ، فالدعوة ليوم “حنين” مجهولة المصدر ولم يتبناها أحد ، كما أن الطبيعة الخاصة للمجتمع السعودي تجعل من الاحتجاجات الشعبية في الشوارع أمرا غير وارد في الظروف الحالية ، ولا وجود لأحزاب سياسية تقود التظاهرات وتدعو لها وتتحمل مسئوليتها ، وقد استثمرت هذه الفرصة لعرض القوة الذي شهدناها في ذلك اليوم ، حوصرت الأماكن وشددت الرقابة على كل مفصل في البلد ، لكن أحدا لم يخرج كما كان متوقعا ، باستثناء الشاب خالد الجهني الذي ظهر على شاشة بي بي سي وتم اعتقاله بسبب الكلمات التي قالها وما زال قيد الاعتقال كما هو معلوم ، والخطيئة الكبيرة التي ارتكبتها السلطة السياسية في ذلك اليوم تمثلت في طرح السؤال الخطأ ، هل سيخرج الناس ؟ بدل أن تسأل : لماذا يمكن أن يخرج الناس إلى الشوارع ؟ وماذا يجب أن نعمل لكي لا تكون فكرة الخروج إلى الشوارع واردة ؟، لم يخرج الناس لأنهم لا يريدون الخروج أولا ، فالشارع ارتبط بفكرة إسقاط النظام وهذا غير وارد في الحالة السعودية ، لم يخرج الناس لأنهم يدركون تمام الإدراك أن السلطة لن تتساهل معهم أبدا إن خرجوا ، ولم يخرجوا لأنهم ليسوا منظمين كفاية للخروج ، ولم يخرج الناس رغم أن لديهم مظالم كثيرة تعرفها السلطة جيدا .

وكما أن السلطة السياسية طرحت السؤال الخطأ ، فإنها فضلت الإجابة الخاطئة أيضا ، قيل إن العلاقة بين الحكم والشعب أكبر مما جرى في العالم العربي ، والرضا والقبول الذي يتمتع به في الحالة السعودية يختلف تماما عن الحالات الأخرى ، وفي مسألة الشرعية التي يحظى بها الحكم السعودي فإن هذا القول صحيح ارتباطا بالقبول الذي يميز حكم الأسر في الخليج لأسباب كثيرة يطول شرحها ، منها ما هو قائم على التراضي والقبول والجوانب الإيجابية لأدائها إثر طبيعة العلاقات القائمة والوفرة المالية الكبيرة التي وفرتها العائدات النفطية ، ومنها ما له علاقة بانسداد وجمود سياسي لم يسهل الطريق لحالة حكم مكملة أو بديلة .

يقبع في السجون السعودية قرابة اثني عشر ألف معتقل دون محاكمة عادلة ، جلهم في قضايا أمنية تتعلق بأعمال العنف التي شهدتها البلاد في العقدين الأخيرين ، وآخرون سجناء رأي سياسيون عبروا عن رؤيتهم المناقضة لرؤية السلطة في ما يتعلق بإدارة شؤون البلد ، إضافة لذلك باتت وزارة الداخلية متحكمة بمفاصل رئيسية في إدارة شؤون المجتمع ، والحرية النسبية التي أتيحت لوسائل الإعلام المحلية تم الانقلاب عليها بشكل كامل ، قضايا الفساد لم يتم التعامل معها كما ينبغي رغم التشديد في التصريحات الحكومية ، أما قضايا الاقتصاد والبطالة والتعليم والصحة فحدث ولا حرج ، وما زالت الدولة تتعامل مع المستجدات والمشاكل الجديدة بعقلية قديمة قائمة على التفرد واعتماد الحلول الآنية غير المفيدة ، وهذا كله يدفع للقلق على البلاد بشكل جدي ، فكل شيء من حولنا يتغير بسرعة كبيرة ، والجيل الحالي من الحكم يملك شرعية التغيير والقيادة ويحظى بقبول واسع في المجتمع لكن المستقبل مجهول بالنسبة لنا ، ولا رؤية واضحة في تحديد مستقبل البلاد وشكل إدارتها وفق أسس حديثة إصلاحية تواجه مشاكل الداخل بطرق سليمة ، وتعمل على تعزيز مكانة السعودية إقليميا بما يتناسب مع ثقلها الجغرافي والديني والاقتصادي ، إنه باختصار مستقبل محفوف بالمخاطر يدفع جيلنا الحالي للقلق والخوف ، وهو خوف مبرر ومنطقي وشرعي في منطق الشراكة لا التبعية في هذا الوطن .

خاص بموقع “المقال”.