كاتب اماراتي
«فوجئت عندما شاهدتها بين ذراعي زوجها، وقد تدهورت حالتها بشكل مريع، بينما يصرخ هو منتحباً، أنقذوها، لا أريدها أن تموت، أحبها».
هكذا يصف الطبيب عمر الحمادي مؤلف كتاب «الطب النبوي بين الفقيه والطبيب» في جلسة جمعتني به حول إحدى الحالات التي أشرف على علاجها.
يتريث قليلاً، ليتأكد من ابتلاعي للتفاصيل، ثم يستطرد «الحب أعمى، ليس لأنه يجعل المحبين يتغاضون عن عيوب بعضهم كما ترددون أنتم معاشر الأدباء الرومانسيين، بل لأن المرء يقوم باسم الحب بارتكاب العديد من الحماقات».
أسترجع تفاصيل القصة المريعة التي ذكرها لي.. فتاة تبلغ من العمر نيف وثلاثين عاماً، تسلل السرطان النّهم إلى ثديها، ثم بدأ يقضم جسدها لقمة لقمة، وسرعان ما أتى على عظامها، حتى وصل إلى دماغها. وقبل أن يقضي على روحها، أصر زوجها، بدافع من اليأس وربما الأمل، على أخذها إلى «مطوع» من الجنسية الآسيوية يقطن في منطقة بعيدة عن المستشفى الذي كانت تخضع فيه للعلاج، لأن جدول فضيلته مزدحم جداً بالزيارات الميدانية والمواعيد. بعد أن عاينها «المطوع» قام بعلاجها ببعض الخلطات الشعبية وقرأ عليها لتصاب فوراً بالصرع!
أسقط في يد زوجها، واضطر إلى إعادتها مجددا إلى المستشفى وقد انتكست حالتها وتدهورت، لتفارق الحياة بعد بضعة أيام من تلك الحادثة. والغريب أن زوجها كان مصراً لآخر يوم من حياة زوجته المسكينة أن سبب الورم في الدماغ مسّ من الشيطان، كان يمكن أن يعالجه ذلك «المطوع» لو تم تداركها سريعا!
يقول الحمادي إن الكارثة عندما يلجأ الناس إلى «المطوع»، أما الطبيب فمعاملة الناس له تختلف كل الاختلاف مع الأسف الشديد، وقد حدث لي في كثير من الأحيان أن أبديت رأيا طبيا في مجلس ما، وهو رأي قد اتفق عليه علماء الطب، لأجد بعض الحاضرين ينبرون للرد عليه وتكذيبه، ويصبحون أطباء على حين غرّة، والويل لمن يجادلهم بعد ذلك، وهذا أمر لا يقتصر على المجالس وحدها، بل نلاحظه على صفحات المجلات والصحف كذلك، كل من أراد يستطيع أن يصبح طبيبا متى شاء، أما الطب الشعبي، فالناس لا يتحرشون به، ويكنّون له كل الاحترام، ومن سوء حظي أنني أصبحت طبيباً أعالج الناس.
أذكر للحمادي أنني قرأت يوما إعلانا لمعالج شعبي يدعي أنه تمكن من تركيب دواء، باستخدام حبة البركة والعسل والسدر، وغيرها من المكونات، يعالج أمراض السكري والسرطانات بمختلف أنواعها، والتهابات المفاصل وأمراض القلب.. إلخ إلخ.
فيهزّ رأسه ساخرا ويقول إن الطب أصبح من الاتساع بحيث لا يمكن لأي كان، مهما بلغ من الذكاء والعبقرية، أن يتقنه كله، ويلم بكلّ ما فيه.يعترف الحمادي بأن ممارسات هؤلاء المتطفلين على الطب دفعته إلى تأليف هذا الكتاب الذي يقوم فيه بتفكيك ما اصطلح على تسميته «الطب النبوي» بالاعتماد على التراث نفسه الذي ينهل منه هؤلاء. بعد قراءتك للكتاب ستشكك في كثير من الممارسات التي تراها من حولك كاستخدام أكثر من 14 دواء غير مختبر أو مثبت علميا، وستعيد النظر في علاج الأمراض العضوية كالصرع وغيره بالقراءة والأذكار، وستعيد النظر بعلاجات تقليدية شائعة هي عبارة عن طب العرب في زمن البعثة وليست طباً نبوياً مقدساً.