كاتب وإعلامي سعودي، وُلد في دولة الكويت في 19 أكتوبر 1975. حصل على بكالوريوس علم نفس تربوي من كلية التربية في جامعة الكويت عام 1997، ثم دبلوم إعلام من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1999. عمل في جريدة الوطن السعودية في الفترة من 2002 إلى 2004، وإذاعة وتلفزيون المملكة العربية السعودية ما بين عامي 2000 و2004. يعمل حالياً كمذيع ومقدم برامج سياسية في قناة الجزيرة القطرية.
إن التطاول على مقام رسول الله عليه الصلاة والسلام ليس عملا مرفوضا ومدانا ومستهجنا فقط، بل تعبير واضح لا لبس فيه عن أزمة نفسية وارتباك كبير ودرجة عالية من عدم المسئولية لدى المتطاول، ما معنى أن تكتب بضع عبارات في تويتر تتناول فيها مقام النبوة بشيء من عدم الاحترام والتقدير لمكانة الرسول، وأنت هنا لا تقدم رؤيتك النقدية أو فهمك المكتمل والمغاير للسائد، أنت فقط تعبث بمشاعر الملايين من المسلمين عبر عبارات لا قيمة لها، أنت هنا تقدم عدم احترامك لنفسك وللآخرين باستسهالك الأشياء العظيمة، يستطيع طفل جذب الانتباه بافتعال أشياء شبيهة، وينتج عن هذا إشغال الناس بالصراع والجدال الذي لا ينتهي.
أعرف حمزة عبر تويتر، وكنا قد تراسلنا أكثر من مرة عبر الموقع، اطلعت على بعض مقالاته في جريدة البلاد، كتب أشياء عظيمة عن قضية المعتقلين وعن الثورات العربية وقضايا الناس، قلمه جميل ووعيه وإحساسه في هذا الإطار أجمل، ولما استضافتني مكتبة جسور في جدة كان حاضرا، ورغم معرفتنا السابقة عبر الانترنت لم يبادر بالسلام، انتهت الجلسة فتوجهت إليه، لا يشبه الشابُ عباراته الثائرة في تويتر ومقالاته المنشورة في الجريدة ، يتمتع بخجل شديد، وهذا لا يخالف قناعاتي مؤخرا، يكتب الناس بطريقة لا تشبه سلوكهم الاعتيادي في حياتهم اليومية، التعبير الكتابي يأخذ بعدا مغايرا لما عليه الإنسان.
بعد أن اطلعت على ما كتبه حمزة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قررت إدانته وانتقاده في صفحتي بأقسى العبارات، لكنه لم يمنحني الفرصة، دخلت صفحته فوجدت اعتذاره الشديد وتراجعه الواضح وتوبته عن كل ما تفوه به، الرجل يعتذر بكل ما أوتي من قوة عن عباراته السابقة، ويضع بيانا واضحا وصريحا عن اعترافه بالخطأ وتراجعه عنه وينطق الشهادتين كمن يعلن إسلامه من جديد، أدركت أن الأمر قد تجاوز ما تصورته، نقلت اعتذاره في صفحتي، وتلقيت بعضا من الهجوم الذي تعرض له، واستغربت من كل ما يجري، إن ما ذهب له حمزة مدان بكل معنى الإدانة، لكن هل من المعقول أن لا نقبل اعتذاره الواضح ورجاءه الشديد بقبول هذا التراجع! هل وجدنا في قول هذا الشاب فرصة للانتقام من شيء ما؟، ولجهلي في الجانب الشرعي المتعلق بهذه المسألة بحثت في مواقف من أثق برأيهم ومعرفتهم واطلاعهم وقدرتهم على الحكم، وكان الشيخ سلمان العودة على رأس القائمة، فوجدت منه قبولا وارتياحا لتوبة حمزة وأمنيات بعدم العودة لهذا الفعل، وأورد الكثير من الشرعيين أمثلة واضحة على ردة فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في حالات شبيهة، وكان واضحا مبدأ الأخذ بظاهر الأمور والمواقف المعلنة، وكان هذا الحال مع المنافقين في صدر الإسلام، إذ تعامل معهم النبي على ظاهر السلوك رغم معرفته التامة بحقيقة موقفهم، وفي هذا الأمر حكمة كبيرة لمن يعتبر!.
تصاعدت القضية بشكل سريع، قرار من وزير الثقافة والإعلام عبد العزيز خوجة بإيقاف حمزة كاشغري عن الكتابة في المطبوعات السعودية، وهذا قرار صحيح وواجب في تقديري، لكن ذلك لم يكن كافيا لإيقاف الحملة المطالبة بملاحقة كاشغري ومحاكمته أمام القضاء، اجتمعت هيئة كبار العلماء للنظر في قضيته قبل أن يصدر قرار ملكي بالقبض عليه، هرب حمزة إلى الخارج بعد أن استشعر خطورة الموقف، وزير الدولة والأمير ابن الملك وحفيد المؤسس يصف حمزة كاشغري بأنه ليس من أهل هذه البلاد، وفي هذا إشارة واضحة نعرفها جميعا لما يعنيه الأمير!، وترافق ذلك مع سخرية كبيرة وطاغية على الاسم من قبل بعض الشرعيين والأكاديميين الذين تناولوا الموضوع، بخلاف الشتم والعبارات النابية التي انتفضت للدفاع عن نبي الأمة الكريم النبيل الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق!.
يريدك الناس هنا أن تنتفض من أجل مقام النبوة قبل أن تفعل أي شيء آخر، وكثير من هؤلاء محق في مطالبته تلك، كيف نتحدث عن العقلانية والاتزان ونتجاوز فعلا غبيا سيئا كهذا، لكنهم لا يقبلون من أحد قولا آخر في القضية، لا يقبلون من أحد نقده للتصعيد المبالغ فيه والإساءات التي تضمنتها عبارات البعض، لا يقبلون من أحد حديثه عن التوبة وقبولها وقيمة التسامح التي جاء بها الإسلام، لا يقبلون من أحد استغرابه لهبة جماعية في قضية (مهمة وحساسة ودقيقة) لا تتكرر إلا في هذا النوع من القضايا!، ولا يقبلون استغرابه من الاستجابة الرسمية والسريعة في مطاردة الشاب وتجاوز آلاف المطالبات الأخرى في قضايا ملحة وحساسة ودقيقة ومهمة جدا!.
إن هذا النمط من السلوك الجماعي يكرس أوضاعا خاطئة، ويبقينا في دائرة الصراع الضيق الذي يستثمره الراغبون بإبقاء الأحوال على ما هي عليه، ويزيل من أمامنا كثيرا من القضايا الملحة في هذه المرحلة المهمة من عمر الشعوب العربية، إنه يقلب أولوياتنا رأسا على عقب، ولا أتمنى من أحد هنا اتهامي بالتقليل من أهمية المصطفى والإساءة له، فالقضية ليست في الأذى الذي يتعرض له مقامه الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، القضية في رغبتنا بالانشغال في هذه المسألة والتعبير عن طاقاتنا – الكامنة والمعتلة أحيانا – والتي لا تجد طريقها إلى الظهور في كثير من الأمور، وما ضر المصطفى قول أحد ولا تعبير مشين من أحد، فقد تجاوز صلى الله عليه وسلم كثيرا من السوء لإيمانه بعدالة قضيته ورغبته بإيصال الأمانة الملقاة على عاتقه.
أما أنت يا حمزة، وقد أخطأت وتبت، أخطأت في إساءتك لخير البشر، وأخطأت في تقديرك للأمور، فإننا سنطاردك في كل مكان، سنطاردك بيت بيت، بلد بلد، وسنضع خارطة لمنزل أسرتك، ونشهّر بعائلتك، ونسخر من أصولك، ونفرغ كل عقدنا المجتمعية فيك، وسنشهر كل سيوفنا، متجاوزين الفساد وآلاف المعتقلين والاستبداد والخوف وانعدام الحرية وضياع البوصلة وغباء أصحاب الدماء الزرقاء وجهلهم، وسنأتي برأسك لنستريح، ويستريح المجتمع منك ومن مكرك ووقوفك أمام نهضة الأمة وحريتها وكرامتها وحقوقها كاملة، سنفعل ذلك يا حمزة من أجلنا لا من أجل ما فعلته !.