الظاهرة الترامبية التي غيرت الولايات المتحدة..د. محمد العضاضي: الهاربون من الله.. قصة تأسيس أميركا المتشددة

أخبار

جوزيت صفير: يناقش الباحث السعودي د. محمد العضاضي ضمن سلسلة حلقات بودكاست “رُشد” الذي يُبث عبر منصات هات بوست المختلفة كيف تأسست أميركا على يد مستوطنين متشددين دينيًا، حملوا معهم رؤية استثنائية للعالم، زرعت بذور التطرف السياسي والثقافي الذي نشهده اليوم. كيف هرب هؤلاء من أوروبا بحثًا عن حرية دينية، ثم تحولوا لاحقًا إلى أكثر الجماعات تشددًا وانغلاقًا؟

الهاربون من الكنيسة.. وصناعة أميركا المتدينة

د. محمد العضاضي باحث سعودي، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة جورجتاون. يقول: “أميركا لم تُبنَ فقط على المغامرة والبحث عن الثروة، بل على رؤية دينية متطرفة منذ يومها الأول”. يشير العضاضي إلى أن المستوطنين الأوائل، الذين وصلوا عام 1620 على متن السفينة “ماي فلاور”، لم يكونوا مجرد مستكشفين، بل جماعات هربت من الكنيسة الإنجليكانية في إنجلترا لأنها لم تكن متشددة بما يكفي لهم. “هم لم يبحثوا عن الحرية كما يروّج التاريخ الرسمي، بل عن إقامة مجتمع ديني نقي، لا مكان فيه لمن يخالفهم”، يوضح العضاضي.

ويضيف: “بمجرد أن وطأت أقدامهم الشاطئ، أسسوا مستعمرات تعيش وفق تفسير صارم للنصوص المقدسة، وهو تفسير لا يعترف بالتعددية. كانت رؤيتهم واضحة: إما أن تعيش وفق عقيدتهم، أو تُقصى تمامًا”. وهكذا، تحولت الفكرة التي أتوا بها إلى عقيدة سياسية ظلت متجذرة في الثقافة الأميركية، من أخلاقيات العمل المتشددة إلى النزعة الفردانية المطلقة.

الأميركي الأبيض.. منقذ مقدّس أم متطرف خطير؟

يشرح العضاضي كيف أن “المهاجرين البيض الأوائل لم يكونوا مجرد لاجئين دينيين، بل مؤسسين لفكرة أن الأميركي الأبيض البروتستانتي هو النموذج الأعلى للمجتمع”. هذه الهوية السياسية، كما يقول، “لم تتلاشَ مع الزمن، بل تطورت إلى تيارات يمينية متشددة ما زالت تُستخدم لاستقطاب الناخبين البيض المحافظين حتى اليوم”.

“ترامب لم يكن متدينًا، لكنه فهم القاعدة التي يخاطبها. لم يكن عليه أن يكون قديسًا، بل أن يلعب دور الحامي للمسيحية البيضاء في وجه الليبراليين والمهاجرين والإعلام اليساري”، يوضح العضاضي. “هذا النهج لم يبدأ مع ترامب، بل هو امتداد لخطاب بدأ مع البيوريتانيين الأوائل، الذين أسسوا أميركا على فكرة أن الله معهم، والبقية ضالون”.

ترامب والسلفيون الأميركيون.. تحالف الضرورة

“ترامب لم يحتج للصلاة في الكنائس أو لقراءة الإنجيل أمام الكاميرات، كان يكفي أن يكون الرجل الذي سيعيد الهيمنة إلى المسيحية البيضاء”، يقول العضاضي. هذه القاعدة الدينية، التي تمثل 30% من الناخبين الأميركيين، لم تكن تبحث عن زعيم روحي، بل عن منقذ سياسي “يحارب الهجوم الثقافي”، كما يصفونه.

وعندما سُئل العضاضي عن سبب عدم تأثر هذه الفئة بفضائح ترامب الأخلاقية والمالية، أجاب: “لأنهم لا يرونه كسياسي عادي. هو بالنسبة لهم أداة لتنفيذ مشروع أكبر: حماية أميركا من التحول الليبرالي والانفتاح على العالم”.

الطريق إلى الترامبية.. هل كانت مرسومة منذ البداية؟

يختتم العضاضي حديثه قائلًا: “لفهم الترامبية، علينا العودة إلى عام 1620، وليس 2016. جذور هذا الفكر تعود إلى المستوطنين الأوائل الذين هربوا من القمع الديني ليؤسسوا مجتمعًا أكثر قمعًا”.

الحلقة تفتح الباب لسلسلة من الأسئلة: كيف تطورت هذه العقلية عبر العقود؟ كيف ساهمت في تشكيل الحزب الجمهوري الحديث؟ والأهم، إلى أين يمكن أن تقود أميركا في المستقبل؟

* تبث “إيلاف” حلقات الدكتور محمد العضاضي بالاتفاق مع “هات بوست” التي تعمل تحت مظلة هتلان ميديا، ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة.