كاتب قطري
الظلم مسلكٌ مذموم، وتداعياته مؤلمة، وقد تقضي على إنسان بريء مدى الحياة، وقد نشرت الصحف الأميركية خبراً عن تبرئة مواطن «كوامي أجامو» بعد أن أُدخل السجن وعمره 17 عاماً بتهمة القتل. وقضى 40 عاماً في السجن، وقد ظهرت ملابسات جديدة في القضية، وتم فتح ملفه من جديد، وثبتت براءتهُ وتم الإفراج عنه وعمره 57 عاماً. وقد كان مظلوماً طوال 40 عاماً. والتعويض الذي طلبه الرجل هو فقط «إعادة النظر في القوانين التي تسببّت في اعتقاله وظُلمه». وقد صدرت أوامر من البيت الأبيض بتشكيل لجنة من الاستشاريين لإعادة النظر في القوانين التي تسببّت في اعتقال «أجامو» وبقائه ظلماً في السجن 40 عاماً. وقام الرئيس الأميركي أوباما بزيارة الرجل في منزله كي يتناول معه العشاء الذي أعدته السيدة الأولى زوجة أوباما.
والظلم لغةً هو: الجور وتجاوز الحد، يقال: ظلمهُ ويظلمهُ ظلماً، وهو مصدر حقيقي، وأصلُ الظلم: وضعُ الشيء في غير موضعه، وهو يتعدى عن الحق إلى الباطل، وهو الجور.
وقد عني الإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان بهذا الموضوع عناية قصوى، وخصصَ له مواد واضحة تؤكد على عدم جواز إيقاع الظلم بأي إنسان، ولأي سبب من الأسباب. وقد نصت المادة 12 من الإعلان على ما يلي: «لا يُعرَّض أحد لتدخلٍ تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته، أو مسكنه أو لحملات على شرفه وسمعته. ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات». أما المادة (6) من القسم الثالث من «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» فتنص على أنه: «لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ويحمي القانون هذا الحق ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي».
ولقد سبق القرآن الكريم كل ذلك بالنص على عدم الظلم وضرورة عقاب الظالمين، في آيات كثيرة تتعقب الظالمين وتتوعدهم بعذاب من الله نتيجة ظلمهم لغيرهم، وعدم اتبّاعهم طريق الحق. وفي الشعر العربي أيضاً نماذج من صورة الظلم في الحياة، وجاء كثير من النماذج كذلك في النثر العربي، ومواقف لبعض السلاطين والولاة في العصور السحيقة من أصدقائهم أو العلماء، أو الشعراء الذين يتخذون أحياناً مواقف قد تعكّر مزاج السلطان أو الوالي، فيهدر هذا الأخير دمَ الآخر، أو يسجنه أو يحرمه من دخول البلاد.
وقد حدث سجالٌ وتحدٍ بين الحجّاج بن يوسف والإمام سعيد بن جبير، الذي لم يَخف أن يصرِّح أمام الحجّاج بأنه ظالم، فما كان من الحجاج إلا أمر بقتله، وقد دعا عليه ابن جبير: «اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي»، وقد استجاب الله لهذا الدعاء فلم يمر إلا شهر واحد، وهو يتألم ولا يحلو له نوم أو طعام، وندم على قتل ابن جبير، ثم مات.
ومن أشهر الزعماء الوطنيين الذين حُرموا من حريتهم الزعيم الجنوب إفريقي «نيلسون مانديلا» الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وقضى 27 عاماً في محبسه، بتهمة محاولة قلب نظام الحكم والتحريض عن العنف، على رغم أنه كان يناضل من أجل تحرير شعبه من سياسة الفصل العنصري في بلاده. وحتى بعد خروجه من السجن واصل نضاله في حل قضايا السلام في العالم بعد أن أصبح رئيساً لجنوب أفريقيا، وقد اعتزل العمل السياسي عام 2004، وتوفي عام 2013 بعد أن ناهز الخامسة والتسعين. وهو أيضاً نموذج للمظلوم والمسجون من دون تهمة.
كم سيكون هذا العالم أجمل لو تركنا الحقَّ يأخذ طريقه حسب القوانين دون تدخل، ودون وضع التهم الجاهزة بحق من قد يختلف الإنسان معهم في الرأي، وتطال القوانينُ والأحكامُ من وطنيتهم، ويتم زرع الشكوك حول مسلكهم وتصرفاتهم وأفكارهم، فالعدل قيمة إنسانية رفيعة، وسيكون هذا العالم أجمل بعدم وجود أي اختلال في ميزان العدل، وعدم وجود أناتِ المظلومين دون وجه حق.
المصدر: الاتحاد