العالم العربي بين خطابين: التحريض أو الاعتدال!

آراء

الخطاب الإعلامي التحريضي ضد دول الاعتدال في العالم العربي- خاصة دول الخليج العربية- يواصل أكاذيبه تلميحاً وتصريحاً. ومحاولات نشر الفتن بين دول الاعتدال وترويج التهم ضدها، كالتهمة التقليدية حول ما يزعمون أنه «تفريط في القضية»، أساليب قديمة جديدة توافقت عليها جماعات متطرفة أو مؤدلجة، وأخرى حاقدة. خطورة هذا الخطاب أنه يتلاعب بعواطف قطاع كبير من جماهيره بغطاء الدفاع عن غزة حيناً، ونصرة قضايا الأمة أحياناً أخرى. والهدف إحداث شقاق بين أبناء دول الاعتدال من جهة، ومن جهة أخرى محاولة لصناعة فجوة (أو سوء فهم) بين أبناء دول المنطقة وحكوماتهم. ومواجهة هذا الخطاب التحريضي لا بد أن تأتي عبر خطاب مضاد، ذكي وجريء، يعتمد الواقعية، ويفضح الأكاذيب ويشرح المواقف.

ولا شك أن تحقيق التنمية بمفهومها الشامل محور أساس لحل معظم مشكلات المنطقة، ومن المهم أيضاً تبني نهج سياسي ينطلق من واقعية سياسية لا عنتريات لم تقد سوى مزيد من الخسائر، وكثير من الهزائم. تجربة دول الاعتدال التنموية والسياسية خير شاهد على ما سبق، ولهذا ضروري أن يركز إعلام الاعتدال على القيم والمشاريع والتوجهات المشتركة بين دول الاعتدال، وأن ينأى بخطابه عن مواضيع تتضمن شكلاً من أشكال الاختلاف الطبيعي، لكن إعلام «الممانعة» ينفخ فيها لتضخيمها وتشتيت الاهتمام بالرسائل الأساسية التي يجتمع عليه أهل الاعتدال في منطقتنا.

والإعلام الرصين لا يُجر أبداً إلى مهاترات، تتيحها اليوم، بل تروج لها، بعض الأصوات المغرضة أو الجاهلة على منصات التواصل الاجتماعي! التركيز على الأهداف (والرسائل) الكبرى ضروري دون إغفال ما تثيره وسائل السوشال ميديا من قضايا وأكاذيب وإشاعات.

وجود (استراتيجيات) إعلامية شاملة تُعنى بالقضايا الكبرى والصغرى، بالسياسة والثقافة، بالفنون والاقتصاد، بخدمة الأجندات والقضايا الوطنية، حجر أساس لأي مؤسسة إعلامية وطنية تسعى للتأثير. والسؤال المهم: هل تنسجم برامج وتغطيات قنواتنا الإعلامية مع خطط ومشاريع دولنا؟ هل خطاب الانفتاح الإيجابي وأفكار التعايش والتسامح الذي تتبناه دولنا اليوم بكل ثقة حاضر في محتوى وسائلنا الإعلامية؟ ما مدى حضور التنمية في هذا المحتوى؟ وهل برامجنا – أو محتوانا عموماً – قادر على شرح مواقفنا ومنجزاتنا والدفاع عنها؟ صحيح أن الحذر واجب تجاه الانزلاق نحو خطاب شعبوي أو شتائمي، كما في بعض الخطابات المعادية، لكن لا ينبغي الصمت أو «الأدب الزايد» مع التجاوزات التي توجه ضد بلداننا أو مؤسساتنا وقادتنا، ذلك لأن الإعلام عليه دور كبير في شرح المواقف، والدفاع عن المكتسبات. الإعلام في منطقتنا، بل في كل مكان، سلاح مهم وخطير في آن معاً.

وبما أن معظم معاركنا في العالم العربي هي – في أصلها – معارك سرديات ومواقف، فإن الإعلام يشكل نصف معاركنا أو أكثر. ومن هنا جاءت أهمية وجود استراتيجيات للمحتوى والقنوات الإعلامية. وهنا أيضاً تذكير بأهمية صناعة (النجم الإعلامي) صاحب التأثير والمصداقية. فكما نحتاج جنوداً مؤهلين في ساحات المعارك، فإننا نحتاج أيضاً لجنود مؤهلين في فضاءات الإعلام والسوشال ميديا. التحدي كبير.. لكن الأمل أكبر، ومثلما نجحت دولنا، دول الاعتدال، في إقناع العالم بمشروعها التنموي وواقعيتها السياسية، فهي قادرة على إقناع قطاع كبير من سكان العالم العربي بأن مشروعها هو ضمن التخطيط للمستقبل، وأن خطابها هو خطاب العقل والوعي والحياة، والأمن والسلم والاستقرار، وكذلك التنمية المدهشة التي تعيشها دول الخليج العربية خير برهان.

تجربتنا التنموية بكل ثقة وتواضع هي النموذج الذي يطمح أن يعيشه كل عاقل وواع وناضج في العالم العربي وخارجه!