العقوبات الأمريكية تحبط الآمال الإيرانية في إنعاش اقتصادها وإنهاء عزلته

أخبار

بعد أكثر من شهرين على الانتهاء المفترض للعقوبات الدولية المفروضة على إيران، تتنامى خيبة الأمل بسبب قلة الصفقات التجارية في ظل عزوف البنوك الأجنبية عن تسوية المعاملات. وتتلاشى الآمال الإيرانية في إنهاء العزلة الاقتصادية في ظل تخوف البنوك الأوروبية بشكل خاص – وقد سبق بالفعل أن غرمت الولايات المتحدة بعضها بسبب انتهاك العقوبات – من مخالفة القيود الأخرى الكثيرة التي ما زالت تفرضها واشنطن.

ويتهم الزعيم الأعلى علي خامنئي الولايات المتحدة بالمماطلة في أعقاب بدء التنفيذ الرسمي للاتفاق النووي مع القوى الرئيسية في يناير.

وقال في خطاب بثه التليفزيون يوم الأحد: “الأمريكيون لم يفوا بوعودهم ورفعوا العقوبات على الورق (فقط)”، شاكيا من أن المعاملات المالية الدولية تواجه مشاكل لأن البنوك “خائفة من الأمريكيين”.

ورفعت بالفعل عقوبات عديدة مرتبطة بالبرنامج النووي عندما بدأ في 17 يناير تنفيذ الاتفاق الذي أبرم عام 2015، بما شمل إجراءات فرضها الاتحاد الأوروبي وقواعد تسمح للسلطات الأمريكية بملاحقة الشركات الأجنبية والأفراد المتعاملين مع إيران.

وصاحبت ضجة كبيرة الإعلان عن عدد من العقود الكبيرة، حيث كانت إيران تأمل أن يؤدي تخفيف العقوبات إلى حركة تجارة واستثمار بمليارات الدولارات، مما سينعش الاقتصاد ويرفع مستوى معيشة الإيرانيين. لكن لم تتدفق مبالغ كبيرة حتى الآن. فما زالت البنوك الأمريكية ممنوعة من العمل مع إيران، ورغم أن ذلك الحظر لا يشمل البنوك في أماكن أخرى، فإن مشاكل كبيرة تظل قائمة من أخطرها القواعد التي تحظر تسوية معاملات الدولار – عملة الصفقات التجارية الرئيسية في العالم – من خلال النظام المصرفي الأمريكي.

عدم التيقن

ويرى مجتمع الأعمال الإيراني أن الولايات المتحدة لم تعلن بالضبط ما المسموح وغير المسموح به، مما أدى إلى عدم التيقن الذي يجعل البنوك العالمية مترددة في تسوية المعاملات المرتبطة بإيران. وقالت فريال مستوفي رئيسة مجلس إدارة مجموعة كيه.دي.دي الإيرانية الخاصة لإدارة المشاريع: “ينبغي أن نحاول الضغط على أمريكا لتوضيح هذا الأمر، وإلا فإن رفع العقوبات لا يعني أي شيء”. وقالت: إن كيه.دي.دي النشطة في قطاعات مثل الحديد والصلب والتعدين لاحظت تنامي اهتمام الشركات من الخارج، لكن دون إبرام صفقات حتى الآن.

وأضافت مستوفي التي ترأس أيضا لجنة الاستثمار بغرفة التجارة الإيرانية: “إذا ظل الوضع المصرفي على ما هو عليه اليوم، فسنواجه بالتأكيد مشكلة في المدفوعات”.

ولم يرد رد فوري عندما طلبت رويترز تعليقا من الخزانة الأمريكية المسؤولة عن تطبيق العقوبات على إيران. ويشكو الإيرانيون المقيمون في دبي، وهي تاريخيا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لإيران، من عجزهم عن استخراج خطابات الائتمان لتمويل الصفقات، في حين تعرض آخرون لغلق حسابات مصرفية لشركاتهم في الأسابيع الأخيرة.

وتعقد المشاكل أيضا خطط إيران لبيع مزيد من النفط واستعادة أصول بأكثر من 100 مليار دولار مجمدة في حسابات مصرفية خارجية بسبب العقوبات.

اتفاقات وقلة من الصفقات

ومنذ يناير أبرمت إيران اتفاقات تقدر قيمتها بخمسين مليار دولار مع دول من بينها ايطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا وألمانيا وغيرها، تشمل التجارة وتمويل المشاريع واستثمارات أخرى.

وتتضمن الاتفاقات عقدا لشراء 118 طائرة ايرباص قيمتها 27 مليار دولار. لكن التمويل الضروري لتحويل الاتفاقات إلى صفقات مؤكدة ليس بالأمر السهل.

وأبلغ مسؤول تنفيذي بإيرباص مؤتمرا في باريس الشهر الماضي “البنوك تدير ظهورها لنا في الوقت الحالي”، وقال موجها حديثه لهم: “لا تخافوا!”. وما زالت البنوك محجمة بسبب غرامة تسعة مليارات دولار فرضت على بي.ان.بي باريبا عام 2014 لانتهاك العقوبات المالية الأمريكية وغرامات أخرى. وكان رئيس اتحاد البنوك الفرنسي أبلغ المؤتمر أن البنوك تظل بحاجة إلى تطمينات بشأن “الأمان القانوني الكامل والوضوح”.

وسيكون ذلك صعبا ما دامت واشنطن تبقي على حظر تسوية المعاملات الدولارية لإيران في النظام الأمريكي. وقال جورج بوث من مكتب المحاماة بنسنت ميسونز: “لحين رفع العقوبات الأمريكية فإن البنوك الأوروبية التي لها أعمال كبيرة في الولايات المتحدة – وهي كثيرة – ستظل خاضعة لقيود تجارية مرهقة، ما لم تثبت الانفصال الكامل بين أقسامها الأوروبية والأمريكية”.

وقال بوث الذي يقدم المشورة للشركات الراغبة في العمل مع إيران: “والكلام عن هذا أسهل من القيام به. ينبغي عدم الاستهانة بمستوى إعادة الهيكلة الداخلية المطلوب لاستيفاء هذا المعيار”.

وقال سيد آرش شهر آييني نائب المدير التنفيذي لصندوق ضمان صادرات إيران: إن البنوك الصغيرة هي المستعدة حتى الآن للمشاركة، وإن المعاملات لا تزيد على حوالي 50 مليون دولار.

وقال: “بعض المبالغ الصغيرة مرت، لكن المبالغ الضخمة ما زالت تستلزم مشاركة البنوك الأجنبية الكبيرة التي كانت تعمل في المشاريع الإيرانية قبل فرض العقوبات، وهي ما زالت مترددة في بدء العمل مع إيران”. وفي الأسابيع الأخيرة أعادت شبكة المدفوعات العالمية سويفت ربط عدة بنوك إيرانية، مما سمح لها باستئناف التحويلات الخارجية مع البنوك الأجنبية بعد أربع سنوات من فصلها عن الشبكة.

نتائج متفاوتة

ورغم أهمية الخطوة لإعادة دمج إيران بالنظام المالي العالمي، فإن النتائج تبدو متفاوتة حتى الآن. وقال مصدران مصرفيان: إن معظم البنوك العالمية ما زالت ترفض قبول الشيكات من أصحاب الحسابات ببنك تجاري إيراني كبير أعيد ربطه بالشبكة. وألقى علي سنجنيان الرئيس التنفيذي لشركة سرماية أمين أكبر بنك استثمار إيراني باللوم في تأخر إعادة دمج البنوك الإيرانية على العقوبات المتبقية ومخاوف البنوك والتكنولوجيا القديمة المستخدمة في إيران.

وقال مصرفي دولي مقيم في المنطقة: إن عزوف بنكه عن المعاملات الإيرانية لم يتغير. وقال: “نحو 85 بالمئة من التجارة بالدولار الأمريكي، وإذا كنت تتعامل بالدولار فلا يمكنك تعريض ذلك للخطر عن طريق العمل مع إيران”.

وبالنسبة للمعاملات الجارية بالفعل، فإن بعضها باليورو وعملات أخرى، وهو أمر مسموح به في الترتيب الحالي.

وقال جيمس كيدويل الرئيس التنفيذي لمجموعة برايمار للشحن البحري: “رغم تخفيف الموقف، فما زال من غير الواضح عندما تتداول مبالغ بالدولار الأمريكي ما إذا كان النظام المصرفي سيحتجزها.. من المرجح أن البعض يفضل التعامل باليورو تفاديا لتلك المشكلة”.

واستطاعت إيران بيع النفط إلى الهند ومشترين آخرين باليورو. وأبلغت الشركاء التجاريين المدينين لها بمليارات الدولارات أنها تريد تقاضيها باليورو، حسبما ذكرت رويترز الشهر الماضي نقلا عن مصدر بشركة النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة.

المصدر: صحيفة اليوم