إعلامي سعودي
الهدف الرئيسي من معارك المنطقة في السنوات التي اعقبت سقوط نظام صدام حسين هو العراق، الدولة الاستراتيجية التي تقع في منتصف الطرق المتقاطعة اقليمياً، بين ايران والسعودية وسوريا وتركيا، وهي الخزان النفطي العالمي المماثل للسعودية.
كانت واشنطن تعتبر العراق اكثر بلد يهمها ان تمد اليه نفوذها بعد نهاية الحرب الباردة، مع سقوط الاتحاد السوفييتي، وعجل بالأمر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي أعلن قبيل غزوه الكويت ببضعة أشهر انه نتيجة لانسحاب السوفييت صار في المنطقة فراغ، ولا بد لإحدى القوى الإقليمية من ان تقوم بملئه. قراءة صدام كانت صحيحة لكنه اخطأ في حساب من المؤهل للقيام بالدور.
وما هي حدود الحركة. بناء عليه احتل الكويت التي عكس فهمه البسيط للعلاقات الدولية والمصالح الكبرى في المنطقة. فالكويت دولة مهمة، فيها عشرة في المائة من احتياطي العالم من البترول وما كان يمكن للعالم ان يتركها تحت حكمه ومنها يهدد أمن السعودية.
هزم ثم حوصر اثني عشر عاماً، وبسبب رفض صدام التعامل مع الواقع حوله، وبسبب فشل الحصار أيضاً، صار تغيير النظام في بغداد هدفاً بغض النظر عن الذرائع المطروحة. نجح الأميركيون في تغيير النظام وفشلوا في ادارة العراق، وادارة ازماته هناك.
ثم جاءت ادارة باراك اوباما وتبنت رؤية ثورية مختلفة، التعاون مع العدو ايران في العراق والمنطقة عموماً، لتثبيت المصالح الأميركية وتحقيق الاستقرار. الآن، ادارة اوباما تدرك ان ايران استخدمت الاتفاق النووي، والمرونة الأميركية، للتمدد وتهديد ليس فقط أمن المنطقة بل كذلك المصالح الأميركية نفسها.
هذه المراجعة المضغوطة ضرورية لفهم الموضوع العراقي المعقد، فالنزاع في سوريا هو في الحقيقة مبني على النزاع في العراق ومحاولات الهيمنة عليه، الأمر الذي تنبهت له الدول الإقليمية، الخليج وتركيا، وحاولت منع ايران من التمدد، لكنها فشلت حتى الآن، والحرب مستمرة في سوريا، كما ان النزاع في العراق ايضاً لم يتوقف.
وقد حاول الروس التسلل للعراق من خلال الصفقات النفطية والعسكرية، وهو امر لن يدوم طويلاً على اعتبار ان الولايات المتحدة ترى العراق دولة مهمة لمصالحها في المنطقة، اكثر من سوريا، ومن المرجح ان العراق سيكون معركتها السياسية والاقتصادية وربما العسكرية المقبلة.
وفوز الحزب الجمهوري في أميركا بالرئاسة وسيطرته على أغلبية المجلسين في الكونغرس، يرجح ان يعيد الاهتمام للعراق في مسائل عديدة، مثل مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد على الحكم في بغداد نتيجة الانسحاب الكامل في عهد اوباما، والثانية ترتيبات الحكم المضطرب بسبب الصراع الاثني والطائفي.
والمسألة الثالثة العلاقات الإقليمية المرتبطة بالعراق نتيجة موقعه الذي أشرت اليه في البداية. وهي جميعها تتعرض للمصالح الأميركية والغربية عموماً، من حيث تثبيت الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب ومواجهة طموحات الكرملين في المناطق الحيوية في العالم.
هل يزيد الاهتمام الأميركي المتوقع بالعراق من التوتر وربما النزاعات العسكرية؟ ربما، الا اذا قبلت ايران حقيقة انه لن يسمح لها بالتمدد والهيمنة على العراق والخليج وأظهرت ادارة الرئيس المنتخب عزمها على مواجهة ايران.
ومن بين قيادات ترامب الجديدة من تؤمن بشكل قاطع ان نظام طهران هو مصدر الأزمات والحروب في المنطقة، بما في ذلك في أفغانستان وباكستان وبالطبع الخليج، من مطلع الثمانينيات وحتى اليوم، وانه أخطر من نظام كوريا الشمالية.
وعلى الأرجح سيكون العراق محل اختبار جدية ادارة ترامب في التعامل مع ايران، من دون ان يعني ذلك ان تضطر الحكومة الأميركية الى التدخل عسكرياً مباشرة. ففي العراق قوى عديدة مناوئة لإيران، بما فيها قوى شيعية، او حليفة لواشنطن مثل الأكراد. ويمكن مقاومة التدخلات الإيرانية بالعمل من خلال النظام السياسي الذي بناه الأميركيون في أعقاب الغزو من دون الحاجة الى بناء تنظيمات مسلحة مناوئة.
ماذا عن مشروع التقسيم الذي تزايد الحديث عنه مؤخراً؟ لا أتصور انه خيار مطروح، فالعراق رغم ازماته لا يزال متماسكاً، لم ينحدر الى هاوية الحرب الأهلية. وكل الدول الإقليمية المحيطة قد تختلف حول العراق سياسياً لكنها تتفق على وحدته جغرافياً، بما في ذلك ايران وتركيا والخليج، على اعتبار ان تفكيك دولة كبيرة بادرة خطيرة.
وللقوى الإقليمية والدولية ان تتنافس بالعمل من خلال النظام السياسي في بغداد، وتقليص الهيمنة الإيرانية عليه.
المصدر: البيان