كاتب سعودي
تقول مجلة «درشبيجل» الألمانية عن مترو مدينة الرياض بأنه ليس مجرد وسيلة للنقل، بل هو رمز للتغيير والتخفيف من الجمود وإنعاش للحياة العامة. هذه العبارة التي اختارتها المجلة بذكاء تعبر بدقة عن الدور الاجتماعي والبعد الإنساني الذي تلعبه وسيلة النقل العام، التي تدخل ضمن منظومة الأمكنة العامة التي يشكل غيابها خللا في التواصل البشري والنمط الطبيعي للحياة.
قبل فترة، كتب الشاعر الجميل والكاتب الأجمل محمد زايد الألمعي مقالا مهما في صحيفة الحياة عن مأزق المجتمع السعودي مع المكان العام الذي يفتقده، وكيف يتعب هذا الكائن المسكين في البحث عنه خارج الحدود محاولا تلبية حاجة ضرورية ونزعة إنسانية لا يستطيع ممارستها بشكلها الطبيعي في وطنه. يذهب الفرد السعودي «الطبيعي» إلى الخارج ليختلط مع البشر في الأمكنة العامة، يسمع الحوار والضجيج والاختلاف والاتفاق والموسيقى والكلام الرصين والمبتذل، يسمع ويشاهد كل شيء يجسد طبيعة الحياة الحقيقية للبشر، إنه يستمتع بثقافة المكان العام ويتعلم منها أشياء كثيرة، لكنه يعود إلى العزلة في وطنه أو إلى مكان عام مصطنع داخل أسوار وحيطان وأبواب.
المترو عالم قائم بذاته، مجتمع يمور بكل شيء على مدار الساعة، ثقافة خاصة مشبعة بالغرائب والعجائب من الممارسات والأحداث والمشاهد. أصناف بشرية من أقاصي التناقضات والتباينات في كل شيء، وكذلك أصناف تضيف للإنسان ما لا يتوقعه من المفيد والمدهش. حين تقضي للمرة الأولى يوما في مترو مدينة عالمية مثل باريس أو موسكو أو نيويورك، فإنك لا بد أن تخرج بتجربة لم تكن تتوقعها، ولا خطرت في بالك أن تكون بتلك المتعة والإثارة. إنك لا تتنقل من محطة إلى محطة فحسب، ولكنك تتنقل بين نماذج إنسانية مختلفة وأشكال من الثقافات والفنون، بانوراما فريدة لا تجدها سوى في ذلك العالم الفريد.
وطالما تصميم مترو الرياض قد خرج من مكتب المعمارية العالمية المتميزة زها حديد، فإنه إلى جانب وظيفته العملية كوسيلة نقل، والاجتماعية كمكان عام، سيكون تحفة فنية تشبع غريزة التأمل في الجمال وفطرة الاستمتاع به، زهى التي تخصصت في مثل هذه المشاريع سوف تضع خلاصة خبرتها في مشروع مترو الرياض خصوصا وميزانيته تغطي أكثر التصميمات تكلفة.
كل مدينة كبرى في المملكة بحاجة إلى مشروع كهذا ليس كحاجة «مواصلاتية» فقط، وإنما كحاجة إنسانية ورافد ثقافي وفني، وملمح خاص بكل مدينة.
المصدر: عكاظ