ماذا تقدِّم مؤسساتنا الثقافية للمثقف؟ المثقف نفسه هو جوهر الفعل الثقافي.
غالبية مثقفينا موظفون تحاصرهم بيروقراطية الوظيفة من جهة وظروفهم المالية من جهة أخرى.
كيف يبدعون إذن؟ ومتى يجد مثقفنا الوقت للإبداع والإنتاج؟ الثقافة مسألة جادة. وفي مجتمعاتنا العربية نحتاج لمؤسسات فكرية تصنع المثقف وتنتج المفكر.
أغلب منتجاتنا الثقافية جاءت بالبركة. فلا المثقف الجاد يستطيع التفرغ للثقافة ولا المؤسسات الثقافية متحررة من عقدها البيروقراطية ولا المجتمع مهيأ أن يستوعب أهمية المثقف المستقل وضرورة التنوع في الأفكار والآراء والأساليب الثقافية.
إن المثقف الجاد والمستقل عملة نادرة في مجتمعاتنا. بل هو مجاهد نادر. فهو من جهة في مواجهة يومية مع متاعب الحياة والتزاماتها المادية المنهكة، ومن جهة أخرى محط أنظار أجهزة الرقابة البليدة كما لو أنه يخفي أسلحة دمار شامل سيطلقها في أي لحظة.
وفوق ذلك، وأكثر تعقيداً، أنه يعيش في مجتمع عملته السائدة التشكيك في نوايا المثقف المختلف بفعل هيمنة خطاب أحادي لعقود طويلة. إننا انشغلنا طويلاً بالفعاليات الثقافية ونسينا المثقف نفسه.
ليس صحيحاً أن قدر المثقف أن يعيش فقيراً أو مشتتاً بين وظيفة الصباح ووظيفة المساء، وبين ديون بناء البيت وأقساط مدارس «الصغار».
في المجتمعات الحية الثقافة فعلاً «تؤكل عيش» لكنها عندنا -للأسف- تجلب لصاحبها التعاسة والديون وكل أنواع الهموم! الكتاب في المجتمعات الحية يَصرِفُ على مؤلفه وفي مجتمعاتنا المثقف هو من يصرف على كتابه، أحياناً أكثر مما يصرفه على أولاده.
في المجتمعات الحية المثقف منارة للتفكير المتجدد ومكانته في صفوف علية القوم. وعندنا مسكين هذا المثقف، فهو محاصر بنظرات الشك والريبة وكل أشكال التُّهم الظالمة. وبعد هذا، نسأل: لماذا الثقافة عندنا متراجعة؟
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٩٧) صفحة (٣٦) بتاريخ (١٠-٠٣-٢٠١٢)