سعدت قبل فترة بزيارة “المصفق”، والمصفق الذي أقصده هنا ليس قرية المصفق، التي تقع في محافظة “صامطة”، التابعة لإمارة منطقة “جازان”، إنما أقصد مركز تنمية الأعمال لخدمة قطاع الأعمال والمستثمرين في جدة، الذي يتبع الغرفة التجارية الصناعية بجدة. المركز واحد من تسعة مراكز، ويقدم الاستشارات المالية والاقتصادية، ويساعد في إعداد دراسات الجدوى، والبحث عن التمويل المناسب من خلال الصناديق الحكومية، والقروض المختلفة، كما يساعد في التحفيز لإنشاء كيانات اقتصادية جديدة، وشراكات مختلفة. المركز الملقب بـ”المصفق” وكبداية مغرية أحيا في النفس الاستخدامات اللغوية للمفردة العربية، فالمَصْفَقُ لغويا: اسم مكان من صفَقَ، أي مكان عقد الصفقات، ويسمونه في عالم اليوم “البورصة”.. لفت نظري أن رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة الأستاذ صالح عبدالله كامل ترك الدوام في مكتبه في الغرفة، وأصبح لا يداوم إلا في “المصفق”، يريد كما ذكر لي أن يصحح ما حصل من أخطاء في مسيرته المالية.. مركز المصفق وكما رأيت لديه ثلاث خدمات أساسية، الأولى خدمة التسويق للفرص الاستثمارية، يهتمون من خلالها بترويج المشروعات لرجال الأعمال والشركات الاستثمارية والأفراد ذوي الرغبة في الاستثمار. والثانية خدمة توفير مكان لعقد الصفقات التجارية، يجهزون الجو المناسب لالتقاء أصحاب الأفكار والمشروعات والمستثمرين من رجال الأعمال والشركات، ويوفرون المعلومات والدراسات والخدمات اللازمة. والثالثة خدمة احتضان المشاريع والأفكار الجديدة، من أجل إنشاء وتشجيع رجال الأعمال الصغار وأصحاب الأفكار.

“المصفق” لديه غاية نبيلة، وهي: “إنماء البلاد، وتشغيل العباد”، وهذه الغاية تحتاج إلى وعي خاص من رجال المال والأعمال بأن رسالتهم في الحياة هي الاهتمام بقضايا الأمة، والتصدي لها، وأنه لا مانع من أن يربحوا ما يتيسر لهم من مرابحات طالما أنهم التزموا بواجب إعمار الأرض. كما أنه لا بد أن يعلموا أن الأموال التي في أيديهم ـ وكما يقول الإمام النسفي ـ : “إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها للاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء في التصرف فيها؛ فليست هي بأموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله، وليَهن عليكم الإنفاق منها كما يهون على الرجل الإنفاق من مال غيره إذا أذن له فيه، أو جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم فيما في أيديكم بتوريثه إياكم وسينقله منكم إلى من بعدكم فاعتبروا بحالهم ولا تبخلوا به”. ومن أجمل ما قرأته عن حكاية الأغنياء والفقراء، قول الإمام القشيري: “لو كانت المقاديرُ متساوية لَتَعَطلَت المعايشُ، ولَبَقي كلٌّ عند حاله، فجعل بعضَهُم مخصوصاً بالترفُّه والمال، وآخرين بالفقر ورقّة الحال، حتى احتاج الفقيرُ في حين حاجته أن يعمل للغنيِّ، ليترفق من جهته بأجرته، فيصلُح بذلك أمر الفقير والغنيّ معا”.

عودا قبل الختام على قرية “المصفق” التي ذكرتها في بداية المقال.. هذه القرية الحدودية الشهيرة نزح أهلها منها قبل عامين تلبية للنداء الوطني بالإخلاء بسبب أحداث الحوثيين، تاركين منازلهم ومكاسبهم. وبعد مدة في الخيام، تم نقلهم إلى مساكن مستحدثة، لازالت تحتاج الكثير من الخدمات، وأقل القليل المستحق تعويضهم بما يلم شملهم، ويجمع شتاتهم، ويكفل لهم حياة كريمة، ولعل المصفق المركز يصلح حال المصفق القرية.

المصدر: الوطن أون لاين