حذرت الأمم المتحدة أمس من استخدام مؤتمر السلام حول سوريا (جنيف2) لأغراض تكتيكية بهدف إطالة أمد الحرب، في إشارة ضمنية إلى النظام السوري الذي كشف وزير خارجيته وليد المعلم أمس عن رؤيته لـ«الحكومة الانتقالية» المفترض تشكيلها وفق المؤتمر، حيث أكد أن مثل هذه الحكومة لن تحد من صلاحيات الرئيس بشار الأسد..
وهو ما ينسف مضمونها الذي نص عليه مؤتمر «جنيف1» بتشكيل هيئة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، في وقت انتقلت الجهود الدولية لإنقاذ الجولة الثانية من «جنيف2» إلى ميونيخ حيث عقدت اجتماعات ماراثونية مكثفة جمعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا التي ألمحت إلى عدم استعدادها بممارسة ضغط على النظام السوري بدون ضغوط مماثلة من واشنطن على المعارضة السورية، إلا ان تصريحات وزير الخارجية الأميركي ركزت على الملف الكيماوي.
وشهدت الأروقة الخلفية لمؤتمر الأمن المنعقد في ميونيخ اجتماعات ماراثونية مكثفة، لإنقاذ مفاوضات جنيف، التي لم تسجل أي تقدم بين وفدي النظام السوري والائتلاف. فمن جنيف توجه المبعوث الأممي العربي المشترك إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي إلى ميونيخ..
حيث عقد اجتماعا ضم وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وخصص الاجتماع لمناقشة جولة التفاوض المقبلة، بما يشمل ما أسموه «حاجة الائتلاف إلى توسيع وفده». كما جرى التوافق على وجوب عودة الجانبين إلى طاولة المفاوضات.
أغراض تكتيكية
وطالب كي مون أطراف الصراع السوري باستئناف المفاوضات بإخلاص وجدية. وقال إنه تحدث مع كل من كيري ولافروف بشأن الوضع في سوريا. وتابع، إنه ناشد الوزيرين استخدام نفوذيهما من أجل استئناف المفاوضات بين الجانبين كما هو مخطط له في العاشر من الشهر الجاري في جنيف.
وطالب كي مون طرفي الصراع بأن يكونا «أكثر إخلاصا وأكثر جدية مما هما عليه الآن عندما يعودان مرة أخرى للتفاوض». وحذر بان كي مون من استخدام المفاوضات لأغراض تكتيكية بغية إطالة أمد الحرب. وفي لقاء ثنائي أميركي روسي، أبلغ كيري نظيره الروسي الحاجة إلى تشكيل حكومة انتقالية، عبر تفاهم متبادل.
كما أعرب عن قلقه بشأن الوضع الإنساني في سوريا، خاصة مدينة حمص، بالإضافة إلى قلق وانزعاج بلاده من بطء وتيرة نقل النظام لمخزونه الكيماوي، الذي اعتبره غير مقبول. ولوحظ انشغال الولايات المتحدة في التصريحات الخاصة بسوريا بالملف الكيماوي دون مؤتمر السلام.
الضغط الروسي
في الأثناء، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن بلاده تعجز بمفردها عن حل الأزمة السورية، ودعا إلى الضغط على طرفي الأزمة للتوصل إلى اتفاق ينهي النزاع. وقال لافروف، إن «روسيا لا تستطيع بمفردها حل الأزمة السورية»، داعياً بالتالي للـ«ضغط على طرفي النزاع من أجل التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة».
ولفت إلى أن الأزمة السورية أدت إلى تدفق عدد كبير من «الإرهابيين» إلى البلاد، وحضّ على توسيع وفد المعارضة في مفاوضات «جنيف-2».
النظام السوري
في غضون ذلك، اعتبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم أنه واهم من يعتقد أن أي هيئة حكم انتقالي ستحد من صلاحيات الرئيس بشار الأسد. وقال المعلم في حديث للصحافيين على متن الطائرة التي تقل الوفد السوري الرسمي من جنيف، ونقلت مقتطفات منه الإخبارية السورية: «إذا كان الطرف الآخر يحمل أوهام أن هيئة الحكم الانتقالي أو الحكومة القادمة ستحد من صلاحيات الرئيس (بشار الأسد) فهو واهم».
وأضاف: «نحن بلد فيه دستور ومؤسسات وحكومة ومجلس شعب ورئيس جمهورية وأي شيء يناقض دستورنا لن نقبله». ورأى أن رفض الائتلاف المعارض للبيان الذي تقدم به الوفد الرسمي حول الإرهاب يعتبر «وصمة عار في جبين الطرف الآخر الذي يسمي نفسه معارضة».
وفي ما يتعلق بالعودة إلى المفاوضات وفق الجدول الزمني الذي أعلن عنه الإبراهيمي، قال المعلم:«الإبراهيمي حدد العاشر من الشهر الجاري للعودة الى جنيف وهذا شأنه وقراره.. ونحن ننتظر التوجيه، فإذا كان بالعودة سنعود، ونحن جاهزون للمحادثات من ألفها إلى يائها».
واعتبر وزير الخارجية السوري أن الأمم المتحدة «قصرت في دعوة إيران إلى مونترو كما قصرت في دعوة مكونات من المعارضة الوطنية وهيئات المجتمع الأهلي كما نصت عليه وثيقة جنيف».
حياة آلاف المهددين بالجوع رهينة مؤتمر السلام
أصبح مصير نحو 2500 سوري محاصرين في حمص القديمة مرهونا بالمفاوضات المعقدة بين الحكومة السورية والمعارضة فيما تواجه وكالات الاغاثة معضلة أخلاقية وسط تقارير عن الموت جوعا، فيما أجلت وكالات إغاثة أمس مئات المحاصرين في مخيم اليرموك في دمشق.
وعبر وسيط الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي الذي أدار محادثات استمرت أسبوعا عن أمله في التوصل إلى اتفاق يمهد الطريق لتوصيل الإمدادات الغذائية والطبية إلى حمص وإجلاء النساء والأطفال من المدينة التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة. وانتهت المحادثات دون احراز تقدم الجمعة.
وقدم الجانبان طلبات تحول دون إحراز تقدم مما يضع وكالات الأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر في موقف لا تحسد عليه.
وقال مسؤول بالأمم المتحدة لوكالة «رويترز» إن الوضع «بالغ التعقيد. لم يتحقق مكسب سريع هذا الأسبوع».
وقال الإبراهيمي إن وفد الحكومة السورية قال إن بإمكان النساء والأطفال مغادرة حمص القديمة لكن يتعين على الرجال تسجيل اسمائهم قبل أن يسمح لهم بالخروج ووصف الوسيط الدولي هذا الطلب بأنه «شرط مسبق».
وأثار هذا الطلب قلق وكالات الأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر لأن نشطاء يقولون إن المخابرات السورية اعتقلت على الفور الرجال الذين تم إجلاؤهم بموجب اتفاق سابق من بلدة المعضمية المحاصرة.
وقال مسؤول الأمم المتحدة عن المعضلة في حمص: «من المحتمل أن تكون مذبحة بتصريح».
وتابع: «ستقع النساء تحت ضغط كي لا يغادرن وإذا قدمن اسماء أزواجهن أو آبائهن فإن ذلك سيكون حكما بالإعدام عليهم».
وتقول المعارضة السورية إن عرض الحكومة سيجبر النساء والأطفال على أن يصبحوا مشردين مقابل الغذاء.
وعبرت منسقة شؤون الإغاثة بالأمم المتحدة فاليري آموس عن إحباطها لانتهاء الجولة الأولى من المحادثات دون التوصل إلى اتفاق على ترتيبات لوقف القتال لفترات محددة لتوصيل المساعدات الإنسانية.
في الأثناء، قالت جماعة فلسطينية متحالفة مع النظام إن وكالات اغاثة في سوريا أجلت مئات الأشخاص من ضاحية اليرموك في العاصمة السورية التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في بادرة للتنسيق بين الحكومة وقوات المعارضة.
وقال الناطق باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، أنور رجا، إن الجبهة نسقت مع الهلال الأحمر العربي السوري لإخراج المئات من سكان الضاحية. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب الأوضاع في سوريا إن الأشخاص الذين تم إجلاؤهم نقلوا إلى عدة مستشفيات حكومية.
المصدر: ميونيخ، جنيف- البيان والوكالات