كاتب وإعلامي سعودي
للأسف البعض لدينا يزايد على الآخرين بانتمائهم إلى وطنهم، ويطلق التهم عليهم، وبخاصة ممن يستخدمون «تويتر» لدينا، وأزعجته النسب المرتفعة، لِمَ يستخدمون هذه الوسيلة لدينا؟ ويطالب بسن التشريعات لضبط ما يدور في «تويتر» من بعضنا، وهذا مطلب الجميع، لكن ماذا عنه، وهو من يشكك في ولاء الناس لأوطانهم، وأنهم حفنة من الجواسيس تدار من الخارج من جهات لها أجندات مضادة لوطننا؟ وليته يقدم ما لديه من أدلة عن ارتباط الآلاف ممن يستخدمون «تويتر» بتلك الجهات، وكأن من يدعو إلى ذلك وقع في المحظور نفسه، ودعوته إلى ضبط ما يدور في هذا العالم الافتراضي، والغريب أن من يدعو ويفزع من هذه النسبة المرتفعة من استخدام مواطنين، يتساءل ويبحث بواقعية عن أسبابها في وجودنا في هذه الوسيلة الإعلامية الجديدة، وعليه أن يقدم لنا دراسات وبحوثاً علمية عن هذه الظاهرة السعودية، ولماذا تلقفت هذه الشعوب العربية هذه الأدوات للتعبير عن واقعها وسعيها إلى إصلاحه؟ أما قضايا الجواسيس والأجندات الخارجية فهي تذكرني بالتغريب وزوّار السفارات التي كانت تستخدم من بعض التيارات الفكرية لدينا، والتي إذا اختلفت معها في أي طرح ونقاش فالتهمة الجاهزة هي أنك من دعاة التغريب، اختلف مسمى التهمة، لكن النتيجة واحدة، وهي إما أن تكون معي في الرأي، وإلا فأنت جاسوس وخائن ومارق.
كلنا يتذكر معارضة البعض منا والتهويل والتخويف من الغزو الثقافي الفضائي التلفزيوني، بل إن البعض قام بتسديد سهامه ورمي رصاصه والمنع والحجب، لكن الواقع والعولمة الكونية بأشكالها المختلفة فرضت تلك «الظاهرة الإعلامية»، وأصبحنا نحن العرب من أكثر الموجودين في الإعلام الفضائي التلفزيوني، على رغم ضعف المحتوى لقنواتنا التلفزيونية إلا ما ندر، هذا يذكرنا بما تتعرض له الآن هذه الوسائط الإعلامية الجديدة من هجوم، وللأسف من بعض المختصين في الدراسات الإعلامية، فبدلاً من أن يقدموا لنا دراسات موثقة عن حال هذه الظاهرة، نجدهم يقومون بالتخوين لمن يستخدمها، والغريب أن بعض هؤلاء لا يفارقونها، ونجدهم يغردون في «تويتر» صباح مساء، بل إن من يدعون إلى الموضوعية والعقلانية في استخدامها يستخدمونها لتصفية حسابات شخصية مع بعض من يختلفون معهم في مجالات العمل والرأي الفكري حول قضايانا الاجتماعية والسياسية.
إن الدعوة إلى الانغلاق والعيش خلف الجدران سياسة ولّت، مهما حاول البعض الدعوة إليها فنحن مجتمع كأي مجتمع آخر، له همومه وقضاياه، ولا توجد محاذير من مناقشتها في الفضاء الافتراضي، أما القول أن مثل هذه المعلومات قد تستغل من الآخرين في قضايا التجسس ضد وطننا، فهذه في اعتقادي من باب الترهيب والوطنية المزيفة، وكأن من ينتقد بموضوعية الشأن العام هو خارج عن النسق العام.
إن ما يظهر في «تويتر» لدينا هو باعتقادي إظهار الصورة الحقيقية لحالنا الثقافية والمسكوت عنها في الخطاب الثقافي الرسمي، وأنا من يرى أن فتح النقاشات حول قضايانا هو مكسب لوطننا، وأن الوعي الجمعي لدينا من خلال هذه الوسائل سيرتفع، والكل منا يتحمل مسؤوليته حول ما يغرد به، وكلنا يعرف أن التشريعات والقوانين للتعاطي مع هذه الظاهرة الإعلامية ستتطور تدريجياً مع الحالات التي نسمع عنها في المحاكم حول من يسيء إلى وطنه أو الآخرين في تغريداتها.
إن إقحام موضوع قيادة المرأة للسيارة في هذا الموضوع يمكن القول أنه من باب الانتهازية واستغلال هذه القضية، لتحقيق أهداف شخصية لمن يخونون من يدعو إليها، فكلنا يعرف أن هناك الآلاف من أبناء هذا الوطن يعيشون في دول غربية وعربية في بعثات دراسية، وقد يشاركون في الجدل حول هذه القضية سواء من مؤيدين لها أم معارضين، لكن المصيبة أن نتهم هؤلاء بأن البعض منهم مرتزقة وجواسيس، فهذه تهمة عارية من الصحة، وعلى من قدمها أن يقدم لنا «الدليل».
المصدر: صحيفة الحياة