كاتب إماراتي
كل إعلاميي الإمارات (تقريباً) تحدثوا عن منتدى الإعلام الإماراتي الأول. وهو المنتدى الذي انعقدت أعماله يوم الثلاثاء الماضي بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والعديد من السياسيين والفاعلين في مواقع التواصل الاجتماعي. وقد جمع المنتدى عدداً من الإعلاميين الإماراتيين من الرعيل الأول، وكذلك الشباب الذين ينتظرون دورهم لخدمة هذا الوطن.
وقد ناقش المنتدى قضايا عدة، فكانت القضية الأولى حول توطين الإعلام، ليس في المجال الإداري فقط، حيث تشير الأرقام إلى أن أغلب التوطين منصب على الجانب الإداري، ولكن في الجانب التحريري والكتابي، وهذا هو الأهم. وبحسب ما ذكر في المنتدى فإن نسبة توطين هذه المهنة في الإمارات لم تتعد 25.2 في المئة، وكان أغلبه في الجانب الإداري، مع أن الطموحات في بداية الثمانينيات من القرن العشرين الماضي كانت تشير إلى أن نسبة التوطين في عام 2001 ستكون 100 في المئة.
في زمن إعلام «التواصل الاجتماعي» بات مستحيلاً على الدول أن تراقب العمل الإعلامي، خاصة بعدما سجلت بعض المواقع الإعلامية زيارات للجمهور تفوق أحياناً المؤسسات الإعلامية التقليدية، لكن ما يمكن أن يفعله السياسيون هو إيجاد إعلام وطني يؤمن بما تقوم به الدولة، وخاصة من الجيل الجديد الذي يجيد التعامل مع الإعلام الحديث، بفضل المسؤولية الاجتماعية التي نمت عنده، وبالتالي فإن هذا الجيل سيكون خير أداة للدفاع عن مصالح الدولة.
ومن المستحيل أيضاً في عالم اليوم، أن تكون أي دولة بعيدة عن الاهتمامات الإعلامية للآخرين، أو أن تعتقد أنها لن تمس من قبلهم، بحكم اختلاف المصالح. لذلك فإن الوسيلة المثالية لكي تضمن أي دولة إبراز ما تحققه من إنجازات هي الاعتماد على العنصر المواطن كونه يدرك أكثر من غيره أهمية ما تفعله دولته. ولأن الدور الحيوي للدول يحتاج إلى مشاركة إعلامية فاعلة فإني أعتقد أنه إذا أردنا أن يكون إعلامنا ذا أثر في رسالته للخارج فعلينا أن نعمل على تمكين المواطنين فيه، مع التشديد على موضوعية المحتوى الإعلامي ومصداقية الخبر باعتبارهما من القيم التقليدية التي لا تتغير بتغير وسائل التعبير.
شهدت قضية توطين الإعلام بالإضافة إلى قضية تطوير التعليم والصحة اهتماماً إماراتياً، سواء ممن يعملون في هذه القطاعات، باعتبارهم خير من يمثلون المجتمع في هذه القضايا، أو ممن لديهم آراء يرغبون في الإسهام بها في خدمة الوطن ويعتقدون أنه قد تكون لآرائهم قيمة مضافة، لاسيما أن رأيهم يجد صدى لدى السلطة التنفيذية في الدولة، وبالتالي فإن ما يمكن تسجيله هنا أن ثمة رغبة مجتمعية لإيجاد حلول لمعالجة بعض الظواهر الإماراتية.
أتيحت لي فرصة قراءة بعض ما دار من النقاشات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك التحدث مع الذين أعتقد أنهم يحملون رسالة «إتاحة الفرصة» للشباب الإماراتي للعمل في القطاع الإعلامي، لاسيما أن هذه الفرصة تكون أحياناً سانحة لخريجين غير إماراتيين أكثر من المواطنين تحت العديد من الذرائع. وقد قالوا لي: إن النقاش هذه المرة كان جاداً ومقنعاً، وأكدوا أننا سنشهد توطيناً في إعلامنا لسببين: السبب الأول؛ تصدر قضية توطين الإعلام نقاشات المجلس الوطني للإعلام برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية منذ شهر مايو الماضي، وتأكيده على أن يكون العنصر المواطن هو الركيزة الأساسية لهذا القطاع بشرط ألا يكون التوطين على حساب الكفاءة.
السبب الثاني، أن الجميع ممن حضر منتدى الإعلام الإماراتي رأوا فيه مخاضاً إعلامياً ينبئ بفترة إعلامية مقبلة يتخذ فيها التوطين معاني أعمق وأكبر مما تفعله القطاعات الأخرى في موضوع التوطين. وقد أكد الجميع أن غير الإماراتيين من العاملين في هذا القطاع عازمون على نقل خبراتهم للشباب الإماراتي.
المنتدى كان عبارة عن حالة عصف ذهني ومراجعة إماراتية حقيقية حول واحد من أهم القطاعات في الإمارات. وفي الواقع، لم تعد الدول تترك هذا القطاع يعمل دون توجيه بعدما أدركت أهميته في خدمة السياسة العامة للدولة ومصالحها.
ما حدث في منتدى الإعلام الإماراتي لاقى تضامناً مجتمعياً من منتسبي قطاع الإعلام. وهو يبرز توجهاً مهماً لسد الفجوة بين الحالة التنموية التي تشهدها الدولة في المجالات كافة وبين عجز إعلامنا المحلي عن إبراز ذلك للرأي العام العالمي أيضاً. كما أنه يسدّ باباً درج البعض على ترديده بأن المواطن الإماراتي إما أنه غير مهيّأ للعمل الإعلامي، وإما أنه غير راغب في العمل في هذا القطاع الذي يتميز بالبحث عن «المتاعب»، إضافة إلى ما يتردد كثيراً من أن الإعلام مهنة لا تناسب المرأة. وقد أكد من تحدثت إليهم أن الصورة العامة في المنتدى جاءت لتدحض كل تلك الأفكار التي عششت في أذهان الكثيرين.
أنْ تتدخل فعاليات سياسية واجتماعية لمعالجة قضية مجتمعية فهذا يعني أمرين: أولهما، أن هناك إحساساً بأهمية القضية وأن ما يحدث هو تفكير إيجابي من أجل إيجاد حل. والأمر الثاني، أن هناك وعياً وطنياً بوجود جيل من الشباب الإماراتي يمتلك قدرات إعلامية بإمكانه إحداث تغيير في مفهوم الإعلام مع الاحتفاظ بالقيم الأساسية له.
أثبت الإعلام، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، أنه سلطة ومصدر قلق للكثيرين، لكنه في المقابل قد يكون ضمير وطن يتحدث عنه إذا ما تم توظيفه بشكل صحيح. فهو يلتقط كل صغيرة وكبيرة في المجتمع، وبالتالي يمثل هيبة خاصة إذا تم وضعه ضمن إطار قيمي ينظم العمل فيه، لاسيما من جيل الشباب. ولعل المطلوب بعد هذا العصف الذهني أن تتعاون المؤسسات الإعلامية في الدولة مع كليات الإعلام من أجل إعداد طالب الإعلام بشكل صحيح.
في الواقع نحن نعيش زمن الإعلام الحديث، وما ينبغي أن نفعله هو إعادة بناء مفهوم الإعلام ودوره من خلال جعل جميع العناصر الإماراتية تعمل من أجل الحفاظ على مكتسبات الدولة، وإبراز دورها لدى الرأي العام العالمي؛ فالعنصر الإماراتي هو صاحب القضية الأساسية وهو خير من يعبر عنها.
المصدر: الاتحاد