عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

«تويتر» وقلق «جندي القلعة»

آراء

في عهد وسائل التواصل الاجتماعي هناك وجهتا نظر لا تتفقان أبداً، الأولى ترى أن «تويتر» أولاً، وبقية الوسائل ثانياً، هو كل شيء وأهم شيء في حياتنا اليومية، والثانية لا تراه بتلك الأهميةـ، ولا تعير الوسائل الأخرى الكثير من الاهتمام.

«تويتر» صُنع ليكون منبراً للتعبير عن الأفكار والآراء، ومع الوقت أصبح «تويتر» الوسيلة الأولى لبث الأخبار في بعض الدول، ومنها الإمارات. وخير مثال هو إعلان تشكيلة مجلس الوزراء الجديدة، العام الماضي، عبر هذه المنصة.

«تويتر» كمنصة أعطى الجميع أدوات لتقييم ذواتهم، وقياس مدى قبولهم لدى الآخرين

شخصياً، لا أعير «تويتر» ولا الوسائل الأخرى كل اهتمامي، فكل ما أتابعه الحسابات الضرورية فقط، بحكم عملي، وبالتالي فإني من أصحاب وجهة النظر الثانية.. فماذا عن وجهة النظر الأولى؟

هؤلاء يقسّمون إلى فئات: الأولى لا تتوقف عن تحديث صفحة «تويتر» بحثاً عن أخبار، الثانية تريد الاطلاع على آخر تغريدات الأصدقاء وأخبارهم، الثالثة تبحث عن مواد جيدة للقراءة، الرابعة تريد إيجاد وتكوين مجموعة من الأشخاص الذين يشاركونها الرأي إيجاباً وسلباً. أما الخامسة، وهي اللافتة للانتباه، فهي فئة ترى ضرورة مقارنة نفسها بغيرها من النماذج الأكثر نجاحاً، وبالتالي العيش في قلق مستمر.

علماء النفس الباحثون في الموضوع وجدوا أن الفئة الخامسة (القلقة) تتأثر بما تراه في صفحة المستخدم المهتمة به، وهذا المستخدم غالباً ما يكون قد كسب شهرة في «تويتر»، وليس بالضرورة من المشاهير المعروفين، ومما تأثر به هؤلاء كان: تغريدات تعكس إنجازات المستخدم الشهير، وتترجم على شكل قصور ذاتي لدى الفئة الخامسة، التي تقارن هذا الإنجاز كنقص فيها، إضافة إلى صور سيلفي معالجة بعناية، ومقالات تم تعديلها منشورة في مدونات.

«تويتر»، كمنصة، أعطى الجميع أدوات لتقييم ذواتهم، وقياس مدى قبولهم لدى الآخرين، وهذه الأدوات هي عدّاد الإعجاب (لايك) بتغريدة ما، وعدّاد إعادة التغريدات، إضافة إلى عدّاد المتابعين. وهذه الآلية تحديداً ضمنت لـ«تويتر» عودة المستخدم عشرات المرات في اليوم الواحد، وهذا ليس إدماناً بقدر ما هو حالة قلق.

القلق كآلية يعمل على تذكيرك باستمرار أن سببه موجود، لكن في الحقيقة هو وهم خلقه «تويتر»، أو بالأحرى هو شعور بيولوجي موجود فينا، و«تويتر» مصمم لتغذيته. عندما نقلق فإننا تلقائياً نبدأ تفحص البيئة التي نكون فيها أو المجاورة بحثاً عن مصدر الخطر.

يعني أن مستخدم «تويتر» اليوم يمكن أن يقارن بجندي استطلاع مختبئ في قلعة منذ 200 عام، يراقب ما يجري في الأفق لتنبيه المكان الذي يحرسه بالخطر المقبل من بعيد. وتنبيهاته أخبار لأولئك الذين من حوله. الفرق أن التقنية لم تمنح هؤلاء ميزة جندي القلعة، لأننا نعيش في عالم مترابط تقنياً، ومصادر الأخبار لا تعد ولا تحصى، فما الذي يجعل الفئة الخامسة تدقق باستمرار في المعلومات المتدفقة عبر «تويتر»؟ لا شيء فعلاً.

ختاماً: «تويتر» ليس دليل عصرنة بقدر ما هو أداة استقطاب وتشكيل للرأي العام، وهو أيضاً منفذ لحياة أشخاص قد لا نلتقي بهم أبداً، وبلا سبب وجيه نظنهم أفضل وأذكى وأكثر نجاحاً منا. وهنا مصدر القلق غير المبرر، خصوصاً أن الفئة الخامسة تفوّت وقتاً ثميناً قد يحوي أجمل لحظات حياتهم، ومن أجل ماذا؟ «تويتر»!

المصدر: الإمارات اليوم