عبدالله القمزي
عبدالله القمزي
كاتب إماراتي

التفاصيل

آراء

في شركة تصنيع رخام في الولايات المتحدة، اجتمع المدير التنفيذي مع المدير المالي، وقال له: تبدو الصورة قاتمة، لقد قلّ الطلب على الرخام، بسبب دخول الاقتصاد المحلي فترة ركود، هل نعيد الهيكلة؟ فقال المدير المالي: فلنعد تدوير الموظفين أولاً، قبل تركهم يرحلون.

عاد المدير المالي إلى مكتبه، وأخبر سكرتيرته بما دار بينه وبين المدير التنفيذي، وكان يثق بها كثيراً.

وأثناء إجازة نهاية الأسبوع، دعيت السكرتيرة إلى حفل عيد ميلاد زميلة لها في الشركة. وهناك اتصل بها مديرها ليخبرها أن المدير التنفيذي قلق، ويفكر في إعادة الهيكلة.

فقالت السكرتيرة: ماذا تقول؟ هل ستقلّصون عدد الموظفين؟

سمعتها زميلتها وانتشر الخبر انتشار النار في الهشيم حتى قبل اتخاذ أي قرار. واضطر المدير التنفيذي إلى عقد اجتماع موسع مع الموظفين، قال لهم فيه: إن ما سمعوه هراء ولن يحدث.

وبعد ثلاثة أشهر، أنهت الشركة خدمات 10 موظفين. وعندما غضب الموظفون، قال لهم صاحب القرار في اجتماع: إنه أصلاً قرار مجلس الإدارة، وإنه كان يعلم، ولكنه لم يشأ إبلاغهم، وفي الحقيقة حاول إنقاذهم، ولم ينجح.

خرج الموظفون من الاجتماع ساخطين وهم يشتمونه.

على الضفة الأخرى من الأطلسي، في لندن، جمع رئيس شركة الموظفين، وقال لهم: لدينا أزمة.. إيراداتنا المالية في تراجع مستمر، بسبب شدة المنافسة من الشركات الأخرى في السوق، وقلة الطلب على منتجاتنا.. نحن مضطرون لإنهاء خدمات 20 موظفاً خلال أربعة أشهر من اليوم. حاولنا إلغاء بعض الإدارات وإعادة توزيع الموظفين، ولكن هذا الإجراء لم يسعفنا كما توقعنا. أرجو منكم تفهم القرار.

جمع الرئيس مديري الإدارات، وطلب منهم اختيار الأشخاص الذين يستطيعون الاستغناء عنهم، وطلب من المديرين إبلاغ الموظفين بقرار الاستغناء بدل إدارة الموارد البشرية.

في الأسبوع التالي، عقد الرئيس اجتماعاً مع موظفي الشركة، وقال: إن تغير سلوك المستهلك، وشدة المنافسة من الشركات الأخرى، إضافة إلى تراجع عدد براءات الاختراع التي قدمتها الشركة في الآونة الأخيرة، شكلت ضغطاً على الوضع المالي والاستراتيجي للشركة، وكانت سبباً في تراجعها.

ثم قال: سأكون شفافاً معكم، وأجيب عن كل أسئلتكم.. هناك معلومات أستطيع أن أقولها لكم اليوم، وهناك معلومات غير مسموح لي بأن أطلعكم عليها الآن، ولكن ربما أكون قادراً على مشاركتكم إياها الأسبوع القادم.

في الأسبوع التالي، قال الرئيس للموظفين: اقترحت على مجلس الإدارة نقل بعضكم للعمل في فروع الشركة الأخرى البعيدة عن لندن، أعلم أنه خيار غير ملائم، لكنه أفضل من أن يكون أحدكم بلا وظيفة.

بعد أسبوعين كان هناك لقاء على غداء تنظمه الشركة سنوياً في فندق فاخر، مجدول منذ ستة أشهر، إلا أن الرئيس ألغاه.

الحكمة:

التفاصيل هي ما يساعدنا على فهم ما يحدث لنا. إنكار الحقيقة بتفاصيلها يقوّض الثقة بالشخص، أما إطلاع أصحاب الشأن على التفاصيل فيبعث على الثقة، لأن الناس تقدر الصدق حتى إن كان مُرّاً. لن تكون قادراً على اطلاع الجميع على التفاصيل، لكن يمكنك التحدث بشفافية عن الموقف الذي يواجهك، وهذا بدوره يفسر للمتأثرين منطق تفكيرك، ويساعدهم على تفهم الموقف العام.

المصدر: الامارات اليوم