كاتب و صحفي
يزداد الموقف الروسي تشدداً مع الوقت في مسألة تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، وتؤكد موسكو أن الحرب السورية ستطول سنوات وستحصد المزيد من الضحايا إذا استمرت المعارضة المدعومة من العرب والغرب في المطالبة برحيله، لكنها لا تقدم أي تفسير علني لماذا تصر هي على بقائه، باستثناء الحديث العمومي عن «مبدأ عدم التدخل»، ولا توحي بالثمن الذي تطالب به في مقابل التخلي عنه والتوصل إلى تسوية تنتهي بزوال نظامه.
وتستغل روسيا الحرج العربي، الذي عبر عنه وزير الخارجية السعودي عندما تحدث عن «المأزق الكبير» المتمثل في عجز الدول العربية عن وقف حمام الدم في سورية واستحالة إقناع المعارضة بفكرة بقاءٍ ولو موقت للنظام الحالي بعد سقوط أكثر من 60 ألف قتيل، لتهدد (روسيا) بالمزيد من القتل وبإطالة أمد الاقتتال إلى ما لا نهاية، ولتؤكد استمرارها في منع مجلس الأمن من التوصل إلى إجماع ينهي المأساة.
وأمس، تأفف وزير الخارجية الروسي من «هوس» المعارضة بإطاحة النظام، وكأن الأسد وصل إلى السلطة في انتخابات حرة ونزيهة وليس وريث ديكتاتورية قامت على هيمنة أقلية على مقدرات الحكم بالترهيب والإقصاء.
لكن الروس الذين التقوا قيادات من مختلف أطراف المعارضة، يعرفون بالتأكيد أن هذه ستخسر مبرر وجودها إذا هي تراجعت عن مطلب التنحي، ويعرفون أن المواجهة، حتى لو طالت سنوات، لن تكون نتيجتها النهائية في مصلحة النظام. فما الذي يسعون إليه إذاً؟
تعتقد بعض الأوساط الغربية أن موسكو التي ترفض بشدة فكرة خروجها من آخر موطئ قدم لها في الشرق الأوسط، تهدف من هذا الابتزاز الدموي، إلى الحصول على موافقة عربية ودولية على أنّ أي تغيير للحكم في دمشق يجب أن تواكبه ضمانات لأمن الطائفة العلوية الحاكمة حالياً ومستقبلها، بما في ذلك منحها حيزاً جغرافياً (يشمل بالتأكيد القاعدة البحرية الروسية في طرطوس) تستطيع من خلاله ضمان عدم تعرضها لحملات انتقامية بسبب ما قامت به خلال السنوات الأربعين الماضية من حكم عائلة الأسد.
وترى الأوساط نفسها أن روسيا تبالغ في وصف الدور الذي تلعبه مجموعات متشددة في القتال الدائر، علماً أن هذه تشكل وفق التقديرات الغربية نسبة لا تزيد عن أربعة في المئة من مجموع مقاتلي المعارضة، لإثارة المخاوف من مرحلة ما بعد الأسد، ولإعطاء الانطباع بأن سورية ستتحول إلى ملاذ آمن لتنظيم «القاعدة» وما شابهه في حال رحيل النظام «العلماني» الحالي.
وسبق لموسكو أن دعمت بنجاح، حتى الآن، نموذجاً لدويلتين مصطنعتين في جورجيا، حيث تعترف باستقلال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وتنشر قواتها فيهما، بعدما عملت على إذكاء النزاع بين المجموعات العرقية بسبب مطالبة تبيليسي بإزالة القواعد العسكرية الروسية القائمة منذ العهد السوفياتي، وموافقتها على نشر جزء من منظومة الدرع الصاروخية الأطلسية على الأراضي الجورجية.
لكن هل يمكن فعلاً أن تنعم أي دويلة علوية بالاستقرار حتى لو حصلت على ضمانات دولية؟ الجواب سلبي على الأرجح، ذلك أن «الإقليمين المستقلين» في جورجيا يستمدان الحياة من محاذاتهما الأراضي الروسية ومن انتشار الجيش الروسي فيهما، أما تقسيم سورية فيصعب تصوره، لأنه سيهدد أمن المنطقة بأسرها ويفتح الباب أمام احتمال تقسيم دول أخرى وينتج حروباً لا تتوقف.
المصدر: صحيفة الحياة