أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية أن استضافة أبوظبي للاجتماع رفيع المستوى بشأن تغير المناخ يعد بمثابة تقدير دولي للدور المركزي والريادي الذي لعبته وتلعبه دولة الإمارات في دعم الإجراءات والتدابير والمبادرات العملية المبذولة للحد من ظاهرة تغير المناخ وتداعياتها.
جاء ذلك في تصريح لسموه بمناسبة استضافة أبوظبي اليوم لشخصيات رفيعة المستوى، بمن فيهم معالي بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة وآل جور نائب الرئيس الأميركي الأسبق، وتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وفيليبي كالديرون الرئيس المكسيكي السابق، لحضور الاجتماع رفيع المستوى بشأن تغير المناخ، الذي يهدف إلى بلورة وصياغة المزيد من المبادرات والحلول العملية والطموحة الرامية إلى الحد من ظاهرة التغير المناخي. وفيما يلي نص تصريح سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان:
إن انعقاد هذا الاجتماع في الإمارات العربية المتحدة يعد بمثابة تقدير دولي للدور المركزي والريادي الذي لعبته وتلعبه دولة الإمارات في دعم الإجراءات والتدابير والمبادرات العملية المبذولة للحد من ظاهرة تغير المناخ وتداعياتها، وتركز مشاركتنا ومساهمتنا في هذا المجال على حزمة متكاملة تجمع بين الإجراءات والتدابير المحلية المدروسة والاستثمارات الدولية في قطاعات الطاقة المتجددة، علاوة على دعم مبادرات وجهود التعاون الدولي في التعامل مع هذه الظاهرة. وتعود أسباب اضطلاع الإمارات بهذا الدور الحيوي والمركزي إلى قراءة المتغيرات التي يشهدها العالم بشكل استباقي وانطلاقاً من مبادئنا القائمة على الاهتمام الكبير بالإنسان؛ لأنه ثروتنا الحقيقية مع الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية التي نعتمد عليها جميعاً في حياتنا، وقد قال الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: إننا نولي بيئتنا جل اهتمامنا لأنها جزء عضوي لا يتجزأ من بلادنا وتاريخنا وتراثنا، لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض، وتعايشوا مع بيئتها في البر والبحر، وأدركوا بالفطرة وبالحس المرهف الحاجة إلى المحافظة عليها، وأن يأخذوا منها قدر احتياجهم فقط، ويتركوا فيها ما تجد فيه الأجيال القادمة مصدراً للخير، ونبعاً للعطاء، وكما أجدادنا كذلك نحن الذين نعيش الآن فوق هذه الأرض إننا مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا والحياة البرية فيها وحمايتها، ليس من أجل أنفسنا فقط، بل كذلك من أجل أبنائنا وأحفادنا، وهذا واجب علينا، واجب الوفاء لأسلافنا وأحفادنا على حد سواء وإذا ما فشلنا في ذلك، لا قدر الله، فمن حق أحفادنا أن يلومونا على أننا أضعنا جزءاً مهماً من تراثنا.
كما كان لسياسة الانفتاح على العالم والانخراط البناء والفاعل في التعاون الإقليمي والدولي، دور في أن تصبح دولة الإمارات مركزاً رئيسياً للتجارة ونقطة اتصال وتواصل للنشاط التجاري على الصعيدين الإقليمي والدولي، علاوة على كونها نقطة التقاء وتجمع للشعوب من مختلف بقاع العالم، وهي اليوم في قلب الاقتصاد العالمي، وتشتهر الإمارات بأنها دولة لها طابعها العالمي؛ لأنها تؤمن بالوسطية وبالتسامح الديني والثقافي والتعايش السلمي، كما تتميز بريادتها في مجال تمكين المرأة، فضلاً عن تنوع سكانها الوافدين من مختلف الجنسيات في العالم.
وبالنسبة لدولة تعتمد اعتماداً كبيراً على التجارة الخارجية للحصول على معظم إمداداتها واحتياجاتها من الغذاء كالإمارات، فإن تأثيرات وتداعيات تغير المناخ في كل مكان في العالم تنعكس آثارها عليها؛ ولهذا فإن موضوع حماية الزراعة والأنظمة المهمة الأخرى من تداعيات ظاهرة تغير المناخ سيكون محوراً مهماً من محاور ومجالات المباحثات والمناقشات والمداولات على جدول أعمال الاجتماع الوزاري في أبوظبي. ومن هذا المنطلق فإن دولة الإمارات تؤمن إيماناً راسخاً وثابتاً بالعمل الجماعي التعاوني وبالمبادرات متعددة الأطراف فلا تستطيع أي دولة أن تواجه تداعيات ظاهرة تغير المناخ بمفردها، ولكننا مجتمعون ومتحدون ومتعاونون لدينا القدرة على تحقيق النجاح المأمول.
المبدأ الراسخ
وبما أن بلدنا قائم ومؤسس على المبدأ الراسخ بأن لا نفقد أبدا الثوابت والبصيرة المتعلقة بالرؤية الواضحة الثابتة على المدى الطويل، فالعالم يشهد على الدوام تحديات جديدة سواء بفعل عدم الاستقرار السياسي والحروب والكوارث الطبيعية والأزمات المالية، ولكننا ونحن نواجه هذه التحديات الكبيرة يجب ألا يغيب عن بالنا تركيز أنظارنا على المستقبل، لنضمن رفاهية وسعادة ونمو وازدهار عالمنا على المدى البعيد، وهذه الرؤية تفسر قيام دولة الإمارات بالاستثمار محلياً وإقليمياً ودولياً في الحلول والمشاريع والبرامج التي تتعامل مع مواجهة ظاهرة التغير المناخي.
ومن خلال استراتيجية تنويع مصادر الطاقة قامت دولة الإمارات بدور رائد امتد تأثيره على مستوى المنطقة في مجال نشر مشاريع الطاقة المتجددة والطاقة البديلة والتقنيات النظيفة، بما في ذلك بناء القدرات في مجال الطاقة النووية السلمية، حيث تتمثل أهدافنا الوطنية في توفير ما نسبته 24 في المائة من الطاقة الكهربائية من مصادر خالية تماماً من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2021، وكذلك التقدم الكبير الذي أحرزناه في مجال الطاقة الشمسية، ويتضح ذلك من خلال تدشين «مصدر» لمحطة «شمس 1»، وهي محطة للطاقة الشمسية المركزة بقدرة 100 ميجاواط، وتعتبر واحدة من أضخم المحطات للطاقة الشمسية في العالم والأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط.
الاستثمارات الذكية
ولا يفوتني أن أذكر الاستثمارات الذكية للدولة في قطاع التعليم والأبحاث والاختراعات والابتكارات، في قطاع التكنولوجيا التي تقودها شركة «مصدر» لا سيما الاستثمار في طاقة المستقبل، وذلك بإنشاء مراكز الاختراعات والأبحاث المرموقة مثل معهد مصدر للدراسات العليا، ومركز الأبحاث للتكنولوجيات النظيفة في مدينة مصدر، التي تسعى لأن تكون واحدة من أكثر مدن العالم استدامة، كما نحرص على دعم زراعة وتطوير المحاصيل الزراعية القادرة على مواجهة ظروف الجفاف التي يمكن ريها باستخدام كميات أقل من المياه العذبة للارتقاء بقطاع زراعي مستدام يضمن أمن غذائنا. وانطلاقاً من رؤيتنا العالمية التي تقوم على دعم المبادرات والإجراءات الدولية، فقد التزمنا بتقديم ما مجموعه نصف مليار دولار تقريباً من المنح والمساعدات المالية لدعم الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة في البلدان النامية، كما أن دولة الإمارات تعتبر مستثمراً رئيسياً في الطاقة المتجددة تجارياً، ونفتخر بأننا نستضيف المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا».
المكان الأمثل للعالم
وبوتيرة متسارعة أكثر فأكثر، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة هي المكان الأمثل لالتقاء واجتماع دول العالم وقادته وكل الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص للوصول إلى الحلول العملية البناءة، وخير شاهد على ذلك مؤتمرات وفعاليات مثل «القمة العالمية لطاقة المستقبل» و«القمة العالمية للمياه» و«جائزة زايد لطاقة المستقبل» التي وضعتنا في قلب المباحثات والمؤتمرات الدولية والتعاون الدولي في مجال الطاقة المتجددة، والمجالات الأخرى ذات الصلة كالتنمية المستدامة والنمو الأخضر، كما أن بلدنا من بين أكثر المشاركين بفعالية في المفاوضات الدولية حول التغير المناخي والتنمية المستدامة.
إن الاجتماع الوزاري رفيع المستوى لقمة القادة للمناخ في أبوظبي يمثل دلالة بارزة وعلامة مستقبلية أكيدة على مشاركتنا ومساهمتنا المعترف بها في مجال الحلول المتعلقة بتداعيات ظاهرة التغير المناخي، وعلينا أن نحتفي ونحتفل بهذه الحقيقة الساطعة، كما أن علينا بذل المزيد من الجهود ومتابعة السير في هذا الطريق لتحقيق المزيد من الإنجازات، والفرصة سانحة خلال المباحثات القادمة للتوصل إلى اتفاقية قانونية جديدة حول المناخ خلال العام القادم 2015 للبناء على ما تم تحقيقه من تقدم في هذا الإطار، ولا ننسى الفرصة الأخرى في الأبعاد المتصلة بالاستدامة التي يوفرها فوزنا باستضافة معرض «إكسبو 2020».
أنا على يقين بأنه ومن خلال توحيد جهودنا والعمل بروح الفريق الواحد سنستطيع أن نرتقي إلى مستوى مواجهة التحدي الكبير المتمثل في التعامل مع ظاهرة تغير المناخ وتداعياتها، ودولة الإمارات تعتز وتفتخر بأدائها الدور المنشود والمأمول والمطلوب منها في دعم هذه الجهود التي نأمل أن تكلل بالنجاح».
المصدر: (أبوظبي – وام)