كاتبة سعودية
قدمت يوم الأربعاء الماضي في جمعية الثقافة والفنون بالرياض، ورقة عن غازي القصيبي، أختصر هنا بعض الأفكار عن شاعريته من خلال بعض دواوينه ونقده الشخصي لأعماله، فلو تأملنا في سيرة حياته سنلاحظ أنه لم يكتب مذكراته بالمعنى المتعارف عليه فقط لكن كل عمل أدبي له كان عبارة عن جزء من سيرة حياته، يسير بنا مع غازي خطوة بخطوة وأول خطاه مع الشعر بديوان وآخرها كذلك كانت بقصيدة!
عاش 70 عاما متنقلا في حياته وتعليمه وعمله بين محطات في مدن شهيرة.
بدأ امتداد غازي الطفل ليستخرج لنا اللؤلؤ من جزائره في البحرين في ديوان: (أشعار من جزائر اللؤلؤ)، فقد كان والده عبدالرحمن القصيبي ويلقب بـ”شيخ اللؤلؤ”، كان وكيلاً سياسياًّ للملك عبدالعزيز في البحرين، ونلاحظ الارتباط بالمكان وبتسمية والده بشيخ اللؤلؤ وبين عنوان الديوان يقول:
“آه ! كم أشقى بشيء مبهم
ثائر.. يشعل نارا في دمي
مرسلاً أصداءه عبر فمي
عالم يسبح فيه قلمي”
حياته في البحرين، كانت انفتاحا على حياة لم تكن ممكنة لو بقي في وطنه نظرا للغنى الثقافي في الكتب والحياة التي عاشها هناك ولعلاقاته الشعرية خاصة بصديقه الشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع، وكان الشاعران من بداياتهما صديقين للشعر ولهما صولات وجولات ومعارضات ومنافسات.
يقول غازي في سيرة شعرية بعد أن ذكر أنه بدأ يقرأ الشعر وأعجب بحافظ وشوقي والجواهري: “ثم التقيت بشعر عمر أبو ريشة و كان لقائي بعمر أبو ريشة نقطة تحول في مساري الشعري، ولعلي لا أعدو الحقيقة إذا قلت إنني تأثرت به أكثر من أي شاعر آخر… وإن كنت أعتقد أن تأثيره في قصائدي الأولى كان أوضح من تأثيره في قصائدي في المراحل التالية”، ويضرب مثلا لتأثره بقصيدة مصرع فنان لعمر أبي ريشة في قصيدته المسلول.
“وقد ذكر لي بعض عدد من الأصدقاء وكتب بعض النقاد، أن العديد من أشعار من جزائر اللؤلؤ تعكس روح المدرسة النزارية ولعل في هذه الملاحظة بعض الصحة”.
ثم يروي إعجابه بالشابي وهجره له لاحقا وإعجابه بإبراهيم ناجي الذي استمر حتى تأليف سيرته الشعرية.
ويذكر أن تأثير ناجي ظهر في ديوان لاحق هو قطرات من ظمأ. لكن يشير غازي إلى أن المؤثر الأول والأخير في الشاعر هو حياته نفسه. أما حين يتحدث عن المرأة في هذا الديوان يربطها بـ”مشاعر الحب الجارف الذي يربطني بمنزل الأسرة في البحرين”، ويذكر أن ما في الديوان كتبت بين السابعة عشرة والعشرين من عمره. لاحقا، يشير إلى أن صغر سنه يجعل هذا الديوان تجارب مراهق صغير السن واضطراره للتوقف عن كتبه الشعر السياسي أو الوطني العروبي. “ولقد أخبرني عدد من أصدقائي أنهم يعتبرون هذا الديوان أحسن ما كتبت على الإطلاق”.
قطرات من ظمأ: ديوان يحكي لقاء الشاعر مع الغربة الحقيقية في مجتمع غربي بعد حياته في البحرين ومصر واضطراره من البداية لاختيار دراسة مختلفة وصدمته بمرض أخيه بالفصام وتبعات المرض على الأسرة.
في شرقنا.. ننام في سلام
ونمضغ الأحلام حين نعوز الطعام
وننثني للبدر حين نشتهي الكلام
وعندما نضيق بالحياة
نقول بابتسام… عليكم السلام!
يقول غازي: “إن ديوان قطرات من ظمأ لا يضم قصائد وطنية لسبب بسيط وهو أني منذ طبع أشعار من جزائر اللؤلؤ وحتى طبع الديوان الثاني لم أكتب شعرا وطنيا باستثناء قصيدة يتيمة لمؤتمر الطلبة، مطلعها:
هيهات تنسيني البلاد بلادي
هيهات لا حب كحب سعاد
في ديوان معركة بلا راية: يقول غازي إنه لو استفتى النقاد لفضل غالبيتهم هذا الديوان نظرا للمعاناة الإنسانية التي ولد الديوان بين أحضانها أكثر من الديوانين السابقين.
قصيدتان كتب في رثاء جدته نشرت إحداهما في الديوان والثانية في سيرته ومنها:
(حبيبتي
الليل مطروح على الخيام
وفي يدي رسالة
سطورها تهتز في ضوء النجوم
حروفها تطفو على الضباب سرب يوم
تقول لي: سعاد
– وفوقها عبء السقام والسنين والحياة –
تصارع السقام والسنين والفناء
سعاد يا هموم!)
على المستوى السياسي في الديوان نكبة العرب في يونيو الأسود.
(كانت الدنيا دوارا
وغضبنا وصرخنا وارتمينا
شهقة مخنوقة تنضح عارا)
ديوان أبيات غزل: تجربة شعرية لغازي يقول عنها في سيرته إنه أخطأ باجتزاء أشعار من قصائد كاملة أفقدت المتلقي المعنى الكامل للتجربة النفسية ولو عاد الزمن للوراء ما أصدر هذا الديوان.
ديوان أنت الرياض:
وفي آخر الليل يأتي المخاض
وأحلم أنّا امتزجنا
فصرتُ الرياض..
وصرتِ الرياض
وصرنا الرياض..
كتب غالبية هذه القصائد بين سن الواحدة والثلاثين والسادسة والثلاثين وشهدت نوعا من الاستقرار مقارنة بما قبلها من دواوين.
(ولأول مرة يعكس ديوان من دواويني صورا من البيئة السعودية على نحو مباشر: (أنت الرياض) القصيدة التي استعرت من اسمها اسم الديوان تصور كيف تمتزج الحبيبة والمدينة فيصبحان شيئا واحدا، أن تذكرك المدينة بالحبيبة والحبيبة بالمدينة والحب في النهاية هو نفس الحب!
هناك قصيدة عن أبها هذه المدينة الحالمة الجميلة التي زرتها لأول مرة خلال هذه الفترة، صور المطر والصحراء تتكرر في أكثر من موضع في الديوان)، أيضا حوى الديوان قصائد رثاء لرجال من الوطن ومنهم والده وهذا جعله يبرر موقفه من الرثاء.
(لقد قلت من قبل إن شعر الرثاء لصيق بقلبي… شعر الرثاء يعبق بعطر الوفاء).
الحب في أنت الرياض حالة من الصفاء والروحانية كما يقر الشاعر بها وربما هي مرتبطة بامتداد الصحراء.
ديوان الحمى:
يال شقاء البلبل السجين
في القفص المذهب الثمين
ينشد ما ينشد من لحون
خافتة.. دافئة الشؤون
مثل دم يسيل من طعين
“الحمى” القصيدة برأيي الشخصي هي أجمل ما كتب غازي وتلخص صراعه مع المرض من جهة فتذكرنا بحمى المتنبي ومن جهة أخرى هي صراع على مستوى الحياة والعمل والصدامات التي بدأ يعيشها في وطنه.
العودة إلى الأماكن القديمة: يقرر أن هذا الديوان مشابه أو هو جزء آخر من الحمى وأن القصيدة التي يحمل اسمها الديوان كتبت قبل عودته سفيرا للبحرين عندما عاد في زيارة لها.
في سيرة غازي الشعرية يدهشك بأنه يعي دوافعه لكتابة نص ما، ومؤثراته وبعد إتمام العمل رأي الآخرين به. فكأنه يخلع عباءة الشاعر ليرتدي ثياب الناقد. والسؤال الذي يطرحه من قرأ وعرف كتابه لماذا يكتب شاعر سيرته الشعرية لولا أنه يملك حس الناقد!
في قصيدته التي أهداها في المجلة العربية إلى (س) رفيقة الرحلة المثيرة مع حب الخمسين!
قال:
خمسون تدفعك الرؤيا فتندفع
رفقاً بقلبك كاد القلب ينخلع
خمسون ما بلغ الساري ضحى غده
ولا الغيوم التي تخفيه تنقشع
يا رب في نصف قرن ما يرد به
رشد الغوى وما يهدي وما يزع
المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=24063